من حلفاء إلى ممولين.. كيف أصبحت أموال الخليج شريكة في تزويد آلة الحرب الأمريكية بالعتاد؟»

 

السعودية أكبر شريك أجنبي للولايات المتحدة في مبيعات الأسلحة الحكومية بأكثر من 80 مليار دولار في عام 2024م، 80% منها ذهبت لشركات أمريكية
هروب رأس المال الغربي والأرقام تكشف عن أزمة ثقة غير مسبوقة والصناديق السيادية تُغلق أبوابها.
رسالة من النرويج إلى المستثمرين:
الصندوق السيادي النرويجي، الأكبر في العالم، سحب استثماراته بالكامل من 11 شركة إسرائيلية ووقف كافة العقود المتعلقة بإسرائيل

الثورة / سليم الجعدبي
في خضم صراع دامٍ يلقي بظلاله على المشهد الجيوسياسي، تتكشف حقائق اقتصادية صادمة ترسم ملامح تحولات عميقة في علاقة العالم بكيان الاحتلال الإسرائيلي. لم يعد الأمر مجرد مواقف سياسية أو بيانات إدانة، بل أصبحنا أمام انسحاب اقتصادي ممنهج يتجسد في أرقام وتدفقات مالية، ليكشف عن شرخ متزايد في ثقة المجتمع الدولي بهذا الكيان، وفي المقابل، تبرز صورة أخرى تُظهر تناقضاً صارخاً، حيث تتجه استثمارات ضخمة من دول عربية، لطالما عُدت داعمة للقضية الفلسطينية، نحو صناعات السلاح التي تغذي آلة الحرب الإسرائيلية.
تآكل الثقة.. هروب الاستثمارات من كيان الاحتلال
لقد أصبح صمت العالم إزاء ممارسات الاحتلال صمت اقتصادي مدوٍ يترجم رفضاً متنامياً. فوفقاً لتقرير الأونكتاد لعام 2025م حول الاستثمار العالمي، يعاني كيان الاحتلال من أزمة ثقة عميقة لدى المستثمرين والشركات الأجنبية. الأرقام تتحدث بوضوح: صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة انخفض بنسبة هائلة بلغت 46 %، متراجعاً من 11.9 مليار دولار في عام 2022م إلى 6.4 مليار دولار بنهاية عام 2024م، هذا التراجع ليس مجرد تذبذب طبيعي، بل هو انعكاس لتحليل عميق للمخاطر، حيث يرى رأس المال العالمي أن الاستثمار في هذا الكيان أصبح محفوفاً بمخاطر سياسية وأمنية وقانونية غير مسبوقة.
وهذا الانكشاف على المستوى الاقتصادي لم يقتصر على الشركات الفردية، بل امتد ليطال أكبر المؤسسات المالية العالمية، ففي خطوة غير مسبوقة، أعلن الصندوق السيادي النرويجي، الأكبر في العالم، عن سحب استثماراته بالكامل من 11 شركة إسرائيلية ووقف كافة العقود المتعلقة بإسرائيل، وهذا القرار لم يكن عشوائياً، بل جاء بعد تحقيق كشف عن تورط الصندوق في شركة لتصنيع محركات الطائرات التي تخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبهذا الإجراء، يرسل الصندوق رسالة واضحة بأن: الاستثمار الأخلاقي لم يعد شعاراً، بل هو مبدأ يُفرض بالقوة على رأس المال، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان.
وتعزيزاً لهذا التوجه، لحقت صناديق التقاعد بالركب، معلنة عن رفضها التورط في تمويل آلة الحرب، حيث أعلن صندوق التقاعد النرويجي «كي ال بي» بوضوح عن سحب استثماراته من شركتي «أوشكوش» و«ثيسنكروب» الأمريكية والألمانية، بعد أن أثبتت تحقيقات استمرارهما في تزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة خلال فترة الإبادة في غزة. هذا القرار يضع معياراً جديداً للمسؤولية المؤسسية، ويؤكد أن المال العام لا يمكن أن يكون شريكاً في جرائم الحرب.
وفي إطار سياسي واقتصادي متكامل، لم يعد التعاون الأوروبي يمرر ببساطة. فقد دعت تسع دول أوروبية، من بينها بلجيكا، أيرلندا، وإسبانيا، إلى إنهاء التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية، وهذه الدعوة تحولت من موقف دبلوماسي إلى خطوة عملية نحو تطبيق مبدأ الفصل بين الأراضي المحتلة وكيان الاحتلال، وضربة مباشرة للاقتصاد الاستيطاني الذي يعد أحد ركائز الاحتلال.
تناقض صادم.. أموال عربية تغذي آلة الحرب
في الوقت الذي تنسحب فيه الأموال الغربية من كيان الاحتلال وشركاته، تبرز مفارقة مذهلة: أموال عربية، وبشكل خاص من دول خليجية مثل السعودية والإمارات وقطر، تتدفق على شركات الأسلحة الأمريكية التي تزود إسرائيل بأعتى الأسلحة، وهذا التناقض الصارخ لا يمكن تجاهله، فوفقاً للبيانات المتاحة، تعد السعودية حالياً أكبر شريك أجنبي للولايات المتحدة في مبيعات الأسلحة الحكومية، حيث أنفقت أكثر من 80 مليار دولار في عام 2024م، 80 % منها ذهبت لشركات أمريكية.
وهذه الاستثمارات لم تعد تقتصر على عمليات الشراء التقليدية، بل امتدت لتصبح شراكات استثمارية عميقة. ففي إطار «رؤية 2030»، أعلنت السعودية عن تأسيس صندوق استثماري بقيمة 5 مليارات دولار للاستثمار في التكنولوجيا الدفاعية الأمريكية. هذا الأمر يعني أن الأموال السعودية لا تقتصر على شراء الأسلحة فحسب، بل أصبحت شريكاً في تمويل وتطوير الصناعة العسكرية التي تمد إسرائيل بأدوات الحرب.
والأمثلة على ذلك لا حصر لها، فالاستثمارات السعودية تتركز في شركات مثل:
· لوكهيد مارتن: الشركة التي تزود إسرائيل بطائرات F-35 وأنظمة التوجيه المتقدمة التي تقتل أبناء غزة.
· بوينج: الشركة المصنعة للقنابل الموجهة التي ارتبطت بتحقيقات كشفت عن استخدامها لضرب المدنيين.
· رايثيون (RTX): الشركة التي تصنع الصواريخ والمعدات التي تستخدم في الهجمات على الشعب الفلسطيني.
وهذا التدفق المالي يغذي بشكل مباشر المقولة الشهيرة لترامب: “لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة”. إن الاستثمار في هذه الشركات يعزز من قدرتها على إنتاج الأسلحة التي تُستخدم في غزة، ويُساهم في دعم الاقتصاد الأمريكي الذي بدوره يُقدم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل. إنه حلقة مفرغة من التمويل، تضع الدول العربية في موقف محرج، حيث تبدو وكأنها شريك صامت في آلة الحرب التي تستهدف الشعب الفلسطيني.
الخلاصة.. شركاء في الحرب، أم ضحايا للسياسة؟
إن المشهد الاقتصادي يكشف عن حقائق قاسية: العالم الغربي بدأ بالابتعاد عن كيان الاحتلال لأسباب أخلاقية ومادية، بينما تتجه استثمارات عربية ضخمة لتمويل شركات السلاح التي تساند هذا الكيان. هذا التناقض يطرح أسئلة جوهرية حول الأولويات والمسؤوليات. فهل أصبحت الأهداف الاستراتيجية تتجاوز قيم ومبادئ الدعم التاريخي للقضية الفلسطينية؟ وهل يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة في صراع بهذه الوحشية؟

قد يعجبك ايضا