
■ نحذر من تدويل القضية الجنوبية تحت مبرر الانتقام والثأر السياسي
■ على القوى السياسية أن تدرك خطورة المرحلة وأن لا تنتظر الحل من الخارج
* في توصيف دقيق لآخر المستجدات السياسية على مسرح أحداث المشهد اليمني تناول المحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز الأستاذ الدكتور محمود البكاري مجمل قضايا الوضع السياسي الراهن… وتوقعاته لمستقبل اليمن السياسي في خضم هذه المشاكل المتداخلة المعقدة…مبدياٍ تخوفه من استمرارية القوى في التصارع السلطوي الثأري, مما قد يهدد وبشكل سيئ للغاية حاضر ومستقبل اليمن..
ولفت الدكتور محمود البكاري في حوار مع صحيفة (الثورة) إلى أن الصراع بين الأحزاب والقوى السياسية هو الذي ساهم في تمهيد الطريق للإرهاب حتى غدا اليوم يشكل خطراٍ على الأمن القومي للبلد, هذا من ناحية, ومن ناحية ثانية أصبح يهدد السيادة الوطنية والقرار السياسي للتدخل الخارجي بصورة تعكس صراع المصالح بين القوى الإقليمية والدولية, ومن ناحية ثالثة سيحول دون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وبنود اتفاق السلم والشراكة.
وحذر الدكتور البكاري القوى السياسية من أن أي افشال للحكومة ستكون عواقبه وخيمة وكارثة بكل المقاييس على الوطن والشعب .. ومن مخاطر محاولة البعض في تدويل القضية الجنوبية, تحت مبرر الانتقام والثأر السياسي… مقدماٍ العديد من الرؤى حول مختلف القضايا السياسية الآنية, والتوصيات
* ما تفسيراتكم لتزايد النشاط الإرهابي في الفترة الأخيرة في اليمن¿
– تصارع الأحزاب والقوى السياسية بمختلف السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة ساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تهيئة الأجواء للقاعدة, التي قويت شوكتها, وباتت الآن أكبر خطراٍ يهدد المستقبل السياسي, والأمن القومي للبلد, وللأسف أن هذه العناصر الإرهابية وجدت نوعا ما من الحماية والإيواء من أطراف معينة ربما يكون ذلك بدافع الثأر السياسي, وهذا خطأ كبير وفادح وجرم يرتكب بحق الوطن, لأن القاعدة في نهاية المطاف ليس لها مطالب محددة يمكن أن يتحاور الناس حولها, وإنما منهجها هو الشر وممارسة الأعمال الإجرامية التدميرية للوطن والإنسان.. فلم نكن نتوقع أن تصل الأمور والانفلات الأمني إلى حد أن تعلن القاعدة نفسها دولة وإمارة داخل اليمن.
لا تدويل
* كيف تقيمون مواقف الحراك الجنوبي ومطالبه بشكل عام خاصة في الفترة الأخيرة بعد أن كْفلت حقوقهم ومطالبهم المشروعة بالكامل في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة¿
– الحراك الجنوبي كقضية مطلبية له كامل الحق في الحركة والنشاط لاستعادة الحقوق والدفاع عن المصالح العامة, لكن على المستوى السياسي هذا موضوع آخر ربما يتجاوز تحقيق أي مطالب, لأنه من الناحية العملية لا يمكن المقارنة بين الوحدة أو الانفصال, وبالتأكيد فإن الأفضل هو المضي قدما بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار, واتفاق السلم, ولعل موضوع النظام الاتحادي الفيدرالي (الأقاليم) هو بالأساس يهدف إلى معالجة القضية الجنوبية كحل وسط أتى من اليمنيين أنفسهم…وهنا أحذر من تدويل القضية الجنوبية, من قبل البعض, وتحت مبرر الانتقام والثأر السياسي, وبأنه يجب أن يفهم الجميع أن هذه القضية لا تعني إلا اليمنيين أنفسهم, ولا يجب تدويلها, وبالإمكان أن تكون هذه القضية ذات طابع قومي, تهم الأمة العربية كلها, ويتوجب على جامعة الدول العربية أن تحدد موقفها من هذه القضية وتتحمل مسئوليتها بصدق وأمانة من أجل مساعدة اليمن في تجاوز هذه المشكلة العويصة, كون الوحدة اليمنية مكسبا لكل العرب, إلا إذا أرادوا التخلي عن هذا المنجز العروبي فهذا شيئا آخر.
