في إب وتعز خرج الناس ز◌ْرافات◌ُ ووحدانا تأييدا◌ٍ للنظام الجمهوري
حاوِرِهْ/ فايز البخاري –
* ثورة 26سبتمبر قامت كضرورة مْلحة ولم تقمú اعتباطاٍ
* إب كانت ولاتزال المنتجة للكثير من المناضلين ومخزن الثوار
* الصِلِفْ الإمامي وكهنوته المستبد زادنا إصراراٍ على ضرورة الثورة
* التمييز الطبقي كان سبباٍ رئيسياٍ لقيام الثورة السبتمبرية
غالباٍ ما يلتقي الأدبْ والشعرْ مع النضال والكفاح الوطني. ولهذا وجدنا أن الأدباء في بلادنا كانوا هم أول حِمِلِة مشاعل التنوير والتثويروعلى عاتقهم حْملِتú هموم وطموحات السواد الأعظم من بسطاء الشعب الذين رأوا في أولئك الثْلة الأمل الوحيد لإخراجهم من بوتقة الاستبداد والجهل اللذين كانا يسيطران على الوطن. وحين نستقرئ تاريخ الحركة الوطنية ورموزها من المناضلين والثوار في بلادنا نجد أن الغالبية العظمى من مؤسسيها وقادتها هم الأدباء والمثقفون والشعراء. ومن أولئك بالطبع الأستاذ المناضل محمد زين العودي نائب رئيس فرع اتحاد الأدباء والكْتاب اليمنيين بمحافظة إب والذي كان أحد الشباب البارزين الذين قادوا المظاهرات المناوئة للإمامة منذ عقد الخمسينياتº في الوقت الذي لم يكن أحدَ يجرؤ على رفع رأسه في وجه الحكم الإمامي فما بالْنا بالخروج عليه بمظاهرات¿!! والأستاذ محمد زين العودي هو أحد المنتمين لجيل الشباب الذي مثلِ الرعيل الثاني للمناضلين بعد الرعيل الأول الذي قاد ثورة 1948م وقد زْجِ به في سجون الإمامة منذ عام 1958م.
وفي هذا الحوار سنحاول معه تسليط الضوء على مْجمِل أدواره في الحركة الوطنية. فإلى هذا الحوار:
* * *
* ما هي ذكرياتْك عن أول أيام الثورة وما كنتِ تقوم به قْبيل اندلاعها¿
– عشية قيام الثورة كنتْ مديراٍ لمدرسة (العرفان) الأهلية بتعز ومْدرساٍ بمدرسة (النجاح) الأهلية التي كان يديرها المناضل عبدالله عناش.
واضطْررتْ للعمل بالتدريس الأهلي في تعز بعد خروجي من السجن قبل أن يطلبني الأستاذ عبدالله عناش للعمل في مدرسة النجاح الحكومية بسبب أني وجدتْ أن الوصول للبدر يحتاج ما لايقل عن مائة ريال فرنصي (ماريا تريزا) رشوة توزع على عكفته حتى يسمحوا لك بالوصول إليه دون هتك العرض والإهانة وكنتْ أشاهد الكثيرين من علية القوم الذين يحاولون الوصول إليه دون توزيع الرشوة يْلاقون من الإهانات ما الله بها عليم. وهذا دفعني للحفاظ على كرامتي حين آثرتْ أن ألجأ للتدريس الأهلي لعدم قدرتي على الوصول للبدر الذي كان يدير الأمور ويقابل الناس بتعز نيابةٍ عن والده عقب رقوده في الفراش متأثراٍ برصاصات الشهداء الأحرار العلفي واللقية والهندوانة الذين أطلقوا عليه النار عام 1961م في مستشفى الحديدة الذي يحمل اليوم اسم (مستشفى العلفي).
ولأني كنتْ أْفضل العودة لمهنتي الأساسية وهي التدريس فقد رغبتْ بالاتصال بالبدر عقب خروجي من السجن من أجل التوجيه براتب جديد لي وإعادتي للتدريس في إب لكن ما شرحتْهْ سابقاٍ كان سبباٍ جعلني أعزف عن مقابلته والاستعاضة بالمدرسة الأهلية كي أوفر لنفسي المال الذي يكفل لي العيش الكريم. وقد ذهبتْ إلى حارة المستشفى واستأجرتْ دكاناٍ من أحد آل الباشا فوافق بعد أنú طرحتْ عليه الفكرة وقال لي إيجار الدكان تدرس ولدي وبدأتْ ولم تمر أسابيع حتى ضاق ذلك الدكان فاضطْررتْ لاستئجار ثلاثة دكاكين بجواره ورفعتْ عليها لوحة حمِلِتú اسم ( مدرسة العرفان الأهلية) وذات يوم مِر من جوارها الأستاذ المناضل عبدالله عناش وكان مديراٍ لمدرسة (النجاح) الحكومية وحين سمعني وأنا أدرس الطلاب وأْعجبِ بطريقتي في التدريس عرضِ علي العمل معه في مدرسة النجاح واتفقنا على التدريس عنده في الفترة الصباحية وفي الفترة المسائية كنتْ أعمل في مدرستي الخاصة(العرفان).
