استهلاك المياه الجوفية 

احمد ماجد الجمال

 

الماء ليس له بديلا، فغيابه أكبر معضلة في الحياة كونه يشكل المصير ويرسم شكل البدايات والنهايات ومن هنا تأتي أهميته نتيجة الدور الذي يلعبه في حياة البشر، لا حدود له، أما مدى التأثير الإيجابي لتوفره والسلبي لغيابه وبكل درجاته، فأمر في غاية الأهمية والمسؤولية، فقلة المياه في ظل زيادة الطلب عليه من جميع القطاعات المستهلكة تعتبر مسألة جوهرية وتطرح وتجدد التساؤلات باستمرار، حيث تتعاظم مع الحقيقة بأن الماء هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن صناعته وتخليقه رغم المعرفة العلمية بتركيبه الكيميائي، ومن هنا تأتي خطورة الدور الذي يلعبه في الحياة، حيث تتجلى الأهمية وتتعاظم مع قلة المياه من مصادرها الطبيعية، فمثل وضع بلادنا الأمر يختلف ويؤكد أن المياه الجوفية من أهم موارد المياه العذبة لجميع السكان، لأنها بمثابة تامين إذ تساهم في حماية الأمن الغذائي والحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتصبح أغلى وأندر ثروة طبيعية، لكن المعضلة تبقى فيما يقابله من نقص في التعامل العلمي رغم أهميته الحياتية والاقتصادية والفرص المتاحة للاستفادة من ذلك، مع هذه الاشكالية فاليمن من أكثر الدول التي تعتمد بنسبة كبيرة على المياه الجوفية في ظل حقيقة قلة موارد المياه الطبيعية إلى جانب كونه محدود الكم والكيف وبالتالي سيظل تكرار الإشارة إليه كقضية محورية امر طبيعي، لأنه قابل للنضوب بفعل الاستهلاك الكبير الذي اقترب لدرجة ربما تلامس سقف الاستنزاف، ذلك ما يجب أن يدفع ويزيد من ضرورة الاهتمام بالمياه المتجددة المحدودة من الأمطار وفي نفس الوقت يزيد من أهمية تنمية المياه الجوفية المتجددة.

فالله سبحانه وتعالى جعل الماء في دورة مستدامة على وجه الأرض يتحول من حالة صلبة «ثلوج» إلى حالة سائلة ماء، ثم يتعرض بسبب حرارة الشمس إلى حالة تبخير، فيصبح بخاراً تنقله الرياح من مكان لآخر ثم يتكثف وينزل ماء مرة أخرى على الأرض هكذا في حركة مستدامة.

الأهم في هذه الدورة أو الحركة المائية هو عنصر الغطاء النباتي من أشجار، كلما زادت كثافة الأشجار ومساحاتها على الأرض، كلما تعاظمت كميات الأمطار فلا شيء يحصل من لا شيء، فالمخزون من المياه الاستراتيجية هو من فترات العصور المطيرة والغابرة، من هنا تأخذ أهميتها ودورها الوظيفي البيئي في استجلاب السحب المحملة ببخار الماء، والعابرة إليها من البحار القريبة، وما يتم خزنه في رصيد المياه الاستراتيجية الجوفية المتجددة هو أثمن وأغلى شيء وهي الحقيقة التي تفرضها ندرة أو قلة مصادر المياه الطبيعية الأخرى.

السحب الزائد يؤدي إلى زيادة الضغط على المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية بشكل كبير، كونه موجهاً لاستخدام البشر وللزراعة بكافة إشكالها والصناعة والخدمات، كما أن الاستمرار في حفر آبار بأعداد كبيرة والتعميق في الحفر للآبار التي جفت أو تراجع الماء فيها ليتم تعميقها كلها مؤشرات تظهر وتؤكد من وقت إلى آخر أن التراجع المستمر وهبوط مناسيب المياه بشكل حاد ونضوب بعض المواقع من المياه الجوفية إنما هو واقع لاتجاهات وتعاملات سلبية ومن الأهمية بمكان متابعتها بشكل علمي للحاضر والمستقبل، حيث تتعاقب أدوار من التوسعات العمرانية والزراعية والصناعية والنمو السكاني ومن وقت إلى آخر ومن جيل إلى آخر، لتبدأ أدوار أخرى تواصل عمليات السحب من المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية الأحفورية، في الوقت الذي يحتاج فيه خصوصا في مناطق المياه الجوفية المتجددة إلى استراتيجية زراعية ومائية وبيئية مستدامة، لأن المياه الجوفية مورد مشترك يلزم تقدير قيمته بشكل صحيح وإدارته بعناية فائقة لإفادة المجتمع والاقتصاد والبيئة.

ومن صلب هذه الأهمية تبرز ضرورة اتباع أساليب التخطيط بعيد المدى، مثل الاستفادة من الطرق العلمية في استمطار السحاب في المناطق المطيرة عن طريق تكثيف الغطاء النباتي من الأشجار والتركيز على تشجير كل المساحات والأراضي في هذه المناطق المطيرة بكثافة عالية بهدف الحفاظ على استدامة متابعة الحماية والرعاية بشكل استثنائي.

باحث في وزارة المالية

 

 

 

قد يعجبك ايضا