إسبانيا .. إيطاليا.. التاريخ يقف متفرجا◌ٍ

معين النجري –

الحلم يقف مشدوها◌ٍ فاغرا◌ٍ فاه .. يترقب بخوف◌ُ لذيذ .. واشتياق◌ُ لا محدود كعروس◌ُ ليلة دخلتها .
عين في حدائق مدريد وأخرى على أبراج روما بانتظار ليلة صاخبة تقف فيها الدموع و الحسرات جنبا إلى جنب مع الابتسامة و النشوة, وعند صافرة النهاية سيتقاسمها الفريقان كل بحسب أهدافه.
هنا إسبانيا , وهنا إيطاليا .. كل الحسابات معقدة و التحليلات في حالة حيرة .. جمل التوقعات لا تقبل الصرف , و المنجمون فقدوا بوصلتهم .
إذن فلنذهب إلى التاريخ علنا نجد عنده خارطة طريق لمعركة الإبداع و التميز والدهشة والفن ترشدنا إلى الكنز الذي سهر بلاتيني و فريقه أشهر و ربما سنوات على تطويره وإعداده بشكل يرتقي إلى مستوى لهفة الملايين و ترقبهم .
حتى التاريخ لا يبدو مستعدا◌ٍ للمجازفة .. هاهو يرمي دفتر حساباته و يقف على مكتبه العتيق بعد أن يأس من تجميع الأرقام و الأسماء و الظروف.
التاريخ كائن حي , يريد أن يجلس اليوم على مقاعد الجماهير ليأخذ نصيبه من المتعة مثلنا تماما◌ٍ.
مئات الأسئلة تتزاحم في مخيلة الكاميرات .. و شباك المرمى تغتسل بنار شوقها للرقص على إيقاع التسديدات … عشب الملعب يعيش كرنفالا◌ٍ خرافيا◌ٍ .. أعمدة النور أيضا و مقاعد الجماهير و جدران الملعب ولوحات الإعلانات, كل التفاصيل تحرص على أن تقدم أفضل ما لديها حتى صافرة الحكم تعيد صقل جدرانها بإتقان لتكون زغردتها اليوم أكثر إشراقا◌ٍ.
ورغم كل هذا , لا أحد يدرك ما يدور في بال ديل بوسكي مدرب الأسبان, أو ما يخطط له مدرب الإيطال برانديلي . حتى الكتيبة الزرقاء نفسها و خصمها الملون بالأصفر والأحمر لم يدركوا بعد ما الذي سيحدث بالضبط.
الجميع تواقون إلى معانقة الذهب و زراعة البهجة في قلوب مواطنيهم , كل طرف يعيد ترتيب مفاتيحه وأقفاله, يستعيد أخطاءه و يضع يده على الأوجاع التي عانى منها في مواقعه السابقة, يدرس خصمه بشكل واقعي و أحيانا◌ٍ هستيري, لكنه لا يستطيع أن يضمن شيئا◌ٍ على أرض تمنح الطرفين فرصا متساوية في كل شيء.
اليوم سيواجه القائد كاسياس طلاسم و عقد السحر الإفريقي الذي مايزال يسري في عروق المهاجم الإيطالي ماريو بالوتيلي, و ستعاني أسوار بيكيه ورفاقه من بطش محاربي روما و رماتها الحالمين باستعادة الأمجاد المندثرة.
وبالمقابل مايزال فابريجاس و نيستا و نبلاء الأندلس متمسكين بالأمل و مراهنين على حرفيتهم العالية وعملهم الجماعي الراقي الذي جعلهم أسياد العالم..
وما بين روما وبرلين جسر من نار مليء بجبال وسحب وأودية وثلوج وغابات من المشاعر المتناقضة التي تفيض لتغمر القارة العجوز وكلما زادت اشتعالا◌ٍ عبرت الحدود وحواجز اللغة واللون والعرق والطائفة والدين فتغرق الكرة الأرضية من أقصاها إلى أدناها حتى تصل إلينا في مكتب إدارة الشباب والرياضة بصحيفة الثورة لنجد أنفسنا مواطني كرة قدم وحسب .. منøا من يهتف للطليان ومنøا من يصفق بحرارة للأسبان.
إنها كرة القدم ومعاركها الناعمة التي تزرع المتعة في قلوب عشاقها دون أن تسأل عن جنسياتهم أو حساباتهم البنكية أو مواقعهم الاجتماعية .
اليوم سنكون طليانا◌ٍ وأسبانا◌ٍ , سنتبادل الصرخات والحماس والتهاني وخيبات الأمل .. فنحن على موعد◌ُ مع المتناقضات المدهشة في موقعة نتمنى أن تكون أبوابها مفتوحة لتسمح للإثارة والإبداع والفن والأهداف .. وتسمح لنا أيضا بالمتعة كما يجب لا كما تمليها عليهم الحسابات التكتيكية القاتلة.
سنكون في الموعد ولنمنح أوجاعنا اليومية وهمومنا وآلامنا إجازة إجبارية ولو لمدة 90 دقيقة فقط.

قد يعجبك ايضا