دكتور/ جمال عبد الناصر الدكتور / جمال عبدالناصر الجندي –
الأطفال الصغار
لماذا الأطفال الصغار بالذات ¿ولماذا سن عامان ونصف يظهر التوحد بقوة ليخطف بسمة ومرح الأطفال قبل مرحلة الحضانة ¿
أمهات تحسرن على أطفالهن في أخطر لحظات حياتهن فالتوحد أشبه بالوحش الذي هجم ليلا ليخطف بسمات الطفولة ويحوله إلى أشلاء أو شبه طفل ميت.
وقبل التعرض للحديث عن التوحد أحب أن أنوه قبل خمسين عاما أو بعد ذلك لم نسمع عن هذا الاضطراب الغامض الذي يصيب الأطفال وكنا نعيش في الأرياف فلم يظهر بين الأطفال أي مشاكل تذكر سواء السلوكيات العدوانية أو النشاط الزائد ( مفرطي الحركة ) أو تأخر اللغة أو عيوب الكلام التي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة حاليا وأصبح في كل فصل دراسي لا نقول مرحلة دراسية وامتدت ظهور هذه المشكلات جميع المراحل الدراسية وامتدت للمرحلة الثانوية والجامعة والكل يسأل لماذا ازدادت هذه المشكلات في السنوات الأخيرة وهل الأطفال الذكور هم المستهدفون بالذات في مرحلة الطفولة!!
وبالتحليل وجدت أن الأطفال هم أمل المستقبل وهم رجال الغد لذا فالحرب مستهدفة الأطفال لكي يكونوا (أشبه بالمسخة) لا هم أطفال ولا هم رجال ولا شباب.
ومن هنا أطلقت مقالي أن التوحد يدق ناقوس الخطر في العالم العربي :
نعم إنه سرطان يستشري بعقول الأطفال في سلوكهم وكلامهم وتواصلهم ومرحهم ولعابهم ولذاتهم فيهاجم ثلاثة محاور أساسية وهى المهارات الاجتماعية والمهارات اللغوية والمهارات التواصلية بل تمتد إلى فشل الطفل في بناء علاقة عاطفية مع والدته أو والده فهو بالأمس كان يلعب مع والده ويقبله يتفاعل معه يقبله ويرتمي بين أحضانه وفجأة بدون سابق إنذار انقطع عن العالم الذي كان متواصلا معه وبدأ ينزوي عن هذا العالم ويبني لنفسه عالما جديدا غريبا عنا فجأة ينظر لأركان الغرفة وينزوي عن الأنظار يختبئ في الدواليب وأركان الحمام المظلم ويلتقط الأوساخ من على الأرض يهمهم بكلمات غير مفهومة يبتسم لوحده دون سبب معروف يبكى بدون دواع أو مسببات للبكاء كان يقول بابا وماما ألعب ,امرح ومن هنا أيها القراء الأعزاء كان لابد من التعرض لهذا الوحش الكاسر والبحث عن تعريف صيحيح له أو التعرض لمسبباته ومن المسؤول عن انتشار هذا المرض الغامض الذي يهجم على البيوت دون رحمة أو هوادة .
ماهو التوحد ¿
يشار إلى أن مرض التوحد اكتشف عالميا عام 1947 وعرفه الأطباء بأنه إعاقة تظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل وتستمر معه وتحول دون استيعابه للمعلومات ومعالجتها ما يفقده القدرة جزئيا أو كليا على التواصل مع المحيط أو حتى استخدام ما فيه من أدوات وتتمثل الأعراض بعجز الطفل عن الكلام أو إصدار أصوات غير مفهومة كثيرا ما تكون على شكل ضجيج غير واضح الأسباب إضافة إلى عدم قدرة الطفل على التعبير عن أي شكل من أشكال الشعور أو الاستجابة الطبيعية عدا كونه مفرط النشاط قليل النوم غالبا.