الوحدة والديمقراطية
* أفهم من خلال كلامك السابق أن استمرارية الصراعات والثارات السياسية هي التي أوصلت البلد إلى هذه الحالة السيئة, فهل ترى في الأفق مؤشرات تدل على وضع حد لحالة هذه الصراعات السياسية¿
للأسف الشديد لا يبدو في الأفق مؤشرات تدل بقوة على وضع حد لحالة الصراع السياسي الذي تعيشه اليمن تقريباٍ, لأنه صراع تاريخي اتخذ أسلوب الثأر منذ قيام الثورة اليمنية عام 1962م سواء على مستوى الشطرين أو على مستوى كل شطر قبل الوحدة, وبعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م وحتى الآن. وذلك بسبب ضعف فرص تجذر الوحدة الوطنية والممارسة الديمقراطية في عمق المجتمع مما جعل محطات ومراحل وكلفة الصراع السياسي الذي شهده اليمن حتى الآن يفوق أكثر بكثير من محطات ومراحل الاستقرار والسلم والتنمية الأمر الذي تسبب في الوصول إلى الوضع السيئ الذي يعيشه اليمن حالياٍ. لأن الوحدة والديمقراطية ليست مجرد شعارات أو أمنيات ولكنها حقائق يجب أن تتجسد على الأرض ويلمسها المواطن واقعا إيجابيا في حياته ومعيشته اليومية.
* مقاطعاٍ.. هل أفهم من كلامك أن الديمقراطية والوحدة لا تتناسب مع مجتمعنا كونه يجهل التعامل معهما, وأنهما السبب في الصراعات السياسية والمشاكل القائمة اليوم¿
– ليس المقصود هذا بالضبط, لأنه لا يعقل أن تكون الديمقراطية سبب المشاكل, ولكن سوء الفهم والتطبيق هو مصدر هذه المشاكل, كما أن الوحدة ليست سبب أية مشاكل, ولكن آليات التعامل مع الوحدة هي ما أوجد المشاكل. فليس هناك خلاف في أن الوحدة والديمقراطية هما لغتا العصر ومن أهم معالم ومميزات البلدان المتقدمة, لكنهما في بلدنا أصبحتا تؤديان وظيفة عكسية بسبب تطبيقنا الخاطئ للممارسات الديمقراطية والتصرف غير المسئول تجاه الوحدة, حتى أننا وقعنا في مأزق مع الداخل والخارج, لأنه من غير المعقول والمنطق أن نقول أن الديمقراطية لا تناسبنا وأن الوحدة تمثل مشكلة لنا¿! لأن البديل عنهما معروف سلفاٍ, وهو المزيد من العنف والتشظي السياسي والانقسام الاجتماعي, وضرب تطلعات الشعب في الديمقراطية والوحدة عرض الحائط, الذي دفع الكثير من إمكاناته المادية والبشرية ثمناٍ بغية الوصول إلى تحقيقها بعد أن قطع شوطاٍ كبير في ذلك, وبالتالي لا يجوز ضربها ونسفها في لحظات, لذا يتوجب على الأحزاب والقوى السياسية أن تدرك خطورة الموقف قبل فوات الأوان.. وأن لا ينتظروا أن يأتي الحل من الخارج الذي يراهنون عليه أكثر من اللازم.
انتخابات مبكرة
* هل يمكن أن توضح لنا أكثر مخاطر المشهد السياسي الراهن, وتخوفاتكم من الخارج¿
– طبعا هناك عدة مظاهر لمخاطر المشهد السياسي في اليمن من أهمها تعريض السيادة الوطنية والقرار السياسي للتدخل الخارجي وبصورة تعكس صراع المصالح بين القوى الإقليمية والدولية, في حين أن ما يحتاجه اليمن فعليا لكي يتجاوز أزماته ومشاكله يتم إغفاله والسكوت عنه وهو الدعم الاقتصادي الحقيقي المباشر لبرامج ومشاريع التنمية, التي كادت أن تتوقف وهذا خطر كبير جدا, لأنه لا معنى للسياسة إذا لم ينتج عنها تنمية اقتصادية ملموسة لدرجة أن السياسة أصبحت تعني لدى العالم المتقدم الاقتصاد المكثف, وليست مجرد خطابات وشعارات جوفاء كما يتعامل معظم دول العالم وخاصة دول المانحين تجاه اليمن.
