العلاقة الوثيقة بين ثورة كربلاء وثورة مران

منير الشامي

 

 

إن من يتأمل في ثورة الإمَـام الحسين بن علي -عليهما السلام- وحركة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي-رضوان الله عليه- ويقارن بينهما من حَيثُ الموقف والتحَرّك والأسباب والدوافع والأهداف وفي مختلف الجوانب لكل منهما يكتشف أن هناك تشابه كبير بينهما قد يصل إلى حَــدّ التطابق، بل يتطابقا فعلاً والفرق الوحيد بينهما هو أن عدوَّ الأُمَّــة في عهد حركة الإمَـام الحسين -عليه السلام- كان نظام بني أمية بقيادة يزيد ومن خلفه أعداء الأُمَّــة من اليهود والنصارى، أما الشهيد القائد فعدو الأُمَّــة الذين واجههم هم أنظمة الاستكبار العالمي، النظام الصهيوأمريكي وأنظمة العمالة والخيانة التابعة لها، إضافة إلى نقطة أُخرى وهي صعوبة تحديد بداية زمنية لانطلاقة الإمام الحسين -عليه السلام- بدقة فحركته وسعيه لصلاح الأُمَّــة وتحمله للمسؤولية مرتبطة بحركة جده رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وبحركة أبيه أمير المؤمنين الإمَـام وأخيه الإمَـام الحسن -عليهم السلام-، والمعلوم للأُمَّـة أن الإمَـام عليا وولديه الإمَـامين لم يتخلوا عن مسؤوليتهم الدينية تجاه الأُمَّــة في دعوة الناس وهدايتهم وتعليمهم أمور دينهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فلم يتوقفوا حتى ساعة واحدة من حياتهم ومنذ طفولتهم المبكرة ولعل ما روي عن الإمامين الحسن والحسين في صباهُما حينما شاهدا الرجل الذي لم يحسن الوضوء فتحاكما إليه ليرى أيهما يحسن الوضوء كي يتعلم منهما دليل على انطلاقتهما المبكرة في حمل مسؤولية دين الله وأدائها، ومع ذلك سنعتبر أن بداية انطلاق الإمَـام الحسين عليه السلام من بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام عام 49 هجري مقتولاً بالسم.
فمنذ ذلك التاريخ حمل الحسين مسؤولية دين الله وحده وتحَرّك فيها من منطلق قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ما يعني ويؤكّـد أن تحَرّكه بعد استشهاد الإمام الحسن عليهما السلام كان في سبيل محاربة الجهل الذي تفشى في الأُمَّــة بفعل سياسة التجهيل الإجباري الذي فرض ثقافتها معاوية، وكان هدفه هو تنوير الأُمَّــة وإخراجها من سراديب الجهل الذي وقعت فيه، إما بسَببِ الخوف من بطش معاوية أَو بسَببِ الطمع في عطاياه أَو بسَببِ وصول الدين الأموي المشوه إليهم، فسعى عليه السلام لمحاربة جهل الأُمَّــة بثقافة القرآن ونور جده المصطفى -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- في كُـلّ مكان وصل إليه بحركته وترحاله بين الشام والحجاز والعراق وبين مكة والمدينة، وكذلك بدأت انطلاقة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- ومن نفس المنطلق محاربة الجهل الذي ساد في المجتمع بنشر ثقافة القرآن ونور المصطفى، بل إنه ربما اقتدى بالإمام الحسين عليه السلام وبدأ من نفس المسار الذي سار عليه وهذا يعني تطابق انطلاقة كُـلّ منهما.
ومثلما كانت انطلاقة الإمام الحسين عليه السلام مبكرة كانت انطلاقة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي مبكرة وفي أقواله ومواقفه ما يؤكّـد ذلك كشعار حملته الانتخابية للبرلمان عام 1993م “أعدكم أن لا أمثلكم في باطل أبدا” وموقفه من حرب صيف 94م وتشكيله ائتلاف الشباب المؤمن، وتدريسه مع والده الحُجّـة بدر الدين الحوثي لطلبة العلم واهتمامه معه بالمراكز الصيفية كُـلّ عام فكل ذلك يدُلُّ على أن تحَرّكه كان أَيْـضاً مرتبط بحركة والده السيد المجاهد بدر الدين رضوان الله على روحه الطاهرة.
