الاحتفال بالمولد النبوي.. تنوع عربي وإسلامي وامتياز يمني فريد وغير مسبوق

صنعاء: سامي العمري

احتفل ملايين المسلمين حول العالم، يوم الخميس الماضي الموافق 12 ربيع أول 1447هجرية، بحلول ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وذلك بشتى المظاهر الاحتفالية بالمولد المحمدي، إذ ابتهجت القلوب، وأظهرت مشاعر المحبة العميقة لنبي الرحمة والانسانية، واعترفت بعظمة النعمة المهداة، وتحولت المدن والقرى إلى ساحات بهجة وسرور نابضة بالذكر والابتهال وتأكيد الالتزام بتعاليم الإسلام، في محطة هامة في مسار تاريخ البشرية.

لقد شهد الكثير من دول العالم العربي والإسلامي احتفالات بذكرى المولد النبوي، تنوعت فيها أساليب وأشكال وطرق ومظاهر الاحتفال، غير أن الاحتفال بهذه المناسبة في اليمن يبقى هو الأكبر والأبرز والأكثر جماهيرية وخصوصية على مستوى الكوكب؛ انطلاقا من خصوصية علاقة اليمنيين بالرسول الأعظم.

يحرص المسلمون على الاحتفاء بذكرى مولد رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وآله- باعتبارها مناسبة دينية محوريةـ لأنها ذكرى مولد خير الخلق وخاتم الأنبياء الذي بعثه الله لينقل البشرية من الظلمات إلى النور ،من والجهل إلى العلم ” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون “، ولذلك تتزين الشوارع والمنازل بأبهى الزينات، وتصدح المدائح النبوية في الأرجاء، فتشهد المدن والقرى احتفالات يتشارك فيها الجميع الفرحة والروحانية التي تتجلى فيها عظمة النور المحمدي.

يتميز كل بلد بطابعه الخاص في الاحتفاء بهذه الذكرى المباركة، لكن الجميع يتوحد في المضمون الروحاني العميق الذي يعبر عن الحب الكبير لسيد الخلق محمد والاقتداء بسيرته العطرة.

وتأتي ذكرى المولد لهذا العام، وللعام الثاني على التوالي، وجراح المسلمين في غزة تنزف نتيجة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جريمة إبادة جماعية وحرب تجويع مستمرة يرتكبها منذ السابع من أكتوبر 2023، العدو الأول للمسلمين، الكيان الصهيوني المجرم، أمام مرأى ومسمع العالم كله، وراح ضحيتها أكثر من 64 ألف شهيد و162 ألف جريح، فضلاً عن إمعان العدو الصهيوني اليهودي في تدنيس المقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى المبارك بفلسطين المحتلة.

إصرار فلسطيني على الاحتفاء

رغم الأوجاع العميقة والنازفة التي يعيشها الشعب الفلسطيني نتيجة مجازر وجرائم الإبادة الجماعية الصهيونية، إلا أنهم أصروا على الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف، بطريقتهم الخاصة في ظل حصار وقيود صهيونية.

ولم تتمكن اعتداءات العدو الصهيوني ومستوطنوه ومضايقاتهم المستمرة، من منع احتفال الفلسطينيين بالمولد النبوي الشريف، في الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس.

وشهد المسجد الأقصى المبارك تواجد عدد كبير من الفلسطينيين يوم الخميس الماضي للاحتفاء بذكرى المولد النبوي، رغم وضع قوات العدو الصهيوني عراقيل عديدة لمنع أكبر عدد من التواجد في الأقصى، وذلك بعدما أُطلقت دعوات مقدسية واسعة لحثّ الفلسطينيين على شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، للرباط في رحابه.

وأكدت الدعوات على أهمية الحضور المكثف في باحات الأقصى، بما يعكس الارتباط العميق للفلسطينيين والمسلمين بثالث الحرمين وأولى القبلتين، ويُسهم في مواجهة محاولات العدو الصهيوني والمستوطنين فرض واقع جديد فيه.

