السوريالية… احتجاج الفنان



كانت السوريالية تعبيرا خالصا عن اللاوعي الإنساني تزامنت مع ظهور مصطلح اللاوعي عند فرويد كحيز للمكبوتات الإنسانية التي تطفو على السطح بين الحين والآخر متحكما في السلوك الإنساني ومحددة نمط الشخصية بينما هي في الفن تعبير أشبه باللاإرادي من حيث كون الرسم (والكتابة) حالة تدفق لا شعورية أو لاواعية كما فهمه وأراده رواد السوريالية.
لم تكن المدرسة السوريالية ترفا خالصا صحيح أنها عقبت مرحلة الفن للفن التي أخلصت للفن بعيدا عن موضوعه أو بالأصح بعيدا عن الإخلاص لموضوعه بقدر ما تكمن أهميته في فنيته لكنها لم تكن صدى لهذه الفنية الخالصة كانت السوريالية ردا واضحا على لامعقولية العالم والحياة أثناء وعقب الحربين العالمين وتزامنت أو عقبت الدادائية التي تعني العبثية لقد كان العبث واللامفهوم أقوى ردة فعل على عبثية القتل والدمار التي خلفتها الحرب.
انطلقت السوريالية من الأدب بفضل اطلاع الشاعر آندريه بريتون على أفكار الفيلسوف فرويد بين العقل والخيال وبين الوعي واللاوعي. وهكذا لم تكن منفصلة عن الأدب والحياة كانت السوريالية قد بدأت في الشعر وما زالت أصداؤها حاضرة في الصورة الشعرية المركبة والمعقدة لكنها بدأت باحتجاجات لغوية: مجرد قصاصات من الجرائد وتركيبها بطريقة جديدة وتعليقها في الحوائط والجدران اللوحات الفنية بدت أقوى والرسم بدا أكثر نضجا وتمثيلا لهذا المذهب العبثي والخيال المتزاوج مع الواقع.
وجه بثلاث عيون كائنات غريبة ومتداخلة ساعة حائط مائعة وغيرها من المكونات والتجاوزات للواقع تكاد تكون صورة للسوريالية التي يعني مصطلحها (ما فوق الواقع) أي الواقع مزودا بما يتجاوزه أو يفوقه ليست خيالا محضا وليست واقعا محضا بقدر ما هي مزيج بين العالمين. ويرى نقادها ومؤرخوها أنها (استحدثت السريالية بسطوة الأحلام. وبتلاعب الفكر الحر. ورسم السريالية هي نصف استعادة للذاكرة ونصف حلم مع حرية تامة في الصورة التلقائية).
السوريالية أيضا تغرف من اللاوعي الجمعي/ الأسطوري حيث الأسطورة مخزن رمزي وأيقوني وثقافي عالي وعميق في ثقافة البشرية لكنها بالإضافة إلى ذلك واقع يخدش الواقع لقد صدمت السوريالية العالم لقد كان الفنانون مغرقين ومستمتعين ومتمادين في إيصال المتلقي والذائقة الغربية البصرية إلى صدمة وبهذا لقيت رفضا واستغرابا ونفورا في البداية لكن الفنانين كانوا يفكرون بهذه الطريقة: هذه المشاهد الصادمة اللوحات التي تصدم الذائقة ليست أعنف ولا أكثر وخزا للوعي من مشاهد الحرب. كان الفنانون في الأساس مصدومين من بشاعة الحرب وهكذا بادلوا العالم صدمة بصدمة.
تبقى الفنون في هذه الحالة حالات تعبيرية مغايرة وذكية دون أن يعني ذلك أن تنقل الواقع كما هو وحرفيا وإنما تكون فاعلة وقوية وتترك بصمة في الفن بقدر ما تترك أثرا ثقافيا واجتماعيا وفلسفية واحتجاجيا على ضياع الإنسان. هذا ما فعله روادها العظماء: خوان ميرو- آرب- آيرنست باسكال وسلفادور دالي وغيرهم.

قد يعجبك ايضا