إذا كانت أقسام المحفوظات في مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو مساحة التخزين في الهاتف ممتلئة بالمقاطع والصور والمنشورات والرسائل والملفات التي تُحفظ بنيّة الاطلاع عليها لاحقاً، رغم أن هذا الاطلاع لا يحدث في معظم الأحيان، فقد تكون هذه الظاهرة مؤشراً إلى اضطراب نفسي يُعرف باسم الاكتناز الرقمي.
الاكتناز الرقمي وأنواعه وأسبابه
أو الاكتناز الإلكتروني، وهو سلوك يقوم على الاحتفاظ بكميات كبيرة من المعلومات الرقمية التي فقدت قيمتها أو لم تعد صالحة للاستخدام، نتيجة خوف غامض من فقدان شيء قد يحتاج إليه الشخص يوماً ما.
تفسّر شركة “نورتون” للأمن السيبراني هذا السلوك بوجود وهم يشعر معه الناس بأن سعة التخزين الرقمية غير محدودة، فيظنون أن لا ضرر من الاحتفاظ بكل شيء. ومع مرور الوقت، يتحول هذا الوهم إلى علاقة غير صحية مع الملفات المتراكمة، وعبء نفسي يصعب التخلص منه. وتوضح شبكة “سي أن أن” عبر حوار مع الطبيب النفسي السريري إيمانويل مايدنبرغ أن المشكلة غالباً ما تتحوّل إلى عادة مدفوعة بالقلق؛ فالمكتنز الرقمي يخشى أن ينقصه شيء في المستقبل، رغم أنه عاجز عن الوصول إليه أو حتى العثور عليه وسط الفوضى الرقمية التي صنعها بنفسه.
وتشير الدراسات إلى أن ما بين 3% و5% من سكان العالم يعانون من هذا الاضطراب المرتبط غالباً بالوسواس القهري. وقد أظهرت أبحاث أُجريت في بريطانيا عام 2019 أن الظاهرة منتشرة في أماكن العمل، فيما كشفت دراسة عام 2020 أن الاكتناز الرقمي يتجلى في أربعة أنماط رئيسية، تبدأ من الأشخاص الذين ينظّمون ملفاتهم بدقة مبالغ فيها، وصولاً إلى أولئك الذين يحتفظون بالبيانات بدافع عاطفي قوي أو خوف من فقدانها، أو الذين يشعرون بأن عليهم تخزين الملفات نيابة عن مؤسساتهم.
أعراض الاكتناز الرقمي
ويستعرض الباحث النفسي ريتشارد براون، في مقال نشره في مجلة “سايكولوجي توداي”، المخاطر التي قد يسببها الاكتناز الرقمي على بيئة العمل والأمن السيبراني والصحة النفسية. ويذكر أن أبرز أعراضه هي كالآتي:
– مراكمة الملفات الرقمية بسهولة، حتى لو كانت غير مهمة: فالشخص المصاب بهذه المشكلة يميل إلى مراكمة الملفات الرقمية بسهولة، لتصبح صناديق البريد الإلكتروني مكدّسة، ومجلدات الصور ممتلئة بآلاف اللقطات غير المصنفة، والوثائق الإدارية متراكمة بلا سبب واضح.
– عدم حذف الملفات غير المستخدمة: ومع تفاقم هذا السلوك، يصبح التخلص من الملفات أمراً صعباً، حتى لو كانت غير مستخدمة أو بلا أهمية.
– صعوبة تحديد موقع الملفات: تتجلّى المشكلة أيضاً في صعوبة العثور على الملفات عند الحاجة إليها، رغم توفر أدوات البحث، إذ تصبح الفوضى أكبر من قدرة أي نظام رقمي على التنظيم، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة التوتر واحتمالات حدوث ثغرات في الأمن المعلوماتي.
– الشعور بالارتباط العاطفي بالملفات. يعاني كثيرون من ارتباط عاطفي غير مبرَّر بالملفات القديمة، سواء كانت صوراً لذكريات بعيدة أو وثائق جامعية لم تعد ذات فائدة، في محاولة لتخليد كل لحظة رقمياً
– حفظ الملفات على أجهزة ومنصات متعددة. قد يمتد هذا السلوك إلى حفظ الملفات على أجهزة ومنصات متعددة، وإرسالها عبر البريد الإلكتروني لتكون نسخة احتياطية، ما يؤدي إلى تكرارها بشكل مبالغ فيه وخلق فوضى رقمية مضاعفة.
من الاكتناز إلى الراحة النفسية
توضح اختصاصية علم النفس السريري في “كليفلاند كلينيك” سوزان ألبيرز أن التخلص من هذه الفوضى يشبه “عصا سحرية للصحة النفسية”، إذ يمنح الشخص شعوراً بالتحكّم والسيطرة على حياته اليومية، وتنصح بتخصيص بضع دقائق كل صباح لمراجعة الملفات الرقمية وحذف الرسائل والإشعارات غير الضرورية، مؤكدة أن هذه الدقائق القليلة قادرة على جعل اليوم أكثر سلاسة وإنتاجية، وتشدد على أهمية وقف الإشعارات المشتتة وإلغاء الاشتراك من الرسائل الإعلانية التي تثقل البريد الإلكتروني، وتقليل وقت التصفح عبر استخدام وضعَي “الصامت” و”عدم الإزعاج” خلال فترات محددة من اليوم.
