إدارة التنمية.. أم تنمية الإدارة؟!

 

عصام حسين المطري
عندما نأتي لنلعن الظلام الدامس الذي نعيش فيه فإننا نتغابى ولا نستحضر – ذهنياً – أسباب هذا العيش المروع، بيد أننا ندرك بداهة أن في المسألة شيئاً ما، إلا أن الأمر يختلف جدا حينما نراهن على التنمية الشاملة وأثرها في نقلة نوعية ومتميزة إلى رحاب عهد جديد من البناء والإعمار الوطني الشامل، وحتما أنها نقلةً إلى النور تمكننا من أن نودِّع سنين وآماد الظلام الدامس الذي عكر معيشتنا وأقضّ مضاجع الكثيرين منا، وحرم الأمة لذة التمتع بالثروات والخيرات الطائلة.
وعندما نهيئ أنفسنا للولوج إلى عهد جديد، فإننا لا نميل إلى إطالة أمد تلك التهيئة ونحمِّل التنمية الشاملة مغبات الإخفاق والفشل الذريع في استجلاب حياة النور واستحضار الحياة الفارهة السعيدة بكل مقوماتها مودعين غصص العيش الظلامي وعبراته العديدة التي تهطل بكثرة بسبب آلام العيش من الجوع والحرمان وقلة ما في اليد وسكون الحركة والنشاط، والتفاعل السلبي مع الآخرين والمفضي إلى حياة العوز وترهل الحال مادياً ومعنويا في أحسن الظروف.
إننا أمام عقبة كؤود وحالٍ مزر ومتدن يعج بألوان المعاناة وأشكال المآسي، غير أننا لا نكترث ولا نلقى لذلك كله بالاً مع أنه يعد وبلا ريب الحال القاتم الذي لا نحسد عليه، ولا يتمناه أحد كونه كالموت حتما هادماً للذات ومفرقاً للجماعات، إلا أنه ومن الأحرى بنا أن نبذل مساع حثيثة من أجل تجاوز هذا الحال الرديء والانتقال إلى حياة العيش الأرغد.
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال اليقظة والصحوة والتطلع والطموح العارم والرغبة في التجاوز.
ومن هذا المنطلق صار بالإمكان التأكيد على أن بوابة هذا التجاوز هي التنمية بأم عينها، وهي في تعريفها الوظيفي تنص على أنها (تنمية الناس بالناس من أجل الناس)، فالتنمية مجال ووسيلة وغاية كما في التعريف إلا أن التنمية في أمس الحاجة إلى الإدارة تلك الإدارة التي تنتشلها من دياجير التخلف ودهاليز الفساد، وتوطن حالها على التنفيذ الإيجابي المتوافق من أجل الخطط والبرامج والرؤى الصائبة والسديدة.
إن أزمة الأمة اليوم هي أزمة إدارة ذلك لأنها ليست أزمة رؤى وخطط وبرامج بقدر ما هي كما ألمحنا أزمة إدارة، فإدارة التنمية لا يمكن أن تتأتى إلا عن طريق تنمية الإدارة، تلك التنمية الحديثة الموفقة والهادفة ،فتنمية الإدارة ليست بالأمر الصعب، حيث ينبغي أن يصاحب هذه التنمية العمل المؤسسي وإنعاش مؤسسات الدولة عن طريق الأخذ بالإدارة إلى مرافئ التحديث وفق أحدث الأساليب الإدارية في جوانب عدة من جوانب التأهيل والرقي بالإدارة، هذا فضلاً عن إعداد الجيل إعداداً سليماً يتماشى وتوجهات التنمية الإدارية من أجل أن يكون هنالك المدير الصالح الذي يحارب الفساد، أما إدارة التنمية فهي مرحلة أخرى متقدمة إذ يجب أن يتنامى للأذهان أن المطلوب في التنمية والإعمار الوطني الشامل تنمية الإدارة كونها مربط الفرس في العملية التنموية برمتها، فعلينا أن نبدأ بتنمية الإدارة عن طريق تأهيلها تأهيلا علمياً وعملياً ناهيك عن تخليصها من الفساد المالي والإداري، وكتابة الحضور الراقي للأمة بعيدا عن العيش في الظلام الدامس.. والله الموفق.

قد يعجبك ايضا