بالإضافة إلى خطورة توقف مسار العملية الديمقراطية وما يترتب عليها من استحقاقات انتخابية, حيث كان من المفترض أن تكون قد شهدت البلاد ثلاث دورات انتخابية رئاسية وبرلمانية ومحلية, فالبرلمان الحالي أطول عمراٍ من غيره (12عاما), وكذلك المجالس المحلية منذ العام 2006م, لأنه كلما تأخر ذلك ازدادت الأزمات اتساعاٍ وتشعباٍ وحدةٍ, لكثرة تبعثر الأوراق واختلاط الأمور وقد تصل إلى صورة يصعب السيطرة عليها… ولعل إلقاء نظرة فاحصة لحقيقة الأوضاع التي تشير إلى أن هناك خطأ استراتيجياٍ حدث بفعل سوء تقدير الأمور ودراستها دراسة عميقة ودقيقة لتحديد ما هو مطلوب وما الذي نحن بحاجة إليه, وببساطة نستطيع القول إن المطلوب في بلادنا إجراء إصلاحات عميقة وجوهرية تشارك وتشرف على تنفيذها وأحداثها كافة القوى السياسية, بدءاٍ بالإسراع في إجراء انتخابات مبكرة للخروج من الأزمة, مثل أي بلد ديمقراطي عندما تشتد فيه الأزمات يتم الإسراع في إجراء انتخابات مبكرة, إلا في بلادنا يتم الهروب من هذا الاستحقاق…
* في رأيكم ما هو المانع من إجراء العمليات الانتخابية في ظل الظرف الحرج الذي يمر به الوطن¿
– على الرغم مما حدث ويحدث إلا أن النوايا ليست صادقة بالقدر الكافي لإخراج اليمن من هذه الأزمة الخانقة, لأن القوى السياسية لا تهتم بإيجاد حلول ومخارج عملية وسريعة للوضع, ولو كانت القوى حريصة على إخراج اليمن لما عمل البعض على عرقلة مخرجات الحوار والآن يحاولون الالتفاف على بنود اتفاق السلم والشراكة, لأن المخرجات تؤدي إلى بناء دولة مدنية حديثة ولا يمكن تنفيذها إلا بعد إعداد الدستور, أما الاتفاق فهو مرحلي ويعزز الشراكة الحقيقية حتى يتم الانتقال إلى تنفيذ المخرجات لكنه في غاية الأهمية وينبغي الإسراع في تنفيذه لأنه أكثر دقة وتركيزاٍ, بغية الوصول لإقامة يمن المستقبل الجديد الذي سيقضي على مصالح بعض الأشخاص والقوى…
الإعلام صنفان
* ما تقييمكم لدور الإعلام العام والخاص في اليمن¿
– يمكن تصنيف الإعلام العام والخاص في اليمن إلى محورين محور التهويل للأوضاع وإقلاق السكينة العامة وإثارة النعرات والصراعات الطائفية والمناطقية والمذهبية, والثاني هو محور التهوين من حقيقة الأوضاع وما يحدث وجعل المواطن في موقع المتلقي السلبي الذي لا يعرف ما يدور حوله وما هو دوره. والأصل أن دور الإعلام في بلد ديمقراطي هو أحداث نوع من التنوير والتغيير السلمي وتوعية الناس بحقوقهم وواجباتهم, والإسهام في حل المشاكل بالكلمة والصورة وليس العكس.
* كلمة أخيرة تودون الإدلاء بها في نهاية هذا الحوار¿
– أتمنى من كل القوى السياسية أن تعيد النظر في سياساتها وأن تدرك أن أي خطر سيتعرض له الوطن لن يكون إلا من نافذتها وعبرها وستتحمل كامل المسئولية أمام الله والوطن والشعب عن حدوثه, كما أن الوصول إلى بر الأمان مرهون بقدرة الأحزاب على التوافق والتعايش السلمي والقبول بالآخر.. فإما أن تكون قوى وأحزاباٍ سياسية بالمعنى العلمي والواقعي, وتستمد وجودها من شرعية التمثيل لمصلحة الوطن والمواطن, أو أن تعفي نفسها من هذه المهمة وتفسح المجال لبروز قوى سياسية مدنية وحديثة تواكب العصر وتعكس المدلول الحقيقي للتعددية السياسية والحزبية.