
مديرية جبل مراد بمحافظة مأرب من أكثر مديريات الوطن إهمالاٍ في شتى نواحي الحياة رغم أن أبناءها الأكثر إقبالا على التعليم على مستوى مديريات المحافظة إلا أن هذه المديرية الفتية شهدت خلال الأعوام الماضية مشكلة كبيرة تهدد محاصيلها الغذائية وتستنزف مياهها وتتمثل هذه المشكلة في اتساع رقعة زراعة القات على حساب المزروعات الأخرى التي كانت تشتهر بها المديرية وأوديتها مثل أشجار الفواكه وعلى رأسها أشجار العنب وغيرها غير أن تلك الأودية التي تحيط بها الجبال من كل اتجاه غزتها شجرة القات التي استبدلت من قبل بعض المزارعين بدلاٍ عن أنواع عديدة من أشجار الفاكهة وهناك أيضا أنواع أخرى من أشجار الفاكهة والمحاصيل الزراعية تنتظر دورها في القلع والاستبدال بشجرة القات.. دون أن تحرك السلطة المحلية والجهات المعنية بالمحافظة ساكنا تجاه هذا الخطر الذي ينذر بالقضاء على المحاصيل الزراعية المفيدة التي تشتهر بها مديرية جبل مراد وتغطي نسبة كبيرة من احتياجات المواطنين بالمديريه “الثورة” ناقشت هذه المشكلة مع مزارعين ومواطنين ومختصين بالمحافظة وكانت الحصيلة كالتالي:
البداية كانت مع الأخ مقبل عامر الصالحي وهو أحد أبناء قرية الثيلة بمديرية جبل مراد حيث قال: إن الدوافع لدى الكثير من المزارعين بالمديرية للانتقال لزراعة شجرة القات تتمثل في الربح السريع الذي يحصلون عليه من بيع القات كون هذه الشجرة مطلوبة بشكل كبير وبالإمكان بيعها بسهولة ويسر في أي وقت من أوقات السنة أضف إلى ذلك أن هؤلاء المزارعين لا يقومون بقطف أغصان القات ونقلها إلى الأسواق المحلية بالمحافظة وهذا يوفر عليهم الكثير من الأموال التي تستنزف مقابل تكاليف نقل وبيع محاصيلهم الزراعية الأخرى كون المشترين للقات يذهبون إلى مزارع القات ويدفعون ثمن أغصان القات قبل قطفها فيتولون نيابة عن المزارعين عملية القطف بأنفسهم بعكس الزراعات الأخرى التي تتطلب من المزارعين جني ثمارها ونقلها وإيصالها إلى الأسواق كما أن زراعة شجرة القات تؤتي محصولها من ثلاث إلى أربع مرات في السنة الواحدة بخلاف بقية المحاصيل الأخرى التي لا يأتي محصولها سوى مرة واحدة في العام وفي وقت معين ورغم هذه النتيجة التي يعدها المزارعون ميزة جيدة وذات فائدة مادية كبيرة إلا أن زراعة شجرة القات في مديرية جبل مراد وفي غيرها من المديريات في المحافظات الأخرى تستنزف الثروة المائية بشكل كبير جداٍ ويؤدي تعاطي القات في كثير من الأوقات إلى إصابة متعاطيه بسوء تغذية وبجفاف بل وبأنواع عديدة من أمراض السرطان وغيرها نتيجة لرشها بأنواع خطيرة ومتعددة من المبيدات.
أرباح مغرية..!
من جهته تحدث الأخ محمد علي ناصر – أحد المزارعين في المديرية – عن سبب زراعته للقات بدلاٍ عن المحاصيل الزراعية الأخرى قائلاٍ: لم تكن تعرف مديرية جبل مراد زراعة القات نهائياٍ قبل خمسة عشر عاماٍ تقريباٍ وهي الفترة التي بدأ بعدها نقل القات للمديرية وبيعه فيها عن طريق أناس يأتون من خارج المديرية وقبل حوالي عشر سنوات بدأنا كمزارعين نفكر بزراعة شجرة القات بعد أن وجدنا الإقبال الكبير عليها من قبل المواطنين فراقت لنا الفكرة فانتقلنا في الحال إلى تجربة زراعة هذه الشجرة فكانت النتيجة مغرية لنا منذ الأشهر الأولى لزراعتها حيث حققنا أرباحاٍ باهظة مقارنة بما كنا نحصل عليه من أرباح ثمار المحاصيل الزراعية الأخرى.
وأردف قائلاٍ: في الآونة الأخيرة تم إنشاء العديد من الحواجز المائية في مديريتنا لمياه الأمطار والسيول وهو ما وفر بدوره كميات لا بأس بها من المياه في تلك الحواجز وشجعنا في زراعة المزيد من المساحات الزراعية بشجرة القات فالقات يعود علينا بالمكسب المادي المناسب من بيعه كما أننا لم نعد نشتري أعشاب القات من الأماكن الأخرى لاكتفائنا الذاتي من شجرة القات.