وأحيا المتواجدون في المسجد الأقصى هذه المناسبة من خلال تلاوة القرآن الكريم، والأناشيد الدينية، والابتهالات، إلى جانب تنظيم حلقات الذكر داخل المسجد، تعبيراً عن مكانة الرسول الكريم في وجدان المسلمين.

وجاءت هذه الدعوات في ظل تحذيرات مقدسية متصاعدة من اعتداءات العدو الصهيوني المتكررة بحق المصلين والمرابطين، تزامناً مع دعوات أطلقها المستوطنون الصهاينة لتنفيذ اقتحامات جديدة للمسجد.

وفي مدينة الخليل بفلسطين المحتلة، شارك آلاف الفلسطينيين، الخميس الماضي، في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، داخل المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، وسط إجراءات مشددة من قوات العدو الإسرائيلي.

وخلال الاحتفال، صدحت مآذن المسجد الإبراهيمي بأناشيد خاصة بالمناسبة، رغم تشديد سلطات العدو من إجراءاتها في محيط المسجد، ورفضها تسليمه ليلة المولد بشكل كامل للجهات الفلسطينية كما هو معتاد في مثل هذا اليوم من كل عام، وذلك بسبب اقتحام عشرات المستوطنين وقادة الاستيطان لساحات المسجد.

كما شددت سلطات العدو من إجراءاتها الهادفة للتضيق على الفلسطينيين لإبعادهم عن المسجد وإفراغه من المصلين في ظل مخططات صهيونية للسيطرة الكاملة على المسجد.

واستمرت الاحتفالات والفعاليات في المسجد الإبراهيمي من بعد صلاة الظهر وحتى بعد صلاة العشاء.

احتفالات متفرقة في لبنان

وشهدت العديد من المناطق في لبنان، احتفالات متعددة الأوجه بذكرى المولد النبوي في ظل ظروف أمنية صعبة نتيجة الانتهاكات اليومية التي يمارسها جيش العدو الإسرائيلي في لبنان في خروقات مستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار.

ففي الضاحية الجنوبية لبيروت، شهدت ساحة القدس احتفالاً بذكرى المولد النبوي الشريف بالتزامن مع أسبوع الوحدة الإسلامية، حيث بادرت جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية إلى إحياء المناسبة عبر توزيع الحلوى ونشر أجواء من البهجة بين المواطنين، في مشهد عكس روح المحبة والوحدة بين أبناء المنطقة.

فيما نظّم قطاع صيدا في كشافة الإمام المهدي جولةً في مستشفيات المدينة، إحياءً لذكرى ولادة الرسول محمد.

وشملت الجولة مستشفيات صيدا الحكومي، عسيران، حمود الجامعي ومركزي الراعي الطبي ولبيب الطبي، وتم خلالها توزيع الهدايا على الأطفال والحلوى على جميع المتواجدين، في أجواءٍ مفعمةٍ بالبهجة والسرور.

وجال وفد من “حزب الله” برئاسة مسؤول قطاع صيدا الشيخ زيد ضاهر على عدد من العلماء والشخصيات الدينية في مدينة صيدا، مهنئا بذكرى المولد النبوي الشريف وأسبوع الوحدة الإسلامية.

وزار الوفد مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان، ومفتي صيدا الزهراني الجعفري الشيخ محمد عسيران ، ورئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود ، ورئيس مجلس أمناء تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ غازي حنينة.

فيما نظّم تجمع العلماء المسلمين وحركة الأم، حملةً اجتماعية شملت توزيع ملابس وعيّنات غذائية على العائلات المحتاجة في بيروت وضواحيها، بمناسبة ذكرى المولد النبوي.

ابتهاج عراقي

وفي العراق، تزينت ساحة الأعظمية في العاصمة بغداد، ابتهاجاً وفرحاً بذكرى المولد النبوي الشريف، وسط حضور شعبي كبير، فيما انطلقت، اليوم السبت، فعاليات مهرجان أسبوع الصادقَين في النجف الأشرف بمشاركة عربية ودولية واسعة، احتفاءً بذكرى المولد النبوي.

