الشعار مشروع أمة وموقف واعٍ

 

محمد أحمد الشميري

إن أي توجه أو حركة أو تكتل يتشكل تكوينه وتكتله وفق أبجدياته ومن وحي أهدافه التي عليها ينطوي وحولها يتمحور، أما الشكل الخارجي فيكون عاكساً للهوية والمعتقد المتمثل في المعالم والدلائل والرموز والشعارات.
والشعار له مضمون واسع وهادفية كبيرة في حياة الأمم والشعوب لما يتمثل فيه من قيم يتبناها أصحابه ورافعوه؛ يجسدون فيه روح مبادئهم وأهدافهم، فيصاغ ليخدم الهدف المنشود بغية وصول تلك الأفكار، وتغلغلها لدى الجماهير، فالأذان شعار للدين وسنة للمسلمين، والنبي صلى الله عليه وآله يقول: «أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج».
والحركات والطوائف والقوى والتكتلات عبر التاريخ لا بد أن يبرز لكل منها شعار خاص بها وفق معطياتها وأهدافها وفاعليتها، ومن هذا المنطلق ترفع الهتافات، وتصمم شعارات الشركات والمؤسسات وأعلام الدول وغيرها من الشعارات الدينية والقومية والسياسية والتجارية كالعلامات التجارية الخاصة بالماركات والشركات المصنعة، وحتى العسكرية كالشارات والرتب، مع ملاحظة الفارق بين صدق الشعار مع مضمونه وتوجهه ودوره وفاعليته، وبين أن يكون بريقاً ملفتاً خاوياً من الفاعلية، أو موجهاً لغير هدفه ومحتواه.
الشعارات الماسونية
والماسونية لها رموز وشعارات كثيرة تكرس اليهودية بطرق مختلفة أبرزها وعلى رأسها (النجمة السداسية) وهي تمثل بزعمهم نجمة داوود التي تتكون من تقابل الزاوية والفرجار، ووضع أحدهما على الآخر، ثم (صورة الهيكل) يشيرون بها إلى هيكل سليمان عليه السلام، ويقصدون به هيكل القوة الخفية أي المكان الذي عقد المؤسسون الأُول جلساتهم في إحدى أقبيته، و(الحية النحاسية المثلثة الرأس) ويرمزون بها إلى هدم الرئاسة الدينية والمدنية والعسكرية، و(الشمعدان) وهو تذكار لشمعدان فقد من الهيكل، وهو شعار إسرائيل اليوم، وهو ما تم رسمه مؤخراً على الجدران التي عليها آثار المواجهة المسلحة في العاصمة اليمنية صنعاء!!
ومن تلك الشعارات الخاصة بالماسونية (الهلال) المتناقص الذي تكون صورته على شكل حرف”C” بالإنجليزية، ومن الهلال كونوا لهم شعار الـ ين يانغ Yin Yang وهو الهلال المنقوص والنجمة. فهو من شعاراتهم المشتركة. فـ (ين) تعني الهلال العرجون. ويمثل آلهة القمر (ديانا). و(يانغ) تعني النجمة، التي تمثل آلهة الحب فينوس.
وكان محفل (الهلال) التابع للشرق الأكبر العثماني، من أكبر المحافل الماسونية في لبنان. وسجل بعض أفراد هذا المحفل نشاطاً مشبوهاً في مجال الصحافة والإعلام، التي روجوا من خلالها أفكارهم بطرق ملتوية ومخادعة، ومنهم جورجي زيدان الذي أطلق على مجلته اسم (الهلال). مستغلاً ما يشاع بين الناس من أن الهلال رمز إسلامي، فاتخذ من الهلال المقلوب والمنقوص”C” شعاراً لمجلته. معبراً بهذا العمل عن معتقداته الماسونية.
ومن هنا نعرف منظمة (الهلال الأحمر) بانتهاجها الطريقة الماسونية من اتخاذها الهلال المعكوس شعاراً ورمزاً.
وعلى هذا سارت منظمة فرسان مالطا على النهج الماسوني، فوضعت الهلال المرسوم على شكل حرف “C” على علمها البحري، وهي المنظمة المعروفة بعدائها القديم للإسلام والمسلمين، والتي كانت تمارس أبشع أنواع القرصنة البحرية ضد السفن الإسلامية، وتشن أشرس الغارات على السواحل العربية الواقعة شمال أفريقيا.
ومن العجب العجاب. والمفارقات التاريخية التي تبعث على الدهشة والاستياء أن نرى معظم الدول الإسلامية تضع الهلال المعكوس أو المقلوب على أعلامها الوطنية ومن أمثلة ذلك العلم التركي الذي كان يمثل علم الدولة العثمانية، والشاهد على تغلغل الماسونية في الامبراطورية العثمانية انخراط سلطانها (مراد الخامس) في المسلك الماسوني وهو الشقيق الأكبر للسلطان (عبد الحميد الثاني).
وهذا ما يستدعي التوقف وإعادة النظر من قِبل الدول الإسلامية في تصاميم أعلامها الوطنية.
الشعارات في التاريخ
واسترسلت في شعار الماسونية وانتشاره للمقارنة بين ترسيخهم لشعاراتهم ونشرهم لها انطلاقاً من الغاية الكبيرة والشعار العام أنهم (شعب الله المختار)، وبين انحسار وتقاعس المسلمين عن دورهم في الاعتزاز بشعاراتهم ناهيك عن تعميمها ونشرها بل عجزهم عن الالتفاف حول شعار بارز يجمعهم ويوضح هويتهم وثقافتهم، وإلا فالشعارات كثيرة في التاريخ كشعار إسرائيل (شعب الله المختار)، وكشعار هتلر (ألمانيا فوق الجميع) وكـ(الصليب) عند المسيحيين، و(عجلة الحق) عند البوذيين، و(نجمة داوود) عند اليهود، و(طول اللحية وقصر الثوب) عند بعض الطوائف المتطرفة، و(لا حكم إلا لله) عند الخوارج، و(لا إله والحياة مادة) عند الماديين، و(لنا عزى ولا عزى لكم) عند المشركين في غزوة أحد.
