حول النظام الانتخابي الأمريكي ولعبة تقاسم السلطة!

 

عبد العزيز البغدادي

بعض من يتعاملون مع السياسة – بافتراض حسن النوايا – يظنون أن دولة كالولايات المتحدة الأمريكية قامت أو يمكن أن تقوم على التخمين أو التنجيم أو السياسة العشوائية، الدول القوية أياً كان منهجها لا تقوم إلا بالتخطيط والعمل الجاد وبناء المؤسسات ، يستوي في ذلك الدول ذات السياسات الشريرة أو الخيرة والديكتاتورية والديمقراطية العدوانية والمسالمة ، وهذا لا يعني التقليل من أهمية المبادئ والقيم التي يجب أن تلتزم بها سياسات الدول وألا تحوّل المجتمع الدولي إلى مجتمع تحكمه شريعة الغاب كما هو حاصل  !، النوايا الحسنة وحدها لا تبني دولة ولا تحافظ على بقائها ، والتاريخ مليء بالأمثلة والعبر ، فكم من دول وإمبراطوريات تأسست على أخلاق وقيم معلنة ثم سقطت وانهارت، لأنها لم تهتم بالأسس العلمية التي يقوم عليها بنيان الدولة أو تهاونت مع المفسدين بحجة أن التسامح أقرب إلى شرع الله، مع أن الفساد هدمٌ لكل القيم والأخلاق  :
(وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
والعلم والأخلاق جناحي بناء أي دولة أو مؤسسة، وما الدولة إن لم تكن مؤسسة كبرى، وهل من العلم أو من الدين أو الأخلاق التهاون في القيام بالمسؤولية وترك الفاسدين يسرحون ويمرحون بحجة التسامح ؟؟!، تسامح الإنسان في حقه الشخصي ملكه وهو سلوك مقبول بل مستحب ويثاب عليه المتسامح، أما في الحقوق العامة التي يتحمل مسؤوليتها فالأمر مختلف تماماً، حيث يصبح المتسامح والمتهاون مقصراً في أداء ما عليه من مسؤولية ديناً وقانوناً وأخلاقاً وإن ظن غير ذلك أي بحسن نية ، هذا ما قرأناه في التاريخ وما نقرؤوه في واقع الدول، حيث رأينا ونرى دولاً تأسست على البطش والعنف وحده وكان لها صولة وجولة كالمغول الذين أسسوا إمبراطوريتهم على فلسفة العنف، والإمبراطورية العثمانية التي تأسست على القوة مع رفع شعارات الدين ثم انهارت كلاهما بتفاقم عوامل الانهيار من فساد وإهمال !،
ومن النماذج المعاصرة جمهورية الاتحاد السوفيتي الذي قام على القبضة الحديدية باسم البروليتاريا وفرض التوازن الدولي بين الشرق الشيوعي والاشتراكي الذي كان يمثله، والغرب الرأسمالي الذي كانت ولاتزال الولايات المتحدة الأمريكية تمثله، وهي الدولة القائمة على ما يمكن وصفه بقبضة الدولة العميقة معتمدة على التدخل والهيمنة على سياسات الدول التابعة لها بوسائل سرية وعلنية متخذة  من دعوى الحفاظ على حقوق الإنسان أساساً لبنيانها  الظاهر، ومهما كان حب الناس أو بُغضهم لهذه الدولة المارقة فإنها لا تزال تتحكم بكثير من سياسات الدول والكيانات وتستولي على كثير من ثرواتها، تارة باسم حماية حكامها وأخرى بذريعة حماية مصالح أمريكا.. ومن الأساليب التي اتبعتها صناعة الإرهاب ثم التدخل في شؤون الدول بدعوى محاربته وهو منهج رسمته الإدارة الأمريكية مؤسسياً وبدأت بالسير باصطناع أحداث 11/سبتمبر/2001 ؛ ومن عجائب هذه الدولة سعيها المستمر لفرض عقوبات على دول عربية وإسلامية بحجة تدخلها في شؤون المنطقة !!؛
دولة بهذا الحجم وهذا النفوذ لابد من دراسة نظامها السياسي والانتخابي ، وظاهر الحال أن هذا النظام  يستمد قوته من مساحة الصلاحيات الواسعة التي تمتلكها كل ولاية، فلكل منها قوانينها المستقلة تربطها بالإدارة الفيدرالية علاقة واضحة  مما يجعل معركة انتخاب الرئيس معركة يصعب تزويرها تزويراً مادياً لأن تنظيم الانتخابات وإعلان نتائجها والطعن فيها تنظيم مستقل وإن كان يصب  في محصلته النهائية في نظام موحد، لذلك فإن المعركة الانتخابية الأخيرة بين دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري وجو بايدن عن الحزب الديمقراطي كانت معركة جديرة بالدراسة والتأمل للتعرف على طبيعة النظام الانتخابي والسياسي الأمريكي والطريقة التي تُدار بها وأسباب كل هذا التأثير على العالم كي لا نبني توقعاتنا على الأحلام والخيال والتخمين ولعبة الحظ ولكي  نجد الأسلوب المناسب للتعامل مع هذه الدولة المُعادية لكل دول العالم الحريصة على التمسك بسيادتها.. وهل هذا النظام نظام فردي أو مؤسسي.. أي معرفة دور الفرد والمجتمع في صياغته وتأثير اللوبيات والمال وعصاباته عليه ! ؛
وبالدراسة والعلم نعرف أسباب وعوامل التأثير في سياسة هذه الدولة ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني  ، و أسباب اطمئنان هذا الكيان وعدم قلقه مهما كانت نتائج هذه الانتخابات وحجم التزوير المادي أو المعنوي لأن كلا المرشحين له وظيفة معلومة في دعم الكيان الصهيوني وما يسمى بأمن إسرائيل بالنسبة لهما، بل ذهبت بعض وسائل الإعلام الأمريكية إلى أنه يسمو على الأمن القومي الأمريكي أو أنهما شيئ واحد أما الدويلات والكيانات الخليجية وبعض الدول التي حولت تطبيع علاقة المحسوبين على العرب والعروبة  بالكيان الصهيوني  من السر إلى العلن وهي علاقة وجود وقد أثبتت الأيام أن الكيان الصهيوني هو من يدير هذه الكيانات، ولذلك ليس قلقاً من تسليم طائرات ال اف 35 لدولة الإمارات وكأنها  ستذهب إلى مخازنه !.
في وطن يكتفي بالأماني
تصبح فيه العيونُ ذيولاً
تصير القيود جسور الحياة
وتسألني الأغنيات عن الأغنيات !.

قد يعجبك ايضا