العودة للتدريس
* بماذا عملتِ عقب قيام الثورة¿وما الدور الذي ساهمتِ به لحمايتها¿
– عقب قيام الثورة تم تعييني أمين صندوق المقاومة الشعبية في تعز وبعد انتقالي إلى إب أسندِ لي المناضل عبدالحفيظ بهران الذي كان يقوم بأعمال قائد اللواء دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة والأمن بالمحافظة ولكني لم أستطع التكيْف في هذا العمل بسبب طبيعة تكويني المدنية والأدبية فلم أكن أستطع التوافق مع بعض العسكر الذين لا يتعاملون بأخلاق ويظن بعضهم كأنه هو الثورة والثورة هو. فطلبتْ تأسيس مدرسة حكومية يْسنِد إليِ أمرْها وقد وافق على ذلك كل مناضلي ومسئولي المحافظة من أمثال عبدالحفيظ بهران والأستاذ محمد علي الربادي والشيخ عبدالعزيز الحبيشي ومحمد أحمد صبرة والقاضي عبدالكريم العنسي ويحيى العنسي ومحمد منصور الصباحي والشهيد محمد عبدالكريم الصباحي وغيرهم. وكانوا متفهمين لوضعي وطبيعتيº فقالوا فعلاٍ قد فكرنا بذلك قبل طلبك خاصة ونحن بأمس الحاجة لإيجاد مدرسة تستوعب الشباب والفتية لإنارة سبيلهم نحو الغد المشرق فذهبتْ إلى منطقة جرافة التي تقع فيها الآن كلية التربية ومدرسة النهضة وبيتي أيضاٍ وكانت خارج المدينة بكثير وأحييت فيها مدرسة الأوقاف التي كانت مغلقة قبل أن أنتقل إلى المدرسة المجاورة لملعب الكبسي التي تْسمى الآن(الوحدة) وبعدها في مدرسة الشعب التي كانت أشهر مدارس المحافظة.
نظام طِبِقي
* ما هي أهم المؤثرات التي صنعتú شخصيتك أنت وبقية زملائك المناضلين¿
– كانت كتب جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ومحمد رشيد رضا وعبدالرحمن الكواكبيخاصة كتابه (طبائع الاستبداد) من أهم الأسباب التي ولدتú لدينا الرغبة الملحة في ضرورة الثورة على حكم الإمامة والانتقال إلى نظام جمهوري عادل يتساوى فيه كل المواطنين دون نزعة عنصرية تستوجب وجود سيد ومسود في المجتمع كما كان الحال طوال فترة حكم الأئمة الذي قام على التمييز العنصري بين هاشمي وقحطاني وتقسيم المجتمع لخمس طبقات هي: طبقة السادة والتي تْعِدْ الطبقة الأولى التي لا يعْلى عليها.. الثانية طبقة القضاة من العلماء الذين اشتهرت بهم بعض الأْسر كآل الإرياني والسياغي والشوكاني والعمري وكانت رغم تميْز أهلها بالعلم والفضل والصلاح لكنها دون طبقة السادة في التعامل حتى ولو كان المنتمي لطبقة السادة عربيداٍ ومارقاٍ وزنديقاٍ وذا أفعالُ مخلة بالآداب فهو عند الأئمة مفضل لأنه من نفس طبقتهم التي يدعون زوراٍ انتماءها للنبي صلى الله عليه وسلم .. الطبقة الثالثة طبقة المشائخ وكبار مْلاك الأراضي.. والرابعة طبقة سواد الناس وعامتهم من المواطنين والمزارعين وصغار مْلاك الأراضيºوهي الطبقة الأكثر.. والطبقة الخامسة أو ما كانت تْسمى بـ(بني الخْمس) نسبةٍ لرقم طبقتهم حسب التقسيم الإمامي العنصري وهم الذين يمتهنون الحرِف الدْنيا حسب وصف الأستاذ البردوني كالجزارة وإصلاح الأحذية ومدح القوم (دوشان- شاحذ) ويْطلق عليهم غالباٍ اسم (المزاينة والجزارين)..