وفي المقابل لدى المسلمين وفي تراثهم الإسلامي والعربي (الله مولانا ولا مولى لكم) شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة أحد رداً على المشركين، و(يا منصور أمت) شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو نفس الشعار الذي هتف به الإمام زيد بن علي عليه السلام، وكالشعار الذي هتف به عمر المختار (نحن شعب نموت أو ننتصر)، وشعار علي بن الحسين عليه السلام الذي رفعه في وجه ابن زياد (أبالموت تهدنني يا ابن زياد، فإن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة)، وشعار التوابين (يا لثارات الحسين)، وشعار الإمام الحسين بن علي عليه السلام المدوي والخالد: (إني لا أرى الموت إلا سعادة)، و(هيهات منا الذلة) وعلى هذا النهج وهذا السبيل كان وسار أئمة أهل البيت عليهم السلام آخرهم الإمام الخميني، ثم السيد العظيم الحسين بن بدر الدين الحوثي.
الواقع الذي انطلقت فيه الصرخة
ففي ذلك الوقت الذي ساد فيه السكوت واستشرى الاستبداد، وعم الخنوع، وطغت الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وانخدع الكثير بحيل اليهود ومكرهم، وبعد انهيار البرج في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر تحديداً، أدرك السيد رضوان الله عليه المشروع الأمريكي الجديد، وفي 17 يناير 2002، في مدرسة الإمام الهادي عليه السلام بخميس مران من خلال محاضرة (الصرخة في وجه المستكبرين) بدأ بقراءة الأحداث آنذاك بقوله: «فلنتحدث جميعاً، بدل أن نتحدث كمجموعات في بيوتنا في جلسات القات، فتنطلق التحاليل الخاطئة والمغلوطة، وينطلق التأييد والرفض المغلوط في أكثره، داخل هذه المجموعة وتلك المجموعة وتلك المجموعة من المخزنين في مجالس القات، وبدل أن نتحدث كمجاميع هكذا مفرقة في البيوت حديثاً أجوف، تحليلاً لمجرد التحليل، وأخبار لمجرد الفضول»
منوهاً إلى خطورة التحليل اللامسؤول: «فتكون النتيجة هي أن يهلك الناس أنفسهم، تكون النتيجة هي أن يخرج هذا أو ذاك من ذلك المجلس، أو من ذلك المجلس في هذه القرية أو تلك القرية ولا يدري بأنه قد تحول إلى كافر أو يهودي أو نصراني من حيث يشعر أو لا يشعر، وبالطبع من حيث لا يشعر»
ويلفت انتباه الناس إلى أننا المعنيون في كل ما يحدث: «نحن المسلمين، نحن المستهدفون. ومع هذا نبدو وكأننا غير مستعدين أن نفهم، غير مستعدين أن نصحوا، بل يبدو غريباً علينا الحديث عن هذه الأحداث، وكأنها أحداث لا تعنينا، أو كأنها أحداث جديدة لم تطرق أخبارها مسامعنا، أو كأنها أحداث وليدة يومها» موضحاً أن اليهود بخبثهم استطاعوا أن يصرفوا أنظارنا عن خططهم التي تستهدفنا: «إن دل هذا على شيء فإنما يدل على ماذا؟ يدل على خبث شديد لدى اليهود، أن يتحركوا عشرات السنين عشرات السنين، ونحن بعد لم نعرف ماذا يعملون. أن يتحركوا لضربنا عاماً بعد عام، ضرب نفوسنا من داخلها، ضرب الأمة من داخلها، ثم لا نعلم من هم المستهدفون».
وفي ذكرى الصرخة لهذا العام تحدث السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله عن جوانب الهجمة الأمريكية الشاملة التي تستهدف الأمة وأن الشعار: «موقف طبيعي وسليم هو مشروع في ظرف حساس ومرحلة خطيرة يتوجب على الأمة فيها اليقظة والوعي والتحرك الجاد والتحمل للمسؤولية في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة وغير المسبوقة حيث دخلت المنطقة منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرحلة جديد سعت فيها أمريكا ومعها إسرائيل ومن يتحالفون معها إلى السيطرة الشاملة والتامة على أمتنا الإسلامية إنساناً أرضًا ومقدراتٍ وموقعاً جغرافياً، وبدافع استعماري وبدافع أيضاً عدائي وليس فقط بهدف السيطرة على ما في هذه المنطقة من موارد اقتصادية، هناك عداء لهذه الأمة وهو دافع إضافي إلى باقي الأطماع دافع إضافي لاستهداف هذه الأمة والسعي للسيطرة الشاملة عليها، والتحرك الأمريكي والإسرائيلي في اتجاه السيطرة على الأمة ليس فقط تحركا عسكريا، بل هو استهداف شامل اتجه ليس فقط لاحتلال الأرض وإنما لاحتلال النفوس والسيطرة على الإنسان في فكره وثقافته ورأيه والسيطرة على هذا الإنسان في مسارات حياته وفي وضعه بشكل كامل، السيطرة على الوضع السياسي في منطقتنا والسيطرة اقتصادياً والسيطرة إعلامياً والسيطرة في كل المجالات وفي كل الاتجاهات وسيطرة معادية ليست سيطرة بهدف إرادة الخير لهذه الأمة والسعي لما فيه مصلحة هذه الأمة، إنما هي سيطرة العدو على عدوه وعدوٌ في نفس الوقت حاقد ومستكبر ومجرد من كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، عدوٌ يسعى إلى السيطرة العسكرية بشكل تام وأن تتحول منطقتنا هذه التي تحتل وتتبوأ موقعا جغرافيا مهماً على مستوى العالم أن تكون أهم المناطق فيها وأهم المواقع فيها قواعد عسكرية يجعل فيها جنوده ويسيطر من خلال ذلك سيطرة تامة».
