مملكة (القَشّ) وحصَاد أعواد الثقَاب!

 

عبدالمنان السنبلي

وهو يغادر من على متن الطراد الأمريكي (يو إس إس كوينسي) شَرَع في توزيع النظرات على أعضاء الوفد المرافق له والمصحوبات بابتساماتٍ لم تستطع أن تخفي وراءها ما كان يجيش بداخله من مشاعر الارتياح والاطمئنان كما لو كان للتّو قد حصل من على متن (سفينة الخلد) لمملكته على صك ضمانٍ أبديٍ لبقائها وديمومتها إلى ما لا نهاية.
لقد ظن عبدالعزيز بن سعود أنه بتوقيعه على اتفاقية الحماية وملحقاتها مع الرئيس الأمريكي (روزفلت) في الرابع عشر من فبراير 1945 قد وضع آخر اللبنات المكملة لصرح مملكته ولم يعد أمامه إلا أن يؤذن في (الأمريكيين) ليأتوا شركاتٍ وقواعدَ، ليشهدوا منافعَ لهم وليشربوا ماطاب لهم من النفط حيث شآءوا ذهباً أسود لا ينازعهم عليه أحد، فلا يقترب من مملكته أحد ولا يجرؤ على التآمر عليها أحد.
ويوم أن شعر بدنِّو الأجل جمع حوله صبيانه وأعطاهم خارطة طريقٍ تبدأ من واشنطن وتنتهي في واشنطن أيضاً، لن يضلوا بعدها أبداً إن هم تمسكوا بها! هكذا وصَّاهم.
لم يكن يعلم صاحبنا المؤسس أن قواعد اللعبة قد تتغير في أي لحظة وأن آدم في رحلة توقه إلى الخلد قد كُتِب عليه الفناءُ والخروج من الجنة – حين وثق بمن أوهمه بالخلد والبقاء، وأن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية.
تمسك الصبية بما وصّاهم به أبوهم، بل إنهم قد زادوا على ذلك وتعاهدوا فيما بينهم على أن يقتلوا كل من يحاول الخروج منهم أو من بني جلدتهم على طاعة البيت الأبيض، فقتلوا منهم فيصل وقبله الزعيم ناصر ولاحقاً صدام ومعمر وهاهم اليوم يتآمرون على الأسد الابن ونصرالله،… حناناً وبراً بسيد البيت الأبيض وإن كان جباراً شقيا.
لم يَدَعوا شقيقاً ولا صديقاً لهم في الجوار إلا وفرطوا به وخسروه حتى أنه لم يعد لهم حبيبٌ ولا نصيرٌ إلا من باع نفسه لهم إلى حين، وماذا تعنيهم أصلا أُخوَّة أو صداقة من بالجوار إذا كانوا لا يرون فيهم صمام أمانٍ لهم أو حصناً حصيناً وسوراً واقياً لأمنهم الوجودي والقومي طالما وأمر حمايتهم يقع على عاتق بلاد العم سام ؟!
هكذا يعتقدون دائماً.. لم يَعروا شعبهم وتوقه المشروع إلى الديمقراطية والانعتاق من قبضة الاستبداد أي اهتمامٍ يذكر، فشعبهم بالنسبة لهم ليس إلا قطيعٌ من النعاج المتخمة التي لا وظيفة لها سوى الخنوع والسمع والطاعة، ولماذا ينظرون أصلاً إلى مطالب قطيعٍ من المتخمين طالما وقد حصلوا على شهاداتٍ في الديمقراطية وحقوق الإنسان زوراً وبهتاناً من كبريات المعاهد المعنية في واشنطن ولندن وباريس حتى أنني لم أعد استبعد أن يمنح (سلمان) في لحظة من اللحظات جائزة نوبل للسلام كما مُنحها من قبل ابني عَميِّهِ (مناحيم بيجن) و(بيريز ) ؟! هكذا يظنون دائماً.
واليوم وقد وضعوا ثقل أمنهم الوجودي كله على عاتق الأمريكي وراهنوا على إبقائه بما تعهد لهم به الأولون من قبل، ها هي قواعد الاشتباك قد أخذت في التغيّر ولم يعد المدللون الصغار – وقد شاخوا – مدللين كما كانوا أو على الأقل بنفس الحظوة والزخم السابق بعد أن قضى الأمريكيون من عذرية أرضهم وما في بطنها وطراً كافيا ومن أثدائها رضعاتٍ وجرعاًتٍ مشبعاتٍ تغنيهم عما بقى وفَضُل وتجعلهم في حِلٍٍّ من تحمل تبعات وأعباء هؤلاء (العاهة) إلا أن يضاعفوا ويدفعوا أكثر وأكثر أو هكذا أومأ (ترامب) ذات خريف.
يا إلهي! ما هذا الغد القاتم المجهول الذي ينتظر مملكة (القش)ّ هذه وقد طفت على بحارٍ من الدم وأحاط بها الثأر من كل جانب وأوشكت قلوب أبنائها من الداخل على الانفجار غيضاً وغضباً وحقداً بفعل عنجهية واستبداد الصبية وصبية الصبية، وكذلك ظهور مؤشرات رغبةٍ أمريكيةٍ بالبدء بإشعال أعواد الثقاب إيذاناً بدنوّ أجل مملكة (القَشّ) هذه وسقوطها إلى الأبد.

قد يعجبك ايضا