تلك الأسباب إلى جانب ما كْنا نعانيه في محافظة إب من جورُ وظلم نتيجة تعنْت الأئمة وحْكامهم في جباية الزكاة والضرائب تحت مسمى (الصْبِر) بطرق جائرة وأكثر تعسْفاٍ وظلماٍ كانت من أهم أسباب نضالنا ضد حكم الإمامة والتضحية بالغالي والنفيس من أجل التصدي لذلك الحكم الكهنوتي العنصري المستبد الذي نالنا منه في إب القسم الأكبر على اعتبار أن إب كانت ولا تزال أكثر المحافظات اليمنية اشتهاراٍ بالزراعة وذات مردود كبير في جباية الزكوات والضرائب.
إرث حضاري
* برأيك لماذا كان لأبناء محافظة إب دور ريادي في الحركة الوطنية¿
انتماء أبناء إب لهذه الأرض الحضارية جعلهم في مقدمة الصفوف على امتداد مسيرة الحركة الوطنية. وذلك لأن إب هي قلب (حميِر) التي حكمِت اليمن بأسره وفي عهد دولتها الحميرية شهدت اليمن أول وحدة وطنية وأوسعها على مر التاريخ والتي وصلت إلى الطائف وما جاورها ووصلت فتوحاتها وحروبها وانتصاراتها إلى بلاد فارس وما وراءها في عهد التبع الحميري (أسعد الكامل) الذي تْجúمعْ كتبْ التاريخ على أنه كان أول مِن كسا الكعبة المشرفة ولْقب لأجل ذلك بـ((الكامل)).
أيضاٍ طبيعة إب هذه وإرث أبنائها الحضاري كان لهما كبير الأثر في أن يكون أبناؤها في مقدمة الصفوف وأن يكون معظم وأول الأحرار ضد الإمامة من أبنائها كما كان الحال مع الشيخ حسن الدعيس والنقيب عبداللطيف قائد بن راجح والنقيب سنان أبو لحوم والشيخ علي بن محسن باشا والشيخ حسن محمد البعداني والقاضي عبدالرحمن الإرياني وغيرهم ممن سجلوا أول مواقف نضالية في سفر الثورة اليمنية ضد الحكم الإمامي في ثلاثينيات وأربيعينيات القرن العشرين.
رجعية مستبدة
* هل كنتم على صلة بالرعيل الأول من المناضلين¿
– قبل أن يْزجِ بنا- نحن جيل الشباب- في السجون كنا على صلة وثيقة أيضاٍ بأعلام إب من المناضيل الذين مثلوا الرعيل الأول ومنهم استقينا الكثير من المبادئوعلى أيديهم كان تعليمنا الأوليº وهم كثر كالقاضي الإرياني والدعيس والنقيب عبداللطيف والبعداني وعبدالرحمن الحداد. وهذا ما أوجد بيئة خصبة لنمو حركة النضال الوطني في إب أكثر وأسرع وأوسع من غيرها من المحافظات. وهو ما يؤكده حتى الشيخ سنان أبو لحوم في كتابه (اليمن..حقائق ووثائق عشتها).
وهناك العديد من الوثائق التي تؤكد دور أبناء إب الوطني يحتفظ بها الشيخ عبدالعزيز الحبيشي وهو صاحب ذاكرة قوية ولا يزال يتذكر غالبية الأحداث بشكلُ سليم وكأنها حدثت قبل أسابيع. ولي بعض الصور التي التْقطِتú لي أوزملائي المناضلين الشباب قبل وبعد الثورة أثناء هتافنا في المظاهرات التي كنا نخرج نندد بها بسلطات الإمامة الرجعية المستبدة منها ما هو موجود أيضاٍ لدى الشيخ الحبيشي وقد أخذ مني ما كان لديِ ليضمه إلى ما لديه على سبيل التوثيق للأدوار النضالية لأبناء محافظة إب.