ويقر الباحثون على مستوى العالم بعدم قدرتهم على التوصل لسبب معروف لهذا النوع من الإعاقة وإن كانت الأبحاث الجارية تتناول دراسة الجوانب البيولوجية والعصبية والجينية بعد أن ثبت عدم صلة العامل الوراثي أو البيئة النفسية للطفل بالتسبب في الإصابة.
منذ البداية الأولى لمفهوم مصطلح التوحد الذي ظهر في القرن العشرين ضرب هذا المرض بقوة أعز ثمرة لنا في الوجود وهم فلذات أكبادنا حيث ظل مصطلح التوحد لغزا حير الكثير من العلماء والمختصين في علم الطب النفسي ومحاولة منا لإلقاء الضوء على البدايات الأولى لمفهوم ومصطلح التوحد وفك هذا اللغز الغامض. لذا فإن هذا الفصل سوف يتطرق بادئ الأمر بإعطاء نبذة عامة عن مصطلح التوحد وتطوره التاريخي منذ بداية عام 1911م إلى وقتنا الحاضر وكذلك سوف نتناول بالعرض العديد من التعريف والمفاهيم التي عرفت هذا المفهوم ونسبة انتشاره وكذلك عرض واقع العالم العربي من هذا المرض والجهود التي ما زالت بسيطة أو نادرة في هذا المجال.
عندما بدأت العمل في مجال رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في نهاية الثمانيات أي عام 1987 كنا نجهل معنى كلمة التوحد ولم تكن منتشرة في الأوساط العلمية في مصر إلا القليل من الكليات التي كانت تتطرق لمصطلح التوحد وكانت الحالات التي تحول إلى عيادات النطق والكلام على أساس أن الطفل غير قادر على الكلام أو أن حصيلته اللغوية قليلة أو اكتسب اللغة ثم تلاشت بعد ذلك. وعشنا فترة طويلة لم يظهر لنا مفهوم التوحد إلا بعدما تم إنشاء مراكز متخصصة وتم تصنيف حالات التوحد على أنها إعاقات شديدة ولسنوات طويلة ظل التوحد مجهولا وغامضا على الكثير من الناس ومن المختصين أنفسهم حتى الأطباء احتاروا في تشخيصه فنحن نعلم أن الفصام يصيب الكبار فيكف يصيب الأطفال دون سن الثالثة من العمر وذلك لتشابه أعرض الفصام بالتوحد.
ومنذ ذلك الوقت عندما اختلطت المفاهيم والمصطلحات بين الفصام كمرض نفسي وبين التوحد. فنحن نلاحظ أن مصطلح التوحد هو ترجمة للكلمة الإغريقية ( Autos ) أي الذات الأنا التي تشير إلى الانطواء والتوحد مع الذات وقد استعمل العالم بلوير ايفوت وهو عالم وطبيب سويسري ولد في زيورج عام ( 1939-1857 ) مفهوم السلوك التوحدي لأول مرة عام 1911م كدالة على الانفصام الشخصي ( لطيف ماجد 1426هـ 15:2008 ) وبالرغم من الاختلاف الشديد بين الإضرابين (وفاء الشامي 1424: 26 ).
