للعظمة رجالها، وللقيادة أهلها، وللبطولة فرسانها، وللبذل والجود والعطاء كوادر أخلصت النوايا، وصدقت في الأقوال والأفعال، وجادت بالمال والنفس، وللجهاد رجال مؤمنون “صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”، رجال باعوا من الله أنفسهم والله اشتراها منهم بثمن غالٍ جدًّا وهو الجنة، وهي التجارة الأكثر ربحية، والأعظم ثمرةً، والأكبر حجمًا، والتي لا تضاهيها أي تجارة على وجه المعمورة على مر العصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تجارة اختص بها الله الخُلُّص من أوليائه المؤمنين المجاهدين في سبيله، الذين خرجوا ابتغاء مرضاته، ومن هؤلاء القائد المجاهد الكبير الفريق الركن الشهيد محمد عبد الكريم الغماري رئيس هيئة أركان القوات المسلحة اليمنية الفارس الحيدري الذي ترجل من على صهوة جواده ليرتقي شهيدًا على إثر غارة جوية لكيان العدو الصهيوأمريكي على بلادنا وهو يؤدي واجبه الجهادي المقدس في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس على طريق القدس والتي كان قائدها الميداني الفذ، وعقلها المدبر، و مهندس تفاصيلها الدقيقة، والمتحكم في مسارها، والوقود الذي يشعلها حممًا بالستية فرط صوتية صاروخية ملتهبة، وطائرات مسيرة هجومية متفجرة، تحت قيادة ربان السفينة وقائد المسيرة، السيد القائد العلم عبد الملك بدر الدين الحوثي ( يحفظه الله).
تاريخ نضالي جهادي مزدان بحلل الألق والبهاء، ومرصع بنياشين البطولة والعظمة والشجاعة والبأس والإقدام، والبذل والعطاء والشموخ والإباء والتضحية والفداء، من حروب صعدة الظالمة برز الشهيد الغماري مجاهدًا مقدامًا صال وجال في مختلف الجبهات والمحاور التي عمل نظام السعودية والولايات على دعمها وإسنادها في محاولة منهم لوأد المسيرة القرآنية في مهدها، واستهدافها في مسقط رأسها، والقضاء عليها في مراحلها الأولى، فكان القائد الميداني الفذ الذي نجح بامتياز في المهام العسكرية والأمنية التي أوكلت له، حيث أبلى بلاءً حسنًا، وكان لحضوره البارز في ثورة 21 سبتمبر وما تلاها من أحداث متمثلة في العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ومشاركته في عدد من جبهات العزة والكرامة إلى جانب المجاهدين العظماء، حيث حكى لي أحد المجاهدين عن الزيارات التي قام بها الشهيد الغماري لهم والأسلوب الذي كان يتعامل به معهم والروح المعنوية التي كان يصنعها في أوساطهم، والرعاية والاهتمام والتفقد الذي كان يحيطهم به، والذي جعل من زياراته لهم أشبه بالعيد.
علاوةً على ما تميز به من ملكات إدارية وتطلعات عسكرية واسعة الأفق في جانب تعزيز قوة الردع اليمني، ما أهّله لاحقًا لتولي المهام الأمنية والعسكرية والتي كان آخرها توليه مهام رئاسة هيئة الأركان العامة بالقوات المسلحة اليمنية منذ العام 2016 وحتى اللحظة التي ارتقى فيها شهيدًا رِفقةَ نجله حسين وثلاثة من مرافقيه.
ويحسب للقائد المجاهد الشهيد الغماري إدارته الحكيمة ومشاركته الفاعلة والمشهودة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس دعمًا وإسنادًا لغزة، وبصماته الواضحة في مجال التصنيع الحربي، والذي أعطاه جل وقته، وأحاطه برعايته واهتمامه، بل وإشرافه المباشر على المسرح العملياتي في إطار مسار الحشد والتعبئة، والاستعداد والجهوزية، لخوض غمار المواجهة مع العدو الأمريكي والصهيوني وأذنابهما والتي تأتي ردة فعل على معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس التي تخوضها بلادنا دعمًا وإسنادًا لغزة وفلسطين.
كل هذه الأدوار، وكل هذه المهام، وكل هذه المسؤوليات، قام بها ونفذها بكل كفاءة وفاعلية بصمت، نعم بصمت بعيدًا عن الظهور الإعلامي، وعدسات الكاميرات، حيث كان حريصًا على أن يعمل في صمت خلف الأضواء، لأنه كان لا يرى في ذلك أهميةً بالنسبة له؛ باعتبار ما يقوم به مسؤوليةً وواجبًا دينيًّا مقدسًا لا يحتاج إلى شكر وثناء، ولا كاميرات وأضواء، ولا إشادة وإطراء، فمن الله وحده كان يبغي الأجر و الثواب والجزاء، هكذا عرفه كل من حوله، وبهكذا عرفناه خلال تلكم المراحل التي تولى فيها المهام والمسؤوليات التي أوكلت له.
خلاصة الخلاصة: لقد توّج القائد المجاهد محمد عبد الكريم الغماري مسيرته الجهادية النضالية الإيمانية بالشهادة في سبيل الله رِفقةَ فلذة كبده حسين ومرافقيه العظماء، في أقدس معركة (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس) دعمًا وإسنادًا لغزة وفلسطين، وأشرف ساحة (على طريق القدس)، لقد نال ما تمناه، وما يتمناه كل مؤمن صادق مخلص لله ولرسوله، لقد أوفى بالعهد وأَبرَّ بالقسم، ولا غرابة أن يحتشد اليمنيون بكل تلكم الجموع الغفيرة من مختلف المحافظات بالأمس في مراسيم تشييعه المهيبة، وفاءً له وللإرث الذي خلّفه، وللمواقف والبطولات التي سطّرها، والتضحيات العظيمة التي قدّمها في سبيل الله، فهنيئًا لك أيها الشهيد المجاهد هذا المقام وهذه المكانة وهذا الحب وهذا التكريم وهذا الاصطفاء، وهذا الوفاء الرسمي والشعبي المستحق، وطبتم، وطابت روحكم الطاهرة ورفاقكم الشهداء العظماء في أعلى عليين.
والعاقبة للمتقين.