ثم فصَّل السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله هذه الجوانب التي تسعى الهيمنة الأمريكية إلى السيطرة عليها: «يسعى على المستوى السياسي إلى السيطرة الشاملة علينا كأمة إسلامية في هذه المنطقة العربية بالدرجة الأولى وفي سائر العالم الإسلامي وليس ليهتم بنا على الوضع السياسي حينما يتحكم بواقعنا السياسي يعمل على هندسة هذا الواقع بكل ما يضمن له السيطرة التامة علينا الانتقام منا كأمة مسلمة والإذلال لنا والتصميم والهندسة لواقعنا السياسي فيما يضمن لهُ إضعافنا والوصول بنا إلى حافة الانهيار، كيف يهندس واقعنا السياسي يصنع واقعًا سياسيا مأزومًا مليئًا بالمشاكل غارقاً في النزاعات تعيش القوى فيه والمكونات حالة من التباين الشديد والتنازع على كل المسائل والأمور والخلافات الساخنة والأزمات المعقدة حتى نتحول إلى أمة مأزومة تعيش دائما المشاكل المتفاقمة في واقعها السياسي حتى لا تتمكن أبدا أن تنهض ولا أن تبني نفسها ووقعها، يشجع الانقسامات يغذي المشاكل يعمل على اختلاق المزيد منها يوسع دائرة الانقسامات تحت كل العناوين يشجع على الصراعات ويتجه لبعثرة هذه الأمة وتفكيكها على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي يسعى إلى السيطرة التامة على الإعلام على المدارس والجامعات في مناهجها يسعى إلى السيطرة حتى على الخطاب الديني.
في الجانب الإعلامي يسعى إلى أن يسيطر على كل النشاط الإعلامي في داخل الأمة على الإعلاميين أنفسهم في أداهم الإعلامي فيتحول يتحولون إلى أقلام فيما يكتبون تخط له كل ما يخدمه، كل ما يبرر له مواقفه وسياساته ومساراته العملية، كل ما يساعده على استغلال الأمة وعلى تدجين الأمة وعلى السيطرة على الأمة، كل ما يتوافق مع كل خطوة يخطوها لضرب هذه الأمة، كل ما يضلل هذه الأمة ويغطي على الحقائق ويزيف على الوقائع على مستوى الإعلاميين في نشاطهم الإعلامي في التحليلات في المقالات في الطرح الإعلامي في كل البرامج والأنشطة الإعلامية أن يتحول إعلاميو هذه الأمة إلى أبواق ينفخ فيها فتكون صوتًا له تتكلم بما يخدمه، يما يخدع الرأي العام، بما يصنع رؤية مغلوطة في أوساط الأمة ونظرة خاطئة وغبية تجاه كل تحركات هذا العدو، بما يقلب الحقائق التي هي حقائق كبيرة وحقائق مهمة والخداع فيها والتضليل فيها لهُ تداعيات كبيرة في مواقف الأمة، كل ما يساعده على تكبيل هذه الأمة والانحراف بها عن مساراتها الصحيحة في مواقفها ومشاريعها العملية واهتماماتها فيدجنها له ويخضعها له في المدارس في المناهج على مستوى المناهج المدرسية والجامعية وعلى مستوى أيضا ما يحمله المدرسون من آراء وأفكار وما يقدمونه للتلاميذ والطلاب التضليل للمدرسين والتأثير عليهم والسعي لأن يحملوا آراء خاطئة وثقافات مغلوطة ومفاهيم سلبية كلها تسهم في سيطرة الأمريكي على منطقتنا وفي خدمة الإسرائيلي وفي صالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية، والاتجاه أيضا إلى الطلاب كذلك لتنشئتهم على مفاهيم ترسخ فيهم الولاء بإخلاص لأمريكا والنظرة بإيجابية إلى العدو الإسرائيلي نظرة خاطئة نظرة مغلوطة والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يصنع وعيا ونورا لهذه الأمة وفهما صحيحا لهذه الأمة تجاه واقعها وتجاه أعدائها.
على مستوى الخطاب الديني يسعى العدو إلى السيطرة عليه فتكون هناك أقلام وكتابات وأيضاً هناك أنشطة لعلماء سوء من علماء السلاطين من علماء البلاط من علماء الضلال الذين يعملون لصالح العدو، تصدر فتاوى تدجن هذه الأمة لأعدائها ولعملائهم تسعى أيضًا بالدفع في الأمة إلى كل ما يتوافق مع نفس السياسات الأمريكية والإسرائيلية في العداء في الموقف في التصرفات في تبرير السياسات والمواقف كما نشاهده اليوم في هيئة كبار علماء السعودية في مفتيها وهو يسطر كل فترة الفتوى التي تناسب السلطة العملية لأمريكا والتي تبرر الموقف الذي يتجه في نفس السياق الذي رسمته أمريكا وأرادته إسرائيل، وهكذا سعي للسيطرة الشاملة وهذه السيطرة تهدف أيضًا وبشكل رئيسي إلى انتزاع كل عناصر القوة وكل ما يساهم في بناء هذه الأمة لتواجه هذا العدو
السيطرة على المستوى الاقتصادي حتى تتحول كل ثروات وإمكانات هذه الأمة وبالذات المواد الخام، سواءً البترول أو غيره من المواد الخام في منطقتنا تتحول لصالح العدو ونتحول نحن في واقعنا الاقتصادي إلى مجرد سوق استهلاكية وأمة تستهلك ولا تنتج ولا تبني لها اقتصادًا حقيقيًا، أمة عطلت في داخلها الإنتاج والاستغلال والاستفادة من خيراتها وثرواتها، فثرواتها كمواد خام تتجه لصالح العدو يستغلها هو يستفيد منها ويصدر إلينا بعضا منها كسلع ندفع له قيمتها بثمن باهض جدا ومع ذلك نعيش حالة دائمة من الأزمة الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية والمحنة الاقتصادية التي تجعل منا أمة فقيرة ومعانية وبائسة وشقية وأمة تعيش الكثير والكثير من المشاكل والأزمات تفرض عليها سياسات اقتصادية تعتمد على الربا تعتمد على الاستيراد بشكل تام وتعطيل الإنتاج والبناء الاقتصادي تعتمد على سياسات إدارية خاطئة جدا ينتج عن ذلك بطالة بشكل واسع ومتفشٍ وحالة من الضياع بشكل كبير والبؤس والعناء الشديد الذي يساهم في نشوء مشاكل اجتماعية ومشاكل اقتصادية وبيع للضمير وبيع للأخلاق وبيع للوفاء وبيع للولاءات وبيع للمواقف وارتهان وخنوع لصالح الأعداء.