وقد وردت قصص وحكايات كثيرة في الآداب القديمة عن أفراد كان يبدو أنهم توحدوا بالرغم من عدم ثبوت تشخيص حالة أولئك الأشخاص بالتوحد ومن أهم تلك الروايات القديمة الموثقة كانت للطبيب الفرنسي جون مارك جاسبار إتيارد ( 1838-1775 ) الذي عمل جراحا في الجيش الفرنسي ثم تخصص في أمراض الأذن وتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حيث كتب إيتارد عن طفل يدعى فيكتور عرف باسم « طفل أفيرون المتوحش «
ومما يذكر عن سلوك هذا الطفل أنه إذا أراد الأكل يبدأ بحاسة الشم أولا وكان يمشي على أربع أرجل وهذا السلوك يشبه سلوك الأطفال التوحديين وظل أمر مرض التوحد لسنوات طويلة مجهولا وغامضا عن الكثير من الناس إلى أن كتب الطبيب النفسي ليوكانر ( Leak anner ) 1943م وهو أحد أساتذة الطب النفسي بجامعة هارفارد حيث كان يقوم بفحص مجموعة من الأطفال المتخلفين عقليا بالولايات المتحدة الأمريكية وقد لفته انتباه مجموعة من الأنماط السلوكية التي كانت غير عادية لأحد عشر طفلا كانوا مصنفين على أنهم من ذوي التخلف العقلي فقد كان سلوكهم يتميز بما أطلق عليه مصطلح التوحد الطفولي ( Early Infantile Autism ) حيث لوحظ أن تفكيرهم يتميز بالاجترار الذي تحكمه الذات وحاجات النفس وأنهم بعيدون عن الواقعية وعن كل ما حولهم من ظواهر أو أحداث أو أفراد حتى ولو كانوا والديهم وإخوانهم فهم دائما الانطواء والعزلة ولا يتجاوبون مع أي مثير بيئي في المحيط الذي يعيشون فيه كما كانت حواسهم الخمس قد تعطلت تماما بحيث أصبح هناك صعوبة في تكوين علاقة مع أي ممن حولهم كما يفعل غيرهم من الأطفال وحتى المتخلفين عقليا منهم كما وصفهم باحثون آخرون بأنهم لم يرتقوا بصورة طبيعية في علاقاتهم بالآخرين حيث كانت قدرتهم اللغوية محدودة للغاية ولديهم رغبات قهرية في ممارسة نفس السلوك مرات عديدة وأنهم مستغرقون في ذواتهم ولديهم مشكلات حادة في المهارات الاجتماعية والسلوكية وفي التواصل. ( عثمان فراج 1994 ) ( عمر الخطاب 1997 ) ( علاء الدين عبد الحميد 4: 2008 ).
انتشار التوحد ونسبة حدوثه :
نظرا لأن التوحد مرض حديث العهد سواء بالنسبة للمختصين أو العلماء أو الآباء والأمهات حتى أطلق عليه بالفعل لغزا محيرا ولكونه من الاضطرابات النادرة غير المعروفة السبب والمنشأ فالدراسات أكدت على مدى انتشاره في العالم تقريبا من ( 2-5 ) بين كل (000 10) مولود ومع ذلك فإن التقديرات الحديثة حاليا أصبحت مخيفة جدا حيث وصلت في أمريكا من ( 6-7 ) أطفال لكل (000 10) مولود وقد أشار محمد سعيد الدوسري ( 2 2008 ) أن نسبة الإصابة بالتوحد حاليا تقدر بـ ( 2-6 ) لكل (000 10) حالة وكانت النسبة سابقا ( 2-4 ) لكل (000 10) وهذه النسبة العالمية بينت على عدة دراسات مسحية في نهاية الثمانيات وأوائل التسعينات ولاحظ العديد من المختصين زيادة كبيرة وتناسب مع هذه الزيادة الكبيرة في التشخيص ازدياد في النظريات والتفسيرات ليس فقط أسباب الاضطراب فحسب بل في أسباب هذه الزيادة الملحوظة في عدد الحالات المشخصة في كافة أنحاء العالم. لهذا اختلفت الإحصاءات الحديثة فيما بينها بشأن تحديد نسبة الانتشار منها ما يشير إلى أن التوحد يبلغ حالة لكل ألف مولود ( سميرة عبد اللطيف 1998م ).
وبالرغم من الاختلاف بين الباحثين في تحديد نسب الانتشار إلا أنهم اتفقوا جميعا على أن نسبة الإناث إلى الذكور تبلغ مرة واحدة إلى أربع مرات لدى الذكور أي ( 1/ 4 ) وأن هذه النسبة لا ترتبط باللون أو الجنس أو العرق أو البلد ( عثمان فراج 44: 1996 ).
السؤال الذي يطرح نفسه :
ما دور الحكومات في التعرض لمرض التوحد ¿ هذا ما سوف نكشف عنه في المقال التالي :
*مدير المركز العالمي للتوحد
* ممارس ومعالج أطفال التوحد بمصر