ولاية دينية
* برأيك هل قامت الثورةْ في وقتها المناسب¿
– نعم من حيث أنه مناسب هو مناسب ونحن كْنا على يقين من قْربها بل واستبطأنا حدوثها قبل ذلك التاريخ نتيجة ما كنا نلمسه من تدهور حاد لصحة الإمام أحمد ومعرفتنا المؤكدة بضعف شخصية البدر وعدم أهليته لقيادة البلاد والإمساك بزمام الأمور فضلاٍ عن تصدْع البيت الحميدي (نسبة لآل حميدالدين) من الداخل بسبب الصراع على ولاية العهد التي لم يكن يقرها حتى المذهب الزيدي باعتبار الإمامة ولاية دينية وليستú مْلúكِاٍ يْورث. وهذا ما ساعدِ الأحرار والثوار كثيراٍ في حسم المعركة الأولى عشية 26سبتمبر وتشكيل مجلس القيادة ومتابعة البدر إلى خارج صنعاء. وكان سبباٍ في التفاف الجماهير الغفيرة من أبناء الوطن خلف قيادة الثورة الذين رأوا فيهم المخلص لهم من ربقة العبودية والحكم الكهنوتي العنصري والتمييز الطائفي الذي مارِسِهْ الأئمة لأكثر من ألف عامُ من الزمن كانت كفيلة بإعادة اليمن إلى ذيل الركب الحضاري بعد أن كان في المقدمة.
وأتذكر أن الناس في إب وتعز كانوا يخرجون زْرافاتُ ووحداناº واهبين أموالهم وباذلين أرواحهم في سبيل الدفاع عن الثورة والحفاظ على النظام الجمهوري بصورةُ لم تشهدها ثورة عربية على الإطلاقوكأنهم المارد الذي يخرج من عنق الزجاجة كما تصور ذلك الأساطير الشعبية. وهو ما أجاد بوصفه الشاعر أبو الأحرار محمد محمود الزبيري بقوله:
شعبَ تفلتِ من أغلال قاهره حْرِاٍ فأجفِلِ عنهْ الظْلúمْ والظْلِمْ
مقارنة مْجحفة
* كيف تقارن بين ما هو حاصلَ اليوم بفضل الثورة والنظام الجمهوري وما كان حاصلاٍ في عهد الإمامة¿
– مِن يحاول المقارنة بين ما كان عليه الوضع في عهد الإمامة وما هو عليه الآن مخطئَ تماماٍ حيث لا مجال للمقارنة والبون شاسعَ بين ما كان وما هو كائن. اليمن انتقِلِتú أكثر من مائة بالمائة عما كانتú عليه في عهد الإمامة. ما تحقق لليمن في ظل النظام الجمهوري رغم الفساد الذي رافق عهوده المختلفة أكثر من أن نستطيع إحصاؤه أو مقارنته بما كان في عهد الأئمة حيث لم يكن يوجد لدينا أدنى مقومات الدولة إنú لم نقل مقومات الحياة. يا عزيزي الناس كانوا يموتون جوعى في الطْرْقات وخزائن الإمام التي تْجبى من خيراتهم تمتلئْ بالحبوب. والأمراض والأوبئة الفتاكة تنتشر في كل مكان ولا يوجد مستشفيات ولا علاجات وإنú وجدِت وهي لا تزيد عن اثنين أو ثلاثة فهي بلا أدوية أو مستلزمات. ولذلك أعتقد أن المقارنة ظالمة ومْجحفة.
والأشد والأنكى أن الجهل الذي كان متفشياٍ في عموم الوطن كان برغبة مْلحة من النظام الإمامي لأجل تركيع الشعب الذي لم يكن يعدو تعليم الفرد النادر منه عن حب آل البيت والطاعة العمياء للإمام. حتى لقد زرعوا لدى العامة أن طاعة الإمام من طاعة الله. وكان لديهم نظرية يحفظها العامة ويطبقونها وتنص على أن مِن ( انتقدِ الإمام في قلبه فهو منافق ومِن انتقدِهْ بلسانه فهو مخطئ ومِن انتقدِهْ بيده فمحارب) أي يجب قتاله وقتله.
كي لا ننسى
* رسالة أو كلمة تحب أن تختتم بها هذا الحوار¿
– يجب أن تسعى الأجيال الصاعدة واللاحقة لدراسة تاريخ النضال الوطني والاطلاع من خلال الثوار والمناضلين الأحياء وكتابات مِن رحلوا عن دنيانا ليقفوا عن كثب على الحال التي كانت عليها اليمن أيام الأئمةº ليعلموا أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م قامت كضرورة مْلحة ولم تقم اعتباطاٍ. وبفضلها فقط استطاع اليمن أن يصل إلى هذه المنجزات التي ينعم بها كل اليمنيين بلا استثناءº ودون تمييز طبقي أو طائفي. أتمنى أن لا تنسى الأجيالْ هذه الحقيقة وأن يواصلوا تحقيق أهداف الثورة السبتمبرية الخالدة من أجل تحقيق التقدم والرفاه لكل أبناء اليمن الذين يستحقون عيشةٍ أفضل وحياةٍ أزهى وأرغد. وحِفظِ اللهْ اليمن.
faiz.faiz619@gmail.com