وهكذا في كل المجالات وفي كل الاتجاهات سعي لسيطرة شاملة في كل واقع حياتنا وفي كل مسارات عملنا ونشاطنا في هذه الحياة أراد لنا الأمريكي والإسرائيلي أن نكون نحن وكل ما بأيدينا وكل ما نسعى له في هذه الحياة لهُ تحت سيطرتهم تحت تحكمهم وأن يكونوا هم المتحكمين في كل شؤون حياتنا وفي كل مسارات أعمالنا نفعل ما يريدون منا أن نفعل نقف الموقف في الموقف الذي يريدون لنا أن نقفه نوالي من يريدون لنا أن نوالي ونعادي من يريدون منا أن نعادي.
وما مؤدى هذه الحالة إذا قبلنا بها وإذا سلمنا أمرنا لهم وقبلنا بالخضوع لهم والاستسلام لهم ومكناهم من السيطرة التامة علينا وقررنا أن نسير في كل شؤون حياتنا على حسب ما يريدون وما يفرضون وما يقررون هل المسألة سهلة؟ لا، مؤدى هذا كارثي علينا وخسارة بكل ما تعنيه الكلمة خسارة في الدنيا وخسارة في الآخرة وخسارة فضيعة وقبيحة وشنيعة».
الذريعة التي استندت إليها أمريكا في احتلالها البلدان العربية
وخلال وضعه الاستراتيجية العامة لمشروعه، لا يغفل أن ينبه إلى الذريعة المهمة والمحورية التي استندت إليها أمريكا لتتحرك في البلدان العربية من خلالها: «أنتم جميعاً، أبناءْ الشعب هذا كله ممكن أن يكونوا إرهابيين في نظر أمريكا، وستكون أنت إرهابي داخل بيتك؛ لأنه لا يزال في بيتك كتاب إرهابي هو القرآن الكريم، لا زال في بيتك – أنت أيها الزيدي – كتب هي – من وجهة نظر أمريكا – في بداية وفي أول قائمة الكتب الإرهابية، كتب أهل البيت».
ويستبعد السيد حسين رضوان الله عليه استهداف الوهابيين: «ليس فقط الوهابيون هم الضحية، ليسوا هم المستهدفين فعلاً، زعماؤهم لن يتعرضوا لسوء – هذا ما أعتقد – وكلها تمثيليات».
ويحدد الإرهاب الحقيقي فيقول: «الإرهابيون الحقيقيون هم الوهابيون يوم كانوا يفرقون كلمة الناس، يوم كانوا ينطلقون داخل هذا المسجد وتلك القرية، وهذه المدرسة وذلك المعهد؛ ليثيروا في أوساط الناس العداوة والبغضاء ضد بعضهم بعضاً؛ ويثقفوا أبناء المسلمين بالعقائد الباطلة التي جعلت الأمة ضحية طول تاريخها وأصبحت اليوم بسببها تحت أقدام اليهود والنصارى، هم إرهابيون فعلاً عندما كانوا يعملون هذه الأعمال ضدنا نحن أبناء الإسلام».
وفي هذا السياق يشير إلى مبدأ رفيع، وقيمة عظيمة بمثالية عالية: «ولكن على الرغم من هذا كله هل تعتقدون بأننا نؤيد أن يُمسكوا؟. نحن لا نؤيد أن يمسك يمني واحد تحت أي اسم كان، سواء كان وهابياً شافعياً حنبلياً زيدياً كيفما كان، نحن نرفض، نحن ندين ونستنكر أن يُمسك تحت عنوان أنه إرهابي ضد أمريكا، وحتى [الزنداني] نفسه وهو من نكرهه، نحن لا نؤيد أن يمسك تحت عنوان أنه إرهابي ضد أمريكا».
الهيمنة الأجنبية على البلدان العربية
والسيد عبد الملك في خطابه بمناسبة ذكرى الصرخة في ديسمبر عام 2016 بدأ باستعراض واقع الهيمنة الأجنبية الماثلة أمامنا والتي نعاني منها حتى اليوم، المتمثلة فيما يلي:
1ـ الاستهداف الكبير والشامل.
2ـ هيمنة مذلة ومهينة، أنتجت إضعافاً وإذلالاً وإهانة وقهراً واستعباداً.
3ـ استحكام وتحكم وتدخل غير مسبوق في شؤون الأمة
4ـ فَقْد الأمة استقلالها، وخسارتها لكرامتها وهويتها.
5ـ استهداف العدو للقيم والأخلاق.
6ـ استهداف الإنسان والأرض والثروة والمقدرات.
