النظام الدولي والأصابع الأمريكية

أحمد يحيى الديلمي

 

للمرة الثانية تُقدم الأمم المتحدة على إجراء عبثي استفز اليمنيين وأثار مشاعر الغضب لديهم ، وامتدت نفس الحالة إلى من لديهم مشاعر إنسانية أو متعاطفين مع اليمن أو مشفقين عليه من الخارج ، لا أدري لماذا تتعمد هذه المؤسسة وأد أحلام وآمال أطفال اليمن المساكين من تنالهم ضربات الأعداء صباح مساء دون بواكي أو آلام أو حتى إحساس بالألم من قبل الآخرين إلا من رحم الله ؟!
فالموقف خلق حالة من التخبط واللغط والامتعاض والغضب الشديد لدى أصحاب النفوس الأبية حتى جاءت ردود الأفعال قوية في منصات التواصل الاجتماعي اتسمت بالرفض المطلق لحالة الترهل والانحدار الُمهين الذي وصل إليه النظام الدولي .
في هذا الصدد قال الصحفي العربي الموجود في أوروبا نبيل مصطفى لماذا هذه البشاعة والقسوة ضد أطفال اليمن ؟! هل لأنهم فقراء لا يملكون المال المطلوب لشراء ذمم من هم في قمة الهرم الدولي ؟! فموقف أمين عام الأمم المتحدة كان مخجلاً تجاه عظمة هذا الشعب صاحب أول وأعرق حضارة في التاريخ الإنساني ، شعب وصفه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمنبع الإيمان والحكمة وهذا ما يجعل الصفعة تطال كل عربي ومسلم وفي المقدمة أمراء الحرب من يتسلون بعبرات وأحزان النساء ، وتُمتعهم أشلاء الأطفال وهي تتطاير في الصباح والمساء لتعانق عنان السماء وتقبح وجه هذا العالم الذي فقد بوصلة التفكير وأصبح يبارك مثل هذه الضربات العدوانية الغادرة.
( نحن معكم أيها اليمنيين و الله وحده معكم ) أخترت هذه التغريدة من عدة تغريدات نددت بالموقف المخزي لـ”غوتريس” وتساءلت بمرارة من يحكم المنظمات الدولية ومن يتحكم في قراراتها؟! هل هو الأمين العام فعلاً أم أنه مجرد واجهة يصرح بما يُملى عليه؟! إنها حالة مزرية جداً تؤكد أن المسئولين في هذه المنظمة تجردوا من القيم والمشاعر الإنسانية وافتقدوا الإرادة السياسية وانقادوا بشكل مُهين لسطوة أمريكا التي تتعمد التغطية على مجرمي الحرب وقتلة الأطفال مقابل المال المدنس ، إنها مفارقة عجيبة تجعلنا نُكن ولو بعض الأحترام لـ”بانكيمون” المواطن الكوري الذي رأس المنظمة سابقاً ، فعندما أجُبر على اتخاذ نفس الموقف المهين وأعلن شطب النظام السعودي من قائمة العار احتفظ لنفسه ببعض المشاعر والثوابت القيمية وأفصح عنها بشجاعة وهو يكشف للعالم فداحة الضغوط التي مورست عليه وجعلته يتخذ ذلك الموقف المجرد من المشاعر الإنسانية ، وهذا يوضح لنا الفرق الكبير بين البيئة التي قدم منها “بانكيمون” والآخرى التي ينتمي إليها “غوتريس” رغم أن الأخيرة تتباهى بأعرق حضارة تتسم بالحداثة إلا أن من وفد منها انحاز إلى المصلحة بأفقها الانتهازي ، وراهن على الدعم الأمريكي والمال السعودي للظفر بولاية ثانية على حساب الدماء الزكية وأشلاء الأطفال الأبرياء ، وهو طابع استقطابي مخادع يُعبر عن قشور تلك الحضارة الزائفة ، ويكشف عما احدثته من تغيير جذري في أنماط التفكير والسلوك ، وفي ظله تكلست القيم وتخشبت المشاعر ، وهذا هو الطابع القيمي والأخلاقي التي تتباهي به أمريكا والغرب وتُمني دول العالم الثالث بنقله إليهم ، أنه سلوك مخز جداً لمسؤولي الأمم المتحدة يؤكد أن أمريكا احتلت موقع الوصاية والسيطرة التامة على هذه المؤسسة بعد أن استشرى الفساد في أروقتها ونخر في عظام العاملين بها ، ومعه تكرست فكرة توظيف المال لتصفية الحسابات مع الشعوب والدول المغلوبة على أمرها .
من هذه الخلفية تتجلى أمامنا صورة حقيقية عن بواعث العدوان الهجمي السافر على اليمن والإصرار على إطالة أمده ، وعدم الاهتمام بالمآسي الكارثية التي تترتب عليه ، وكل ذلك يرجع إلى المخطط الأول الذي أعلنت الحرب من حاضرة واشنطن ، وهي التي اليوم تفرض على الأمم المتحدة الانقياد السلبي لتنفيذ رغباتها خاصة في ما يتعلق بنظام العقوبات الذي تحول إلى وسيلة لسحق إرادة الشعوب وهي لا تباشر الفعل بنفسها لكنها تدفع بأصحاب الضمائر المعطوبة المخدوعين بقشور الحضارة الغربية من يرتدون المشالح والغُتر إلى الاستمرار في هذا العدوان الظالم على الشعب اليمني الذي يعتز بوجوده ويحاول الاحتفاظ بوجدانة الفكري وهويته الثقافية وكيانه السياسي المستقل ، وأمريكا بعظمتها وقوتها تحولت إلى مظلة لحماية المعتدين والتحكم في مسار الإرادة الدولية بهدف خلط الأوراق وفرض الإرادة الأمريكية على العالم ، من أجل ذلك تتعامل بمعايير مزدوجة تخلط بين فكرة السلام والحوار وبين تأجيج الحروب ومد المعتدين بأفتك أسلحة الدمار وتختزل الإرادة الدولية في قرارات هزيلة تضاعف المآسي وتعمق الجروح .
تبعاً لهذه الحقائق نشد على أيادي رجال الرجال من يتصدون للعدوان ويباشرونه إلى عقر داره ، ونقول لهم كل الآمال معقودة عليكم أيها الرجال بعد أن فقدنا الأمل في النظام الدولي الهزيل ، ومن غير المعقول والمقبول منطقياً وعدالةً مجرد الحديث عن حوار أو تفاهم مع دُمى بشرية لا تملك شيئاً من أمر نفسها ، الحقيقة أكثر من مرة لكن هل يعقلها أولئك الذين لا يزالون يراهنون على المجتمع الدولي وعلى أمريكا بالذات ولم يدركوا أنهم يراهنون على فراغ ، الأمل أن يتفهم هؤلاء الوضع .. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا