حارسات النار .. عشرة أعوام والمرأة اليمنية توقد شمعة الأمل

عادل حويس

بين أنقاض الحرب وصمت الأسلحة تقف المرأة اليمنية كشجرة نخيل باسقة جذورها ممتدة في أعماق الأرض وأغصانها تتحدى القيظ والعواصف. عشر سنوات وهي حاملة هموم الحياة على كتفيها حارسة لشعلة الأمل في عتمة الدمار.

في الصباح الباكر تبدأ رحلتها اليومية بحثاً عن الماء تسير أميالاً وهي تحمل وعاءها فوق رأسها كتاج من الشموخ. عند البئر تلتقي بنسوة مثلها، يتبادلن همسات كالندى وابتسامات تخفي دموعاً لا تجف. ثم تعود إلى دار نصفه مهدم لكن قلبه لا يزال ينبض بدفء الأمومة.

في المدارس التي تحولت إلى ملاجئ تجلس المرأة اليمنية مع أطفالها تعلمهم من ذاكرتها ما دمرته قذائف العدوان في الكتب. بإصبعها المرتجف ترسم على التراب أحرف الأبجدية وتنقل لهم حكايات اليمن العظيم كما تنقل الجدات أسرار النجوم في ليالي السمر.

في المستشفيات التي تفتقر إلى أبسط الأدوية تقف الطبيبة والممرضة اليمنية كحارسة لآخر حدود الحياة. بعينيها المنتقبتين تراقب أنفاس المرضى وتصنع من اليأس رجاء ومن الألم صبراً. تمسح جباه المحمومين بيد ناعمة تعرف معنى الحرارة والبرودة.

في الأسواق الشعبية تبيع المرأة اليمنية ما تيسر من بضاعة – أعشاباً طبية جمعتها من الجبال أو حلياً فضية ورثتها عن أمها. تقف طوال النهار تحت وهج الشمس، لكن كرامتها لا تنحني وعزيمتها لا تكل.

وفي البيوت تنسج من دقيق القمح خبزاً يطعم أطفالها وتصنع من بقايا القماش ثياباً تدفئ عائلتها. في عينيها تتلألأ أحلام بمستقبل أفضل وفي صدرها ينبض قلب لا يعرف الاستسلام.

المرأة اليمنية لم تكن مجرد شاهدة على الحرب بل كانت بطلة في ملحمة الصمود. حملت راية الحياة عندما سقطت كل الرايات وروت بدمها ودمعها شجرة الأمل في أرض محروقة. هي الأم والأخت والابنة هي المعلمة والطبيبة والمزارعة والإعلامية والتنوير هي اليمن الحقيقي الذي لا ينكسر.

سيزول العدوان وإربابه يوماً وستروي الأجيال القادمة قصة امرأة وقفت كالجبال وحافظت على شعلة الإنسان متقدة في أحلك الليالي. لأن المرأة اليمنية لم تكن فقط تصمد، بل كانت تخلق من رحم المعاناة معجزة الحياة نفسها.

قد يعجبك ايضا