تهديد للثروة المائية
وحتى تكتمل الرؤية حول هذا الموضوع التقينا المهندس الزراعي الأخ محمد عباد المرادي وسألناه حول أسباب اتساع زراعة القات في مديرية جبل مراد وهل بالإمكان الحد من ذلك¿¿ وما هي البدائل والحلول¿¿ وهل أصبح أمر اقتلاع شجرة القات أو الحد من زراعته مستحيلاٍ ¿¿ فرد قائلاٍ: لا شك أن الربح السريع هو السبب الرئيسي للانتقال من زراعة الفاكهة وغيرها من المحاصيل الزراعية الغذائية إلى زراعة القات بالإضافة إلى أن القات محصول متكرر في العام الزراعي الواحد بخلاف القمح والذرة والعنب وغيرها من المحاصيل الزراعية الأخرى التي لا تؤتي ثمارها سوى مرة واحدة في العام.
وأضاف: لقد أصبحت زراعة القات مشكلة حقيقية في مديرية جبل مراد وغيرها من مديريات الجمهورية كونها توسعت على حساب مساحات المزروعات الأخرى من أشجار الفواكه وغيرها من المزروعات الغذائية وتشكل تهديداٍ كبيراٍ للموارد المائية في المديرية.
منوها بأن مديرية جبل مراد تعتبر من أكثر المديريات شحة في الأراضي الصالحة للزراعة ومع ذلك تتسع زراعة القات في تلك المساحات على حساب زراعة المحاصيل الزراعية الأساسية والمهمة في حياة الناس.
ويضيف المرادي: يجب على المجلس المحلي للمديرية ومكتب وزارة الزراعة والري في المحافظة إيجاد خطط ومعالجات عاجلة للحد من زراعة القات في المديرية والقيام بإرسال لجان تقوم بمهام التوعية للمزارعين بمخاطر الاستمرار في زراعة القات وتوفير شتلات لأشجار الفواكه البديلة للمزارعين وتحذيرهم من خطر زراعة القات على المياه الجوفية وما يتم حفظه في الحواجز من مياه الأمطار والسيول وحتى لا يأتي يوم ما وقد نضبت المياه الجوفية وجفت المياه في الحواجز جراء الاستنزاف الجائر لها في زراعة القات.
أضرار صحية
ومن جانبه تحدث الطبيب عبدربه ناصر عن الأضرار الصحية الناتجة عن استخدام المبيدات في زراعة شجرة القات حيث قال: إن تناول أوراق القات يؤدي إلى الإصابة بالتهابات القناة الهضمية وعسر الهضم والإمساك وإلى الإصابة بقرحة في المعدة لمتعاطيه كما يتسبب بأضرار أخرى مثل فقر الدم والشرود الذهني وضعف بنية الجسم والسهر وتآكل اللثة وفقدان الشهية وسوء التغذية فأكثر المخزنين لا يتناولون وجبة العشاء ويكتفون بوجبتين غذائيتين في اليوم وهو ما يؤثر سلباٍ على صحتهم ناهيك عن كثير من الأمراض الأخرى مثل صعوبة التبول والتأثير على الخصوبة لدى الجنسين وارتفاع ضغط الدم عند البعض.
توعية ونصائح
وفي الختام تواصلنا مع مدير مديرية جبل مراد الأخ عبدالناصر الأعوش وسألناه عن أسباب هذه الظاهرة ¿ وما هو الدور الذي تقوم به قيادة المديرية للحد من تفاقم اتساع زراعة القات على حساب المزروعات الأخرى فرد قائلاٍ: لا شك أن زراعة أشجار القات انتشرت في المديرية بشكل كبير ويرجع ذلك إلى أن مديرية جبل مراد بعيدة عن مركز المحافظة وأسواقها لذلك لا يستطيع المواطنون في المديرية الذهاب لشراء القات من تلك الأسواق ناهيك عن أن المديرية لا يوجد فيها أسواق لبيع القات وهو ما دفع الكثير من المزارعين إلى زراعته بهذا الشكل السريع إضافة إلى الطلب الكبير لهذه الشجرة من مواطني المديرية.
وأضاف: لقد قمنا بالتوعية وتوجيه النصح للمزارعين حول أضرار زراعة القات الصحية وكذا على مخزون المياه في كثير من المناسبات إلا أن تلك التوعية والنصائح لم تلق آذانا صاغية لكون زراعة شجرة القات تدر عليهم الكثير من الربح.
إلا أننا بصدد بذل المزيد من الجهود خلال الفترة القليلة المقبلة في الجانب التوعوي والإرشادي للمزارعين بأضرار زراعة القات الصحية وحول ما تمثله من خطورة على المحاصيل الزراعية الغذائية التي تشتهر بزراعتها المديرية.