كفى وصاية وارتهاناً!

حمدي دوبلة

 

 

من أطرف ما ورد في مذكرات المناضل اليمني المعروف الراحل محمد أحمد نعمان الشهير بـالنعمان – عن حادثة سجن قيادة الثورة اليمنية في القاهرة، حيث بقي ستون من كبار الشخصيات في الحكومة اليمنية أسارى في سجن في القاهرة بأوامر من الرئيس جمال عبدالناصر لمدة 9 أشهر- ما قاله لمدير السجن عندما رد على سؤال السجان عن حاله في زنزانته بالقول” كنّا أيام الإمام نطالب بحرّية القول أما اليوم فنطالب بحرية البول”.
-هذه القصة وتلك المقولة الطريفة للمناضل النعمان تحمل في طياتها الكثير من وجع السنين والكثير من المرارة والألم الذي عاناه اليمن بسبب التبعية والارتهان والاستسلام المطلق لوصاية هذا الطرف أو ذاك.
-في العام 1966م تفاقم الخلاف بين القيادات السياسية في صنعاء، قبل أن يتوجهوا إلى القاهرة بوفد كبير يضم 60 من كبار الشخصيات في الدولة وعلى رأسهم القاضي عبد الرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان (عضوا المجلس الجمهوري) والفريق حسن العمري (رئيس الحكومة)، لمناقشة وحل الخلاف بحضور الزعيم جمال عبدالناصر لكنه أمر بزجهم جميعا في السجن حيث تم اقتياد الصف الأول من القيادات اليمنية إلى زنزانات منفردة وفي اليوم التالي امر عبدالناصر – كما يقول المناضل النعمان – باعتقال وسجن عدد آخر من الوزراء والمسؤولين والضباط (كان من بينهم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي وعلي سيف الخولاني رئيس الأركان ومحمد تلها مدير الأمن العام وحسين المسوري ويحيى مصلح وعلي المؤيد ويحيى المتوكل ومحمد أبو لحوم) .
– ويصف المناضل النعمان في مذكراته، الحالة المزرية للزنزانة وانعدام التهوية والإضاءة وكان الأشدّ مرارة عدم القدرة على الذهاب إلى دورة المياه، إلّا حين يسمح السجّان، بعد التأكد أن السجين لن يلتقِ أحداً من زملائه في الطريق إليها ومنها، وتعبيرا عن ذلك الوضع المحزن أطلق النعمان مقولته الظريفة.
-بقي القادة اليمنيون في السجن الانفرادي لمدة تسعة أشهر وعشرة أيام، ويقول النعمان عن تلك الفترة “لم يكن أي سجين يعرف أي شيء عن غيره، ويلاقي العذاب نفسه، يأنس لنفسه، لا يتكلم مع أحد ولا يكلمه أحد، لا يرى الشمس ولا يعرف من أين تشرق ولا يعرف أي شيء وهو في الزنزانة، يرمون له الأكل في الوقت الذي يريدون. يعطيك الفطور الساعة 12 ظهراً، ويعطيك الغداء الساعة 6 بعد الظهر، ويعطيك العشاء في منتصف الليل، ولم يكن مسموحاً للسجين الاستماع إلى الراديو أو قراءة الصحف”.
عاش المعتقلون – بحسب المناضل النعمان – معزولين عن العالم، لا يعلمون ما يدور خارج زنزاناتهم، ولم يعلموا أنّ حرباً قد قامت وانتهت وهي حرب النكسة عام 1967م. وعن تلك الفترة، يقول النعمان في مذكراته ، “لم نكن نسمع أو نعرف عن الحرب شيئاً، إلّا حين فتح أحد السجّانين باب الزنزانة كأنّما يريد أن ينتقم من الهوان الذي يتلقّاه ليتشفّى كأنه منتصر، وقال لي: عم نعمان، الفرج جاء.. قلتُ له: هل سيخرجوننا؟ قال: لا.. جيشنا انهزم وإسرائيل في السويس والرئيس استقال وكلهم استقالوا… وللتأكيد على كلامه جاء له السجّان بالجريدة.. وفي تلك الليلة صارت “حرية البول” متاحة وبات اللقاء مع بقية المعتقلين مسموحاً.
-الوطن اليمني يحتفل اليوم بالعيد السابع لثورة الـ21من سبتمبر الشعبية التي جعلت في رأس قائمة أهدافها التحرر وتحقيق السيادة ونبذ كل أشكال الوصاية للخارج.. يتطلع شعبه بشغف لمعانقة الحرية والاستقلال الكامل والانعتاق من تحكم النظام السعودي في القرار الوطني الذي كان ولا يزال حجر عثرة أمام تطلعات اليمن في التطور والنهوض الحضاري ويقدم الشعب جليل التضحيات لبلوغ هذا الهدف النبيل, لكن المحزن أن البعض من اليمنيين لازالوا يقاتلون في صف العدو ويوهمون أنفسهم أن النظام السعودي حريص على خير ووحدة وتقدم اليمن ورخاء ورفاهية شعبه.
-كفى وصاية وارتهانا للخارج يا أبناء اليمن ولندع خلافاتنا جانبا ونوحد صفوفنا ضد العدو الذي صادر سيادتنا وقرارنا وثرواتنا وحقنا في الحياة الكريمة.. فلا تقدم ولا نهوض إلا بالاستقلال الكامل وخلع عباية التبعية للخارج كائنا من كان وعلى النظام السعودي وغيره من الأنظمة في المنطقة والعالم احترام إرادة الشعب اليمني ولتكن علاقات اليمن بالآخرين مبنية على الندية والاحترام والمصالح المشتركة، وليس كما يريد الأعداء تابع ومتبوع وآمر ومطيع وأسياد وعبيد وقصور وفناءات خلفية.

قد يعجبك ايضا