التعاطي مع الواقع على أساس أننا طرفٌ في كل ما يحدث
والسيد حسين رضوان الله عليه عندما أكد التعاطي مع الأحداث وتحليلها بروحية مسؤولة أكد أيضًا على استشعار المسؤولية والتعاطي مع الواقع على أساس أننا طرف في كل ما يحدث: «نتحدث بروحية من يفهم أنه طرف في هذا الصراع ومستهدف فيه شاء أم أبى، بروحية من يفهم بأنه وإن تنصّل عن المسئولية هنا فلا يستطيع أن يتنصّل عنها يوم يقف بين يدي الله»
وكرر استشعار المسؤولية أمام الله أكثر من مرة: «هل نحن فعلاً نحس داخل أنفسنا بمسئولية أمام الله أمام ما يحدث؟ هل نحن فعلاً نحس بأننا مستهدفون أمام ما يحدث على أيدي اليهود ومن يدور في فلكهم من النصارى وغيرهم؟»
ولعل واقع الأمة حينها أوصله إلى استنكار عدم استشعار المسؤولية بقوله: «فكيف ترى بأنه ليس بإمكانك أن تعمل، أو ترى بأنك بمعزل عن هذا العالم، وأنك لست مستهدف، أو ترى بأنك لست مُستذَل، ممن هو واحد من الأذلاء، واحد من المستضعفين، واحد من المُهانين على أيدي اليهود والنصارى، كيف ترى بأنك لست مسئولاً أمام الله، ولا أمام الأمة التي أنت واحد منها، ولا أمام هذا الدين الذي أنت آمنت به؟!».
انطلاق الصرخة من واقع المعاناة، في إطار اتخاذ موقف وفق رؤية عملية
والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله وضح في ذكرى الصرخة عام 2016 أن هذا المشروع القرآني انطلق من واقع المعاناة: «لقد انطلق هذا المشروع القرآني من واقعٍ معروفٍ، واقعِ المعاناة، فهو مشروع أصيل لم يأتِ كترفٍ فكريٍ أو عملٍ هامشيٍ أو خطوةٍ ليس هناك حاجةٌ إليها، لا.».
وأكد أننا «في مرحلة الأمة بحاجة إلى موقف، لا بد للناس من موقف، البديل عن الموقف ما هو؟ حالة اللاموقف تعني الاستسلام، تعني الصمت، تعني الخضوع، تعني أن نترك المجال لصالح الأعداء ليعملوا هم كل ما يشاؤون ويريدون، يعني إفراغ الساحة من أي مشروعٍ يناهض مؤامراتهم ومكائدهم)».
ويؤكد السيد عبد الملك أنه ليس أي موقف: ((كان لابد لنا من موقف، وموقفٍ واعٍ ينطلق بوعيٍ ويتحرك بوعيٍ)) وأوضح أنه موقف متمثل في مشروع عملي: ((يتحتم أن يكون هناك مشروع عملي واعٍ ينطلق على أساس من الوعي وهادف ويصب في مصلحة الأمة، ويعالج الحالة الداخلية للأمة فيما يزيدها وعياً وبصيرة نافذة وإدراك للأمور، وفهماً صحيحًا وتقييمًا صحيحاً للواقع)).
وهذا ما أشار إليه الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حيث أشار إلى أهمية اتخاذ موقف وفق رؤية عملية: «نتحدث بروح عملية، بروح مسئولة، نخرج برؤية واحدة بموقف واحد، بنظرة واحدة بوعي واحد، هذا هو ما تفقده الأمة».
وفي خطاب السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير في ذكرى الصرخة لهذا العام قال: «هذه الصرخة التي أطلقها رضوان الله عليه كشعارٍ لمسيرة قرآنية وكعنوان لمشروع عملي لتصحيح واقع الأمة والنهوض بها لمواجهة التحديات والأخطار المصيرية وكخطوة عملية حكيمة وفعالة لتحصين المجتمع المسلم من التطويع والتدجين لأعدائه المستكبرين وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل ولحماية المجتمع المسلم من الانحراف بهِ في ولاءاته وعداواته لصالح أعدائه، وهتاف البراءة أيضًا موقف فعال في إفشال كثير من الخطوات المعادية الرامية إلى اختراق الأمة من الداخل لهدف إفسادها وتضليلها واستغلالها».
دوافع المشروع القرآني
وأشار السيد عبد الملك في خطابه في ديسمبر عام 2016 بذكرى الصرخة إلى دوافع المشروع القرآني وبواعثه، وحصرها في دافعين رئيسيين:
1ـمنطلق المسؤولية الدينية
2ـ الهيمنة الأمريكية التي أنتجت حالة الخنوع والذل والعار
وهذان الدافعان أوضحهما الشهيد القائد رضوان الله عليه في ملزمة الصرخة واستشهد السيد عبد الملك به في بداية خطابه وأكد بقوله: ((وانطلق معه المشروع القرآني العظيم والمهم من واقع الشعور بالمسؤولية أمام الله، وفي واقع سيئ ومرير ومخزٍ ومهين تعيشه أمتنا الإسلامية في المنطقة العربية والعالم عموماً)).
ويتجلى ذلك في حديث الشهيد القائد سلام الله عليه عندما قال: «عندما نتحدث أيضاً هو لنعرف حقيقة أننا أمام واقع لا نخلو فيه من حالتين، كل منهما تفرض علينا أن يكون لنا موقف. نحن أمام وضعية مَهِيْنة: ذل، وخزي، وعار، استضعاف، إهانة، إذلال، نحن تحت رحمة اليهود والنصارى، نحن كعرب كمسلمين أصبحنا فعلاً تحت أقدام إسرائيل، تحت أقدام اليهود، هل هذه تكفي إن كنا لا نزال عرباً، إن كنا لا نزال نحمل القرآن ونؤمن بالله وبكتابه وبرسوله وباليوم الآخر لتدفعنا إلى أن يكون لنا موقف.