أما في أربيل، فأقيم الخميس الماضي، احتفال بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، من داخل جامع الصواف، بحضور رسمي وعلمائي وشعبي كبير، حيث أقيم موكب لتوزيع الماء والعصائر والحلويات والأطعمة أمام قلعة أربيل، فضلاً عن طقوس وتراتيل خاصة بالمولد، ومن المقرر أن يستمر هذا الاحتفاء لمدة شهر، وفق مسؤولي أربيل.

وفي كركوك، أحيا بائعون في سوق قيصرية التاريخي، الخميس، ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث قدَّموا الحلويات والسكاكر والحلقوم والفواكه للزبائن وفي المساجد والأسواق ابتهاجاً بهذه المناسبة، فضلاً عن توزيع الأهالي للحلويات والسكاكر على بعضم البعض، وذلك كتقليد سنوي يحرصون على استمراريته.

احتفال بالطريقة المصرية

وشهدت مصر، أجواء احتفالية بمناسبة المولد النبوي الشريف، تخللتها مواكب صوفية وأناشيد دينية تعبر عن المحبة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وانطلق “موكب مولد النبي” السنوي في إحدى قرى محافظة المنيا وسط البلاد، بمشاركة طرق صوفية ارتدى أعضاؤها الثياب البيضاء مرددين الصلوات والمدائح، وسط حضور واسع من الأهالي من مختلف الأعمار.

ورافقت الموكب أهازيج الطبول والمزامير وعروض بالعصي والسيوف، ما أضفى أجواء كرنفالية وروحانية على المناسبة، فيما حضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في العاصمة القاهرة، الاحتفالية الرئيسية بالمولد النبوي، التي أقيمت في مركز المؤتمرات بحضور كبار رجال الدولة وعدد من العلماء.

كما انتشرت مظاهر الاحتفال في العديد من فى شوارع المحافظات المصرية، ابتهاجاً بالذكرى العطرة لمولد رسول الله، حيث شهدت محافظة الدقهلية، الخميس، تواجد عدد من المواطنين داخل قرية الدنابيق التابعة لمركز ومدينة المنصورة، وأقاموا زفة فى حب رسول الله، من خلال مسيرة رددوا فيها الأناشيد الدينية والصلاة على النبى وآله فى ذكرى مولده.

موكب شموع مغربي

وفي المغرب، جاب شوارع مدينة سلا قرب العاصمة الرباط، مساء الخميس، موكب شموع كبير إحياء لذكرى المولد النبوي الشريف.

وتقدم الموكب الذي شهدته أغلب شوارع المدينة القديمة في سلا، حملة الشموع الكبيرة المقتبسة من التقاليد العثمانية.

وحمل الشموع شباب بلباسهم التقليدي المزركش، وسط جموع من سكان المدينة وزوارها، وتخلّلت الموكب عشرات من العروض التي قدمتها فرق تقليدية مغربية، مردّدين أهازيج ورقصات وأناشيد شعبية.

مهرجان دولي تونسي

وشهدت تونس احتفالات في عدد من مدنها بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، لكن أبرزها وأكثرها شهرة هو ما تشهده مدينة القيروان التي تُعد القلب النابض لاحتفالات المولد النبوي في البلاد.

واحتضنت مدينة القيروان الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للمولد النبوي الشريف، حيث استمر أسبوعاً تخلله برامج متنوعة بين أنشطة دينية وفقرات ترفيهية وأنشطة ذات بعد اقتصادي بمشاركة من داخل وخارج تونس.

احتفاء إندونيسي مميز

كما شهد عدد من الدول الإسلامية احتفالات متعددة الأشكال بذكرى المولد النبوي، ففي إندونيسيا التي تُعد أكبر دولة إسلامية، أقيمت مراسم إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، المعروفة في إندونيسيا باسم “مولد النبي”، في مسجد الاستقلال بجاكرتا، يوم الخميس الماضي، وهو يوم إجازة رسمية بمناسبة ذكرى المولد.

