ترامب وسمسرة التطبيع الصهيوني

محمد عبدالمؤمن الشامي

 

ترامب لم يكن مجرد رئيس أمريكي في ولايته الأولى، بل كان المهندس الأول لاتفاقيات أبراهام، الصفقة التي صوّرت السلام على أنه خيار، بينما كان في الحقيقة أداة لصالح الاحتلال الصهيوني. واليوم، في ولايته الثانية، يوسّع المشروع عالميًا: كازاخستان أول محطة، تليها دول أخرى، لتصبح إدارة ترامب سمسار التطبيع الصهيوني على مستوى العالم.

هنا، السياسة تتحول إلى سوق، والدبلوماسية إلى صفقات، والسلام إلى سلعة، والاحتلال هو الرابح الأكبر، بينما الفلسطينيون يدفعون الثمن. أبراهام ليست مجرد اتفاقيات، بل إرث ترامب الأول، وولايته الثانية هي نسختها المطوّرة: أوسع، أجرأ، وأكثر وقاحة، تثبت أن التطبيع أصبح سياسة أمريكية عالمية يقودها الرئيس نفسه.

منذ البداية، كانت اتفاقيات أبراهام بمثابة صفقة القرن الصهيونية الأولى، حيث تم تصوير التطبيع العربي مع الاحتلال على أنه “تقدم حضاري”، في حين أن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا. ترامب، الرجل الذي اشتهر في عالم العقارات بالصفقات الكبرى والربح الفاحش، لم يكتفِ بتحويل مصالحه الشخصية إلى نفوذ اقتصادي، بل استغل منصبه لتحويل الدبلوماسية إلى سوق للتطبيع، حيث كل دولة جديدة تصبح شريكًا في شرعنة الاحتلال وتوسيع نفوذه، على حساب الحقوق الفلسطينية.

إعلان كازاخستان في ولايته الثانية ليس مجرد خبر سياسي عابر؛ بل إشارة واضحة إلى استراتيجية مستمرة. ترامب يعيد إنتاج نموذج التطبيع الذي أنشأه في ولايته الأولى، ويحوّله إلى سياسة عالمية، موجهة نحو آسيا الوسطى ودول أخرى خارج نطاق الشرق الأوسط التقليدي. هذه الخطوة تظهر أن ترامب لا يرى التطبيع مجرد اتفاقيات ثنائية، بل شبكة دولية مترابطة تعمل لصالح الصهيونية وتشرعن الاحتلال.

ما يميز ترامب في هذه العملية هو المزج بين مصالحه الشخصية والسياسات العامة. الرجل الذي عرف في عالم العقارات بسعيه وراء الصفقات الكبرى وجد في اتفاقيات أبراهام فرصة ذهبية لتوسيع دائرة النفوذ الصهيوني على مستوى العالم. من وساطة الرئيس الأمريكي أصبح ترامب سمسارًا دوليًا للتطبيع، يبيع السلام المزيف باسم الدبلوماسية، بينما الواقع يكشف عن لعبة قذرة تديرها مصالح سياسية واقتصادية، والنتيجة الوحيدة الواضحة هي المزيد من تهميش الفلسطينيين وتكريس الاحتلال على الأراضي المحتلة.

الاتفاقيات لم تقتصر على السياسة وحدها، بل امتدت لتشمل الاقتصاد والدبلوماسية والثقافة، حيث تفتح الأبواب أمام الاستثمارات المشتركة، والتبادلات الاقتصادية التي تمنح الاحتلال غطاء إضافيًا لتثبيت أقدامه. كل دولة جديدة تنضم إلى اتفاقيات أبراهام تصبح جزءًا من شبكة دولية تقوي المشروع الصهيوني، وتحوّل التطبيع إلى سلوك طبيعي في العلاقات الدولية، بينما يتم تجاهل الحقوق الفلسطينية بالكامل.

على المستوى الإعلامي، نجح ترامب في تقديم التطبيع كخطوة حضارية نحو السلام، في حين أن الواقع يكشف عن آلة دبلوماسية لتبييض الاحتلال وتمكينه من فرض نفوذه بلا مساءلة. كل إعلان عن دولة جديدة ينضم لاتفاقيات أبراهام هو بمثابة صفقة جديدة في سوق التطبيع العالمي، والضحايا الحقيقيون هم الفلسطينيون، الذين تدفع قضيتهم ثمناً باهظًا لكل خطوة في هذا الطريق.

من ولاية ترامب الأولى إلى ولايته الثانية، يمكن ملاحظة تطور استراتيجي واضح: أبراهام هي إرث ترامب الأول، وولايته الثانية نسخة مطورة، أوسع وأجرأ وأكثر وقاحة. كازاخستان هي البداية، لكن الهدف أكبر من ذلك: تحويل التطبيع إلى سياسة أمريكية عالمية، تُدار شخصيًا من الرئيس ترامب، وتصبح أداة رئيسية لتعزيز النفوذ الصهيوني، وتثبيت الاحتلال، وشرعنة كل خطوة دولية تُقوّي مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

في النهاية، مسيرة ترامب من عالم العقارات إلى البيت الأبيض تكشف دوره كـ سمسار التطبيع الصهيوني. ليس مجرد رئيس أمريكي، بل جزء من آلة دبلوماسية عالمية، يستخدم أدوات الاقتصاد والسياسة والإعلام لتسويق التطبيع كخيار طبيعي، بينما الواقع يكشف أنه مشروع لتفكيك المقاومة العربية والإسلامية وإضعاف أي جهود فلسطينية لاستعادة الحقوق المشروعة. إعلان كازاخستان الأخير هو تذكير بأن التطبيع أصبح استراتيجية أمريكية عالمية، وترامب هو مهندسها الرئيس، وصانعها الذي يحدد من يشارك ومن يُستبعد، في لعبة دولية لا تعترف إلا بالقوة والصفقات، والفلسطينيون هم الخاسر الأكبر في كل مرة.

ومع كل ضجيج ترامب وسمسرة التطبيع الصهيوني، طالما أن هناك محور مقاومة متماسكاً وأحراراً العالم يقفون مع فلسطين، فإن كل هذه الصفقات المزيفة ستظل مجرد ورق مزخرف على طاولة الاحتلال. ترامب قد يبيع السلام المزيف ويعلن عن دول جديدة تنضم لأبراهام، لكنه لا يستطيع شراء الإرادة الحرة للشعوب، ولا طمس الحقيقة التاريخية لفلسطين. كل محاولة لتطبيع العلاقات مع الاحتلال ستصطدم بصمود المقاومة وصوت الأحرار، الذين يثبتون أن الحق والعدالة لا يُشترى بالصفقات ولا يُسوّق بالدبلوماسية الأمريكية. التطبيع قد يوسع النفوذ مؤقتًا، لكنه لن يمحو صرخة فلسطين ولن يوقف رياح المقاومة التي ستظل دائمًا أكبر من أي صفقة أو إعلان، لتذكّر العالم أن القضية الحقيقية مستمرة، وأن فلسطين ستبقى رمز التحدي والمقاومة لكل مشاريع التهويد والتطبيع.

قد يعجبك ايضا