الحالة الثانية: هي ما يفرضه علينا ديننا، ما يفرضه علينا كتابنا القرآن الكريم من أنه لا بد أن يكون لنا موقف من منطلق الشعور بالمسئولية أمام الله سبحانه وتعالى. نحن لو رضينا – أو أوصلنا الآخرون إلى أن نرضى – بأن نقبل هذه الوضعية التي نحن عليها كمسلمين، أن نرضى بالذل أن نرضى بالقهر، أن نرضى بالضَّعَة، أن نرضى بأن نعيش في هذا العالم على فتات الآخرين وبقايا موائد الآخرين، لكن هل يرضى الله لنا عندما نقف بين يديه السكوت؟ من منطلق أننا رضينا وقبلنا ولا إشكال فيما نحن فيه سنصبر وسنقبل».
أهداف المشروع القرآني
أما عن أهداف هذا المشروع المقدس فيقول السيد عبد الملك الحوثي في خطابه بمناسبة ذكرى الصرخة عام 2016: «انطلق هذا الهتاف هتاف الحرية والعزة والإباء ليحقق جملة من الأهداف»
ويحدد السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله تلك الأهداف فيما يلي:
1ـ «ليحطم جدار الصمت وليخرج الأمة من حالة السكوت إلى الموقف من حالة اللاموقف إلى الموقف، وأن تعبر عن حالة سخطها وعدائها لأولئك الظالمين والعابثين والمستكبرين في الأرض».
2ـ «يعبر عن حالة سخط يجب أن تسود الأمة لا ينبغي أبدًا أن يحل محل هذا السخط حالة رضاء؛ لأن حالة الرضاء تلك هي التي ستمهد لأن تقبل الأمة بهيمنة أولئك وباحتلالهم للبلدان وسيطرتهم على المقدرات».
3ـ «سيكون حافزًا مهمًا لأن تتحرك الأمة في بناء واقعها الداخلي؛ لأن واقع الأمة ليس قائمًا على أساس أنها أمة تعيش في مواجهة أخطار وتحديات، ولها أعداء بهذا المستوى بهذا الخبث بهذا المكر، وتعيش حالة من الاستهداف الكبير، بالتالي هي تعيش حالة التدجين وحالة الخضوع وهذه الحالة عطلت واقع الأمة من التوجه إلى عوامل البناء إلى عوامل القوة؛ لأن الأمة التي تعيش حالة الإدراك والإحساس بالخطر وبأن لها أعداء يستهدفونها ، هذا الإحساس وهذا الشعور يدفعها إلى أن تبحث عن عوامل القوة لتبني نفسها لتكون قوية فتتمكن من دفع الأخطار ومواجهة التحديات».
4ـ «يقدم ثقافة ويعالج حالة، إنها يرسخ فينا الثقة بالله والاعتماد على الله وإيماننا بأن الله هو الأكبر في هذا الوجود بكله، هو خالق هذا الوجود سبحانه وتعالى، وهو المهيمن والعظيم والمقتدر، وحينما نثق به ونعتمد عليه يمكننا أن نتحرك في واقع الحياة وفي مواجهة هذا التحدي بمعونته وبنصره وبتأييده وأن نسترشد بهديه العظيم والحكيم والمنير فنستبصر في واقعنا مهما كانت عتمة الظلمات».
5ـ «يعطينا رؤية صحيحة تجاه العدو، ويشخص هذا العدو من هو بالتحديد أين هو مصدر الخطر؟ أين هو منبع الخطورة على أمتنا ؟».
6ـ «يحصننا من حالة التلبيس والتضليل التي تخدم أولئك إلى حد كبير، اليوم هناك عمل كبير في داخل الأمة يحاول أن يحول بوصلة العداء في غير الاتجاه الصحيح يحولها في داخل الأمة، عندما ننظر في واقعنا كمسلمين في هذه المرحلة ييأس الإنسان ويتألم كيف تتحرك أعداد كبيرة الآلاف من الناس فيما يخدم أمريكا وإسرائيل خدمة مباشرة، فيما يحقق لأولئك أهدافهم وما يرومونه، هذا اختراق كبير في واقع الأمة وتحرك للأسف الشديد محسوب على الإسلام، من التكفيريين والقاعدة والدواعش الذين هم بمجملهم صناعة للاستخبارات الأمريكية؛ لأنهم لو كانوا صادقين لو كانوا مخلصين، لو كانوا فعلا ضمن مشروع مستقل وهم على هذا المستوى والقدرة من التحرك في المنطقة عموماً لكانوا تحركوا في فلسطين، أين هو موقفهم من العدوان الإسرائيلي ؟ بما أن لديهم هذه القدرة والإمكانية من الدخول حتى إلى البلدان المجاورة لفلسطين بما فيها سوريا، لماذا لا يقفون الموقف المشرف والمسؤول تجاه العدوان الإسرائيلي حتى في هذه الأيام».
العوائق التي توقَّع حدوثها الشهيد القائد
ويتعمق الشهيد القائد سلام الله عليه في استعراض العوائق التي توقع حدوثها، حتى على مستوى الشعور النفسي لدى الناس، فيتحدث سابراً أغوار النفوس البشرية ومستعرضاً الحالة النفسية للكثير من الناس، مركزاً على تأثيرات تلك الحالة النفسية الهزيلة، فيدخل إلى النفوس لعرض ما تشعر به فيقول: «من هو الذي تشعر بأنك تخاف منه؟ عندما تتحدث عن أمريكا، عندما تتحدث عن إسرائيل، عندما تلعن اليهود والنصارى. إذا شعرنا في أعماق أنفسنا بأننا نخاف الدولة فإننا نشهد في أعماق أنفسنا على أن هؤلاء هم ماذا؟ هم أولياء لليهود والنصارى، أي دولة كانت يحدث في نفسك خوف منها فإنك في قرارة نفسك تشهد بأن تلك الدولة هي من أولياء اليهود والنصارى. هذه واحدة. وإلا ما الذي يمكن أن يخيفني من جانبهم إذا ما تحدثت عن أمريكا وإسرائيل وعن اليهود والنصارى؟؟»
ويستمر في ذلك وكأنه يستعرض العوائق التي يمكن أن تعيق المشروع العظيم، ويفندها بحجة ومنطق: «ليس من مصلحتكم أن تظهروا للناس بأنهم يخافونكم إذا ما تحدثوا عن اليهود والنصارى، وتحدثوا عن أمريكا وإسرائيل؛ لأنكم وإن قلتم ما قلتم، وإن صنعتم ما صنعتم من مبررات فإن القرآن علمنا أنها ليست بشيء، أنها ليست واقعية»
مستنداً في ذلك على: «القرآن الكريم قال لنا: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}»
ويوجه السيد حسين رضوان الله عليه حينها النصح للسلطة بعدم التصدي لهذا المشروع القرآني العظيم، فيقول: «من مصلحتكم أن لا تعززوا تلك الحقيقة في أعماق النفوس من أننا نخاف منكم إذا ما تحدثنا عن اليهود والنصارى، إن أعماق النفوس هو مكمن الحقائق، ففي أعماق النفوس تكون بذرات السَّخط، تكون هناك بذور الحرية، تكون هناك بذور الصرخات التي تسمعونها في وجوه أوليائكم, وفي وجوهكم إذا ما تحركتم لتبرهنوا على أنكم فعلاً كما شعر الناس أمامكم بأنهم يخافون منكم؛ فتعززون في أعماق نفوسهم هذه الحقيقة، التي ليس من صالحكم أن تفهموا الناس بأنها حقيقة، دعوها، ومن مصلحتكم أن تدعوها وهماً، وأن تكون وهماً في نفوس الناس، ليس من مصلحتكم أن يكون من جانبكم أي تحرك، أي حدث لتعززوا هذه الحقيقة في النفوس»
ضرورة العمل في مواجهة الاستكبار العالمي
وقبل أن يضع الآلية التنفيذية لمشروعه يشدد على ضرورة العمل في مواجهة الاستكبار العالمي: «عندما نتحدث، ونذكر الأحداث وما يحصل في هذا العالم وما يحدث، ووصلنا إلى وعي بأنه فعلاً يجب أن يكون لنا موقف، فما أكثر من يقول: ماذا نعمل؟ ماذا نعمل؟ وماذا بإمكاننا أن نعمل؟ أليس الناس يقولون هكذا؟ هذه وحدها تدل على أننا بحاجة إلى أن نعرف الحقائق الكثيرة عما يعمله اليهود وأولياء اليهود، حتى تلمس فعلاً بأن الساحة، بأن الميدان مفتوح أمامك لأعمال كثيرة جداً جداً جداً»
معتبراً مجالات العمل كثيرة: «الميدان ليس مقفلاً، ليس مقفلاً أمام المسلمين، أعمال اليهود والنصارى كثيرة، ومجالات واسعة، واسعة جداً، وهم يحسون بخطورة تحركك في أي مجال من المجالات لتضرب عملهم الفلاني، أو تؤثر على مكانتهم بصورة عامة، أو لتؤثر على ما يريدون أن يكون سائداً، لِحافٌ على العيون وعلى القلوب»
ويرفض بشدة الرضا بالأمر الواقع، والانسياق نحو الخنوع: «فإذا رضينا بما نحن عليه، وأصبحت ضمائرنا ميتة، لا يحركها ما تسمع ولا ما تحس به من الذلة والهوان، فأعفينا أنفسنا هنا في الدنيا فإننا لن نُعفى أمام الله يوم القيامة. لابُدّ للناس من موقف، أو فلينتظروا ذلاً في الدنيا وخزياً في الدنيا وعذاباً في الآخرة. هذا هو منطق القرآن الكريم، الحقيقة القرآنية التي لا تتخلف، {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}، {وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}، {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
ويتساءل مجدداً عن مدى استعداد الناس، وما العمل الذي ينبغي أن يكون: «إذا قلنا نحن مستعدون أن نعمل شيئاً فما هو الجواب على من يقول: [ماذا نعمل؟]»
الآلية التنفيذية للمشروع القرآني المتمثلة في الصرخة والمقاطعة
وفي 17/يناير/2002م في قاعة مدرسة الإمام الهادي في مَرَّان – صعدة يضع رضوان الله عليه الانطلاقة الأولى لمشروعه ويطلق صرخته المدوية، قائلاً: «أقول لكم أيها الإخوة اصرخوا، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا:
الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة، وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد – بإذن الله – ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم – إن شاء الله – في مناطق أخرى:
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
هذه الصرخة أليست سهلة، كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها؟.
إنها من وجهة نظر الأمريكيين – اليهود والنصارى – تشكل خطورة بالغة عليهم».
وكانت صرخة: {الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام} الخطوة العملية الأولى، وبداية المشروع، وجوهره، وأساسه وروحه، وفي هذه المحاضرة (الصرخة في وجه المستكبرين) التي تعتبر من أوائل محاضرته، نجده عليه السلام، يرسم فيها الخطوط العريضة للمشروع القرآني الذي نهض به، ويضع الخطة العملية، والآلية التنفيذية للقيام بمشروع يناهض الغطرسة الأمريكية آنذاك، المتمثلة تلك الآلية بترديد الشعار، كانطلاقة أولى تلتها المقاطعة والعديد من الأعمال، التي رسم ملمحها العام المرتكز على تنمية السخط ضد أمريكا وإسرائيل الذي تنفق الغالي والرخيص لكي تتفاداه.
فعمل السيد المؤسس سلام الله عليه على توجيه كامل العداء نحو العدو، وهذا ما أكده السيد القائد عبد الملك الحوثي في ذكرى الصرخة عام 2016: «نجد لزامًا أنه يجب أن نتحرك لتبقى بوصلة العداء دائمًا إلى العدو الحقيقي إلى إسرائيل وإلى أمريكا، وبالتالي لفت نظر وانتباه الناس إلى مؤامرات أمريكا ومؤامرات إسرائيل، ما تتحرك به أمريكا وإسرائيل على كل المستويات على المستوى السياسي على المستوى الاقتصادي على المستوى الأمني على المستوى العسكري على كل المستويات، هذا شيء مهم لأنهم يتحركون تحركًا شاملاً وينشطون بإمكانيات هائلة ويستفيدون من واقع مؤسف في داخل الأمة».
وأكد فيه أن هذا المشروع أتى بسماتٍ يوضحها بقوله: «هذا المشروع القرآني بهتافه وشعاره ومشروعه الآخر المتعلق بالمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية هو مشروع نحتاج إليه كمسلمين؛ لأن بقاءنا بلا مشروع يعني البقاء في حالة من الاستسلام والصمت التي تخدم الأعداء، وهو مشروع متنور؛ لأن الثقافة القرآنية تتضمن رؤية شاملة متكاملة تتناول الواقع وتتناول مشاكل الأمة وتتناول الأحداث وطبيعة الصراع وما تحتاج إليه الأمة في مواجهة هذا الصراع».
والسيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير في ذكرى الصرخة يوضح أن الشعار «موقف ضمن مسار عملي وخلفه ثقافة وخلفه رؤية ومشروع وبجانبه خطوات عملية أخرى كمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية وبناء الأمة على كل المستويات سياسياً وعسكريا واقتصاديا وثقافيا وفي كل المجالات حتى تكون في مستوى التحمل للمسؤولية وبمستوى مواجهة الأخطار والتحديات».
تأثير الشعار على الأمريكيين وعملائهم
وخلال إيضاحه تأثير الشعار بدأ بتوقع ردة فعل المنافقين واعتبره مؤشراً لصحة وفاعلية المشروع فقال: «سينطلق المنافقون هنا وهناك والمرجفون هنا وهناك ليخوفوكم، يتساءلون: ماذا؟ ما هذا؟»
لكنه يوضح أن تحرك المنافقين من مؤشرات صحة عملك وفاعليته: «أتعرفون؟ المنافقون المرجفون هم المرآة التي تعكس لك فاعلية عملك ضد اليهود والنصارى؛ لأن المنافقين هم إخوان اليهود والنصارى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} فحتى تعرفون أنتم، وتسمعون أنتم أثر صرختكم ستسمعون المنافقين هنا وهناك عندما تغضبهم هذه الصرخة، يتساءلون لماذا؟ أو ينطلقون ليخوفوكم من أن ترددوها».
ثم يشير إلى أثر مثل هذا العمل على نفوس الأعداء: «ما هو هذا الأثر؟ السخط، السخط الذي يتفاداه اليهود بكل ما يمكن، السخط الذي يعمل اليهود على أن يكون الآخرون من أبناء الإسلام هم البديل الذي يقوم بالعمل عنهم في مواجهة أبناء الإسلام، يتفادون أن يوجد في أنفسنا سخط عليهم، ليتركوا هذا الزعيم وهذا الرئيس وذلك الملك وذلك المسئول وتلك الأحزاب – كأحزاب المعارضة في الشمال في أفغانستان – تتلقى هي الجفاء، وتتلقى هي السخط، وليبقى اليهود هم أولئك الذين يدفعون مبالغ كبيرة لبناء مدارس ومراكز صحية وهكذا ليمسحوا السخط. إنهم يدفعون المليارات من أجل أن يتفادوا السخط في نفوسنا، إنهم يعرفون كم سيكون هذا السخط مكلفاً، كم سيكون هذا السخط مخيفاً لهم، كم سيكون هذا السخط عاملاً مهماً في جمع كلمة المسلمين ضدهم، كم سيكون هذا السخط عاملاً مهماً في بناء الأمة اقتصادياً وثقافياً وعلمياً، هم ليسوا أغبياء كمثلنا يقولون ماذا نعمل؟. هم يعرفون كل شيء».
ويؤكد على هذا الأثر المهم: «ولنعرف حقيقة واحدة من خلال هذا، أن اليهود أن الأمريكيين على الرغم مما بحوزتهم من أسلحة تكفي لتدمير هذا الأمة عدة مرات حريصون جداً جداً على ألا يكون في أنفسنا سخط عليهم، حريصون جداً جداً على أن لا نتفوه بكلمة واحدة تنبئ عن سخط أو تزرع سخطاً ضدهم في أي قرية ولو في قرية في أطرف بقعة من هذا العالم الإسلامي، هل تعرفون أنهم حريصون على هذا؟».
وفي ملزمة (الشعار سلاح وموقف) يتحدث السيد حسين عن فاعليته وأثره على الأمريكيين وعملائهم، بقوله: «فالشعار هذا أثبت عندما مسحوه, عندما تراه ممسوح هو يشهد – وهو ممسوح – بماذا؟ أنه مؤثر على الأمريكيين, عندما تراهم يخدشوه يشهد بأنه مؤثر على الأمريكيين, أيضاً مؤثر على الوهابيين, مؤثر على الوهابيين أيضاً بشكل كبير, ما ندري كيف سووا حتى أصبحوا هكذا يعني نافرين منِّه, أما كان المحتمل أن يتقبلوا ويرفعوا الشعار هذا؟ وخاصةً أنه ليس محسوباً عليهم وهو ظهر من عند أناس آخرين، لماذا نفروا منه! لماذا حاولوا أن لا يرفعوه! لماذا يحاربوه حتى لما ذا يحاربونه, لا أدري ماذا لديهم من أهداف في هذه.
هو يشهد بأنه من كان يُعرف عنهم أنهم باسم دعاة للإسلام, وأنهم أعداء لأعداء الله, وأشياء من هذه, أنها, عبارة عن كلام؛ لأنهم لو كانوا أعداء حقيقيين لأمريكا, أعداء لإسرