الاتفاق النووي.. بين نفاق ماكرون وبايدن المصاب بفيروس الترامبية

 

بعد أن اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، “الجهود الرامية لإحياء المحادثات النووية تواجه صعوبات بسبب ما وصفه بمشكلات تكتيكية والوضع الداخلي في إيران قبيل الانتخابات الرئاسية الإيرانية”، جاء دور رئيسه إيمانويل ماكرون، ليطالب إيران بتقديم “اللفتات المتوقعة وأن تتصرف بطريقة مسؤولة وان تكف “عن زيادة الوضع سوءا”.
اللافت أن ارتفاع حدة الخطاب الفرنسي إزاء إيران بشكل عام والاتفاق النووي بشكل خاص، وإن كان ليس جديدا، إلا انه بدأ يتخذ منحا تصاعديا واضحا، بالتزامن مع تراجع حدة الخطاب الأمريكي، في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وهو ما اعتبره بعض المراقبين أن الأمر لا يعدو إلا تقاسم أدوار بين فرنسا وأمريكا، فيما عزا البعض، التطرف اللافت في الموقف الفرنسي من إيران والاتفاق النووي، إلى محاولة فرنسا كسب ود “إسرائيل” ومن ورائها الصهيونية العالمية، لا سيما أن ماكرون مقبل على انتخابات فوزه فيها غير مضمون، وبحاجة إلى دعم اللوبيات الصهيونية واليمين المتطرف في فرنسا. وكذلك كسب ود السعودية، وبالتالي أخذ مكان ترامب في عملية حلب الخزينة السعودية.
ما يؤكد هذه الحقيقة، إن ماكرون عندما حمّل إيران مسؤولية مصير الاتفاق النووي، كان يتحدث في المؤتمر الصحفي مع رئيس الكيان الإسرائيلي ريؤفين رفيلن، الذي كان يزور فرنسا!!، وماكرون لم يكتف بتحميل إيران مسؤولية ما وصل إليه الاتفاق النووي فحسب، بل دعا أيضا إلى توسيع الاتفاق النووي ليشمل البرنامج الصاروخي الإيراني، والنفوذ الإيراني في المنطقة، بالإضافة إلى إشراك “إسرائيل” والسعودية في أي مفاوضات مقبلة!!.
إيران لم تترك نفاق ماكرون الفاضح دون رد، فقد جاء هذا الرد على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي قال في تغريدة على تويتر: يجب على الترويكا الأوروبية وأمريكا التصرف بمسؤولية والالتزام بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 ، بدلاً من استرضاء كيان إرهابي مجهز بأسلحة نووية غير مشروعة، والتنسيق مع العدو رقم واحد للاتفاق النووي.
إن محاولات ماكرون تحويل الاتفاق النووي إلى سوق، للحصول على تأييد الصهيونية العالمية، ولحلب السعودية، اعتقادا منه أن أبواب هذا السوق باتت مشرعة له، بعد إعلان بايدن نيته للعودة إلى الاتفاق النووي، وبعد توتر العلاقة، ظاهريا، بين أمريكا بايدن من جانب و “إسرائيل” والسعودية من جانب آخر.
كان وضحا منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه المفاوضات بين مجموعة 5+1 وإيران، إن فرنسا لم تدخل هذه المفاوضات من اجل الوصول إلى اتفاق، بل اقتصر دورها على عرقلة هذه المفاوضات، أو تعقيدها قدر الإمكان، وهو ما ظهر واضحا عام 2015، حيث كانت فرنسا تغرد دائما خارج السرب حتى اللحظات الأخيرة، وهذا الموقف الفرنسي إزاء إيران ليس غريبا، ففرنسا ناصبت العداء للثورة الإسلامية في إيران، ولعبت دورا رئيسيا في كل المحاولات والمخططات الغربية لوأد الثورة الإسلامية وإسقاط النظام الإسلامي، فلم تدخر جهدا في تسليح النظام الصدامي المقبور بأحدث الأسلحة عندما شن عدوانه على الجمهورية الإسلامية، فكانت من اكبر مصدري السلاح الكيمياوي إلى صدام ، واحتضنت زمرة المنافقين الإرهابية، وكانت من اكثر الدول الأوروبية التي ساهمت ومازالت بالحظر الغربي الظالم على الشعب الإيراني.
