الأرض تعود للحياة.. ثورة زراعية تصحح مسار اليمن نحو الاكتفاء الذاتي
خفض هائل في فاتورة الاستيراد بقيمة 65 مليار ريال يمني في 86 منتجاً زراعياً مقارنة بالعام الماضي
من بين ركام التحديات التي تعصف باليمن، تتصاعد أصوات الأرض لتعلن عن بداية فصل جديد، فصل من العطاء والنماء يترجم رؤية استراتيجية عميقة للنهوض بالقطاع الزراعي. فبعد عقود من الإهمال الممنهج الذي حول اليمن من سلة غذاء إلى دولة مستوردة، جاءت «ثورة 21 سبتمبر» لتعيد للتربة اعتبارها، ولتحرك عجلة التنمية الزراعية نحو تحقيق السيادة الغذائية. إن ما يشهده القطاع الزراعي اليوم من إنجازات رقمية هو انعكاس لتحولات جذرية في الوعي والسياسات، تهدف إلى فك قيود التبعية الاقتصادية التي فرضتها أجندات خارجية عملت على تدمير خارطة المحاصيل المحلية.
الثورة / أحمد المالكي
من التهميش إلى الأولوية.. استراتيجية النهضة الزراعية
كان القطاع الزراعي قبل هذه التحولات هدفاً للتهميش الممنهج، حيث كانت سياسات البنك الدولي والمنظمات الخارجية تروج لفكرة أن اليمن «بلد جاف لا يمكنه زراعة القمح»، ما أدى إلى تفشي ثقافة الاستهلاك والاعتماد على الواردات. لكن «ثورة 21 سبتمبر» حطمت هذه القيود، ووضعت الأمن الغذائي على رأس أولوياتها. فقد تبنت القيادة استراتيجية شاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: حوكمة البنية التنظيمية، تحقيق التكامل الشعبي-الرسمي، والتوسع في الإنتاج. هذه المنهجية ترجمت إلى أكثر من 50 مشروعاً زراعياً وسمكياً في العام 2024 – 2025م وحده.
أرقام تتكلم.. ثمار الجهد المشترك
إن الأرقام التي كشفت عنها وزارة الزراعة والثروة السمكية، تحكي قصة تحول دراماتيكي. ففي العام الحالي، تم تنفيذ 288 مشروعاً زراعياً بتكلفة تجاوزت 18 ملياراً و688 مليون ريال يمني، لم يكن التمويل فيها حكراً على الجهات الرسمية، بل ساهم المجتمع بـ 40 % من التكلفة الإجمالية في دعم شعبي يعكس إيماناً عميقاً بالقدرة الذاتية على إحداث التغيير.
ولم تتوقف الإنجازات عند هذا الحد، فبفضل السياسات الجديدة، نجحت البلاد في تحقيق خفض هائل في فاتورة الاستيراد بقيمة 65 مليار ريال يمني مقارنة بالعام الماضي. كما تضاعفت كمية المنتجات التي توقف استيرادها أو تم تخفيضها لتصل إلى 86 منتجاً زراعياً، وتحقيق زيادة في كميات الصادرات إلى أكثر من 534 ألف طن، وفي 75 منتجاً زراعي وسمكي. إحصائيات الإنجازات بالأرقام تمثل شواهد حية على نجاح التوجه نحو الاكتفاء الذاتي الذي أصبح هدفاً استراتيجياً للبرامج الوطنية للإنعاش الاقتصادي.
المبادرات المجتمعية.. قلب النهضة الزراعية النابض
يُعدّ دور المبادرات المجتمعية إحدى أهم ثمار هذه الثورة الزراعية. فمنذ انطلاقتها، تجاوزت قيمة المشاريع والمبادرات التي نفذها المجتمع أكثر من 60 مليار ريال حتى عام 2023م، وهذه المبادرات لم تقتصر على الجانب الزراعي، بل امتدت لتشمل الطرق والمدارس ومشاريع الري، مما يؤكد أن النهضة الزراعية هي جزء من حراك تنموي شامل يقوده الشعب نفسه.
وقد تم تأهيل ما يزيد عن 20 ألف مبادرة مجتمعية، مما يعكس الشراكة الحقيقية بين الحكومة والمجتمع. هذه الشراكة تجسدت أيضاً في التركيز على الزراعة التعاقدية، التي أصبحت أحد أهم المشاريع التي تضمن تسويق المحاصيل الزراعية وتأمين دخل المزارعين، مما يكسر حلقة الفقر ويحفز الإنتاج.
مستقبل القمح.. تحدي تحقيق الاكتفاء الذاتي
من بين أبرز الأهداف التي تسعى إليها هذه النهضة هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، وخاصة القمح. ففي الوقت الذي يستورد فيه اليمن أكثر من 3 ملايين طن من القمح سنوياً، حيث أعلنت وزارة الزراعة عن خطط طموحة للتوسع في زراعة هذا المحصول كأولوية قصوى.
وقد نجحت البلاد بالفعل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من محاصيل مثل الذرة الرفيعة والدخن التي توقف استيرادها كلياً. والآن، يتجه التركيز نحو زراعة القمح في المرتفعات الوسطى والشمالية، واستغلال مواسم الأمطار لزيادة الإنتاج، وهذه الخطوة ليست مجرد قرار اقتصادي، بل هي قرار سيادي يعيد لليمن حريته واستقلاله من التبعية الغذائية. إنها رسالة واضحة للعالم بأن اليمن، بفضل إرادة شعبه وعزيمة قيادته، قادر على النهوض من تحت الركام وبناء مستقبله بيديه.