وبمقارنة الدافع الذي تحَرّك مِن أجلِه الإمام الحسين عليه السلام والدافع الذي تحَرّك مِن أجلِه الشهيد القائد يتبين لكل باحث أن دافعهما للتحَرّك واحد، فالإمام الحسين عليه السلام كان دافع خروجه للقضاء على طغيان الدولة السفيانية التي عاثت في الأرض الفساد وبدلت الدين وأرهبت العباد وكممت الأفواه واشترت الألسن وظلمت وتجبرت وقهرت واستباحت دماء كُـلّ من ثبت على عهده وميثاقه من صحابة الرسول والتابعين وانغماس ولاتها في الملذات واتباعهم الشهوات وحكمهم بالأهواء واستئثارهم بالثروات فكان دافع الإمام الحسين دفع ظلم الظالمين وإخراج الأُمَّــة من الجهل والتيه الذي وقعت فيه.
وهي الدوافع نفسها التي دفعت الشهيد القائد -رضوان الله عليه- للانطلاق فحال الأُمَّــة اليوم يشبه حالها أَيَّـام الإمام الحسين من حَيثُ الجهل بدينها وأعلامها وتفرقها وضعفها وهوانها واستكانتها وخضوعها لسيطرة أعدائها من اليهود والنصارى وقوى الاستكبار وبعد شعوبها عن الله وعن كتابه وصراطه المستقيم، ومعاناتها أَيْـضاً من ظلم أنظمة الشقاق والنفاق ومن قمع تلك الأنظمة لها واستئثارها بثروات الشعوب وتسخيرها لأعداء الأُمَّــة ما يعني أن الحكام على شعوب الأُمَّــة نسخة طبق الأصل من يزيد، وفي ملازمة ودروسه ما لا يحصى من الحقائق التي تؤكّـد ذلك ما يعني تطابق الدوافع التي حركت الحسينين.
ومن حَيثُ الغاية والهدف فغايةُ الإمام الحسين عليه السلام وهدفه كما أعلنه “إنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّـة جدي” ما يعني أن هدفه هو الإصلاح الشامل لأمة انحرفت عن نهج الله فشقيت وتفرقت واستكانت وتولى عليها أراذل الخلق فساموها سوء العذاب وكذلك كان هدف الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه من تحَرّكه وانطلاقه إصلاح حال الأُمَّــة وانتشالها من حالة الذل ودروب التجهيل والتدجين وتوحيد صفها وجمع كلمتها بالاعتصام بحبل الله والاهتداء بنوره المبين وإعادتها إلى درب عزها وكرامتها، سائدة لا مسودة آمرة لا مأمورة متبوعة لا تابعة ولا خانعة ولا ذليلة تحت سيطرة أعدائها، ما يعني أن الإمام الحسين والشهيد القائد انطلقا وتحَرّكا لتحقيق هدف واحد وإن تباعد الزمان بينهما واختلف المكان.
كما أن المتأمل يجد أنهما لقيا ربهما بنفس الحال ونفس المصير فما حدث للإمَـام الحسين عليه السلام عام 61ه في كربلاء حدث للشهيد القائد في جرف سلمان بمران عام 1425هـ ومثلما آثر الإمام الحسين -عليه السلام- آثر مصارع الكرام على الخضوع للئام فواجه جيش يزيد وحده آثر الشهيد القائد مصارع الكرام على الخضوع لجيش المجرم عفاش فخرج رضوان الله عليه شامخا واقفا رغم جراحه الغائرة بشجاعة الإمام الحسين السبط فصوبت نحو جسده الطاهر أفواه البنادق والرشاشات وأنهالوا عليه بوابل نيرانها كما فعل جيش يزيد بسيوفه ورماحه بجسد الإمام الحسين بن علي وفاز بالشهادة كما فاز، ومثلما أساء يزيديو الماضي إلى الإمام السبط بعد استشهاده أساء يزيديو اليوم إلى الشهيد القائد ببث الإشاعات الكاذبة وكيل التهم المزورة.
ويتضح مما سبق تطابق ثورة الإمَـام الحسين السبط عليه السلام مع ثورة الشهيد القائد حسين العصر والزمان من البداية إلى النهاية حتى في أدق التفاصيل فسلام الله على الإمام الحسين السبط وعلى أهله وأنصاره وسلام الله على حسين العصر وعلى أهله وأنصاره.

قد يعجبك ايضا