خبير الأمن السيبراني المهندس طارق العبسي:المنصات الاحتيالية تستنزف أموال المواطنين وتضعف ثقتهم بالفضاء الإلكتروني
في ظل التوسع السريع للتكنولوجيا الرقمية وانتشار المنصات الإلكترونية، يتنامى خطر المنصات الاحتيالية التي تتخفى وراء وعود براقة وأرباح خيالية لتوقع المواطنين في شباكها. هذه الظاهرة لم تعد مجرد حالات فردية، بل تحولت إلى نشاط منظم يمتلك أدوات تسويقية وتقنية متطورة، الأمر الذي يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء.
الثورة / هاشم السريحي
في هذا الحوار، يضع خبير الأمن السيبراني المهندس طارق العبسي النقاط على الحروف، كاشفاً أبرز أساليب الخداع التي تلجأ إليها هذه المنصات، وأكثر الفئات عرضة للوقوع في فخها، ومقدماً حلولاً عاجلة وأخرى بعيدة المدى لمواجهة هذه الموجة الرقمية التي تستنزف أموال المواطنين وتضعف ثقتهم بالفضاء الإلكتروني.
• ما هي أبرز أنواع المنصات التي تمارس عمليات الاحتيال على المواطنين؟
– تتنوع المنصات ما بين منصات استثمار وهمية تعد بأرباح سريعة وغير واقعية، وصفحات تجارة إلكترونية تعرض منتجات بأسعار منخفضة لجذب الضحايا ثم لا تقوم بالتسليم، وأيضاً منصات تقدم قروضاً أو مساعدات مالية مزيفة وتطلب بيانات شخصية أو تحويل رسوم مقدماً.
• ما هي أكثر الأساليب التي تستغل بها هذه المنصات ثقة المواطنين؟
– تعتمد على الإعلان المكثف في وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام مؤثرين مزيفين أو شهادات نجاح وهمية، وتصميم مواقع احترافية تشبه المواقع الرسمية. كما تستغل حاجة المواطنين للأرباح السريعة أو المساعدات المالية خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
• كيف يمكن للمواطن البسيط أن يتعرف على المنصة الاحتيالية قبل أن يقع ضحية لها؟
أهم المؤشرات هي:
– وعود بأرباح ضخمة وسريعة بدون مجهود.
– غياب معلومات واضحة عن الشركة أو عنوانها أو تراخيصها الرسمية.
– طلب دفع مبالغ مقدماً أو مشاركة بيانات حساسة مثل الرقم الوطني أو بيانات البطاقة البنكية.
– تقييمات سلبية متكررة من ضحايا سابقين عند البحث في الإنترنت.
• هل هناك دور للجهات الرسمية لمكافحة هذه الظاهرة؟
– نعم هناك جهود وتحركات لكن المطلوب المزيد من التحركات في هذا الجانب تقنياً وقانونياً .
• إلى أي مدى ترى أن هذه الظاهرة أصبحت خطيرة على المجتمع؟
– الظاهرة لم تعد فردية أو بسيطة، بل تحولت إلى نشاط منظم يمتلك أدوات تقنية متطورة وحملات تسويق ضخمة. حجم الأموال التي يفقدها المواطنون كبير، وهذا يؤثر على الاقتصاد المحلي ويزيد من مشاعر الإحباط وفقدان الثقة في المنصات الرقمية بشكل عام.
• هل يمكن القول إن هناك تقصيراً من الجهات الرسمية في الحد من هذه الظاهرة؟
– الجهات الرسمية تبذل جهوداً، لكن لا يمكن إنكار وجود فجوة في سرعة الاستجابة. أحياناً تكون إجراءات الحجب أو التحذير بطيئة مقارنة بسرعة انتشار المنصات الجديدة. ما نحتاجه هو آلية استجابة سريعة، وقواعد بيانات وطنية محدثة للمنصات المشبوهة يتم الإعلان عنها بشكل دوري.
• بعض المواطنين يحمّلون أنفسهم المسؤولية ويقولون إنهم خُدعوا بسبب الطمع، ما تعليقك؟
– صحيح أن الوعي الفردي مهم، لكن لا يمكن تحميل الضحايا اللوم بالكامل. هذه المنصات تعمل بخطط نفسية محترفة لجذب الناس، مثل استخدام إعلانات مقنعة، قصص نجاح مزيفة، وضغط الوقت (“العرض ينتهي خلال ساعات”). لذلك يجب الجمع بين وعي المواطن وحماية الدولة.
• ما هي أكثر الفئات عرضة للوقوع في هذه العمليات؟
– الفئات الأقل اطلاعاً على التكنولوجيا، مثل كبار السن، أو المواطنين في المناطق الريفية، وأيضاً الشباب الباحثين عن دخل سريع أو عمل من المنزل. لذلك الحملات التوعوية يجب أن تُصمم بما يتناسب مع كل فئة.
• كيف يمكن لوسائل الإعلام المساهمة في حماية المواطنين؟
– الإعلام يجب أن يلعب دوراً استباقياً لا يقتصر على نشر الأخبار بعد وقوع الاحتيال. مثلاً يمكن تخصيص برامج أسبوعية لشرح آخر أساليب النصب، استضافة خبراء لتوضيح طرق الحماية، وتشجيع الضحايا على مشاركة قصصهم حتى لا يقع الآخرون في نفس الفخ.
• هل يمكن أن تذكر لنا أبرز قصة احتيال شاعت مؤخراً؟
– أحد الأمثلة كان منصة استثمار بالعملات الرقمية وعدت بعوائد يومية تصل إلى 10 ٪. خلال أسابيع قصيرة جمعوا أموالاً من آلاف الأشخاص ثم اختفت المنصة بالكامل. هذا نموذج كلاسيكي لما يُعرف بـ”مخطط بونزي”، حيث يتم دفع أرباح أولية لجذب المزيد من المستثمرين قبل أن ينهار النظام.
• ما الحلول العملية قصيرة المدى التي يمكن تنفيذها فوراً ؟
– إنشاء خط ساخن للإبلاغ عن المنصات المشبوهة.
– تكثيف حملات التوعية على فيسبوك وواتساب حيث تنتشر أغلب الإعلانات.
– التعاون مع شركات الدفع الإلكتروني لتعقب التحويلات المشبوهة وتجميدها بسرعة.
• وماذا عن الحلول بعيدة المدى؟
– وضع تشريعات صارمة لملاحقة الجرائم الإلكترونية وتغليظ العقوبات.
– بناء قاعدة بيانات وطنية للمنصات الموثوقة تُحدث باستمرار.
– الاستثمار في تدريب الكوادر الأمنية على أحدث تقنيات التحقيق الرقمي.
• ما رسالتك الأخيرة للمواطنين؟
– أقول للمواطن: لا تنخدع بالعروض البراقة، ولا تتسرع في تحويل أموالك قبل التأكد من الجهة التي تتعامل معها. استشر الخبراء، وابحث عن تقييمات وتجارب الآخرين. وتذكر أن أي منصة تدفعك للاستعجال غالباً تخفي شيئاً غير نزيه.