فرنسا التي تعرب ليل نهار عن قلقها من البرنامج النووي الإيراني السلمي، هي التي قامت ببناء مفاعل ديمونا “الإسرائيلي”، وهي التي أشرفت على إنتاج السلاح النووي “الإسرائيلي” ، منذ عام 1958، وهذه الحقائق كشف عنها التقني السابق في مفاعل ديمونا، موردخاي فعنونو للإعلام عام 1986، وعلى اثر ذلك تم اختطافه من قبل الموساد من إيطاليا و حوكم بتهمة إفشاء أسرار “الدولة “. وهي فرنسا التي ساهمت ببناء مفاعل تموز النووي العراقي في زمن الطاغية صدام، رغم أن لا البرنامج النووي “الإسرائيلي”، ولا البرنامج النووي العراقي، خضع لمراقبة وتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما خضع ويخضع البرنامج النووي الإيراني السلمي.
أما نفاق ماكرون بشأن إشراك أكبر عدوين لدودين للاتفاق النووي، في “المفاوضات النووية المقبلة”، فردت عليه إيران بقولها، أنها لا تتفاوض مع الغرب على شؤون المنطقة بل هي مستعدة للحوار مع دول المنطقة ذاتها، وأنها تدعو لحوار بين دول المنطقة الثمانية، وهي الدول الست العربية في الخليج الفارسي وإيران والعراق، وعلى ماكرون أن يعلم انه لا مكان لفرنسا على طاولة هذا الحوار.
إن تجربة إيران المرة مع الغرب بشأن الاتفاق النووي، الذي لم يجف حبره بعد، حتى انسحبت منه أمريكا، وفرضت حصارا ظالما على الشعب لإيراني، وتنصلت منه أوروبا ودعمت أمريكا في إرهابها الاقتصادي ضد إيران، فبقيت إيران الطرف الوحيد الملتزم بالاتفاق، بشهادة 15 تقريرا صادرا عن الوكالة الدولة للطاقة الذرية، حتى بعد عام كامل من انسحاب أمريكا وتنصل أوروبا لعهودها. هذه التجربة المريرة جعلت إيران لا تثق بهذا الغرب، خاصة أمريكا، التي تنصل رئيسها الجديد، جو بايدن، من وعوده الانتخابية الخاصة بالعودة إلى الاتفاق النووي، حيث مازال يمارس الإرهاب الاقتصادي ضد الشعب الإيراني، ويرفض رفع الحظر الذي فرضه سلفه ترامب ظلما وعدوانا على الشعب الإيراني، تحت ذريعة أن على إيران أن تتفاوض معه على العودة إلى الاتفاق النووي قبل رفع الحظر.
المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي في الشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان، كان دقيقا في وصفه للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وذلك في تغريدة له على تويتر قال فيها: إن استمرار إجراءات الحظر الأمريكي بحق إيران، بالإضافة إلى الإهانة التي وجهها بايدن للرئيس الروسي كلها مؤشرات على أن فيروس “الترامبية” الخبيث قد لوث بشدة البيت الأبيض، فبايدن هو ترامب.
أخيرا، لا نفاق السمسار ماكرون، الذي يستجدي دعم الصهاينة، ودولارات ابن سلمان، ولا بايدن المصاب بفيروس الترامبية، يمكنهما أن يجعلا إيران تغير موقفها أو تتراجع عن حقوقها، فإما رفع الحظر الإرهابي مرة واحدة وبدون أي شروط أو مفاوضات، والعودة إلى الاتفاق النووي، أو على أمريكا والترويكا الأوروبية، أن تتحمل مسؤولية غطرستها وعنجهيتها.

قد يعجبك ايضا