واتخذ الاحتفال طابعًا وطنيًا وروحانيًا، حيث حمل شعار “الإيكوثيولوجيا: مثال النبي محمد لاستدامة الأرض والأمة”، وذلك بمشاركة رئيس البلاد برابوو سوبيانتو، وحضور رسمي وعلمائي وشعبي كبيرة.

كما أحيا المسلمون في مدن عديدة بإندونيسيا ذكرى المولد، حيث أقيمت الاحتفالات في المساجد، ومجالس التعليم، والمعاهد الدينية بطرق متعددة.

وأصبحت هذه الاحتفالات على تنوعها جزءا من العادات والتقاليد المتوارثة لأجيال على مدى الزمان في إندونيسيا.

احتفال رسمي تركي

وفي تركيا، أقيم احتفال رسمي ، الأربعاء الماضي، لانطلاق فعالية أسبوع المولد النبوي الشريف، في مركز المؤتمرات والثقافة قرب المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، بحضور رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، الذي أكد أن مولد الرسول الكريم، أنار آفاق الإنسانية كالشمس بمولده، وذلك بمشاركة رسمية وشيوخ وعلماء من مختلف الدول الإسلامية.

اليمن واحتفاله الأعظم

ورغم الاحتفالات المتعددة والكبيرة بذكرى المولد النبوي الشريف في العالم العربي والإسلامي، إلا أن أكبرها وأبرزها وأقواها يظل في ما يصنعه الشعب اليمني وقيادته لهذه الذكرى العظيمة، حيث شهد اليمن احتفالات مستمرة لأكثر من شهر، اختتمت باحتفال شمل 49 ساحة في أكثر من 14 محافظة رسمت حالة احتفالية خاصة تشكل امتيازا يمنيًا؛ وهو امتياز احتفالي لن نجد له نظيرا على كوكب الأرض.

ولعل أبرز وأكبر الاحتفالات هو الاحتفال المركزي بصنعاء، الذي أبهر العالم بحشود مليونية هائلة، إذ لم يتسع ميدان السبعين لملايين توافدوا منذ الساعات الأولى لصباح يوم الخميس الماضي، ليكتمل المشهد المحمدي البديع لأكبر تجمع بشري على مستوى المنطقة والعالم، معبرين عن سعادتهم و بهجتهم وسرورهم بحلول أعز المناسبات، ذكرى خير يوم طلعت فيه الشمس، ذكرى مولد الرسول الأعظم.

لم تكن الاحتفالات المركزية في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات ومديرياتها، سوى تتويج لاحتفالاتهم المتعددة والمستمرة بذكرى المولد النبوي في حاراتهم واحيائهم وشوارعهم وقراهم، والتي سبقت الاحتفالات المركزية بأكثر من شهر، إذ أقاموا احتفالات ومهرجانات محمدية متعددة في مناطقهم، قبل أن يشاركوا في الاحتفالات المركزية.

فاضت الساحات في المحافظات المينية بحشود مليونية اتشحت باللون الأخضر، تعبيراً عن حب اليمنيين وارتباطهم وولائهم القوي برسول الله، وهويتهم الإيمانية، ليعترفوا بخروجهم وحضورهم المهيب في ميدان السبعين وساحات المحافظات معترفين مبتهجين بفضل الله عليهم بالنعمة المهداة ممثلة في الرسول الأعظم، وليوجهوا للعالم رسالة بأن النبي الكريم سيظل حاضراً في قلوب اليمنيين، نوراً يهديهم ونهجاً يوحدهم.

ازدانت العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية بمبانيها وجبالها وسهولها وشوارعها وأسواقها وساحاتها ومآذنها، بالأنوار المحمدية البديعة وبحلة خضراء معلنة الاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخير من وطأت قدماه الأرض محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسط أجواء مفعمة بالمحبة والتعظيم للنبي الخاتم والمبعوث رحمة للعالمين، وبزخم شعبي ورسمي منقطع النظير.

سبأ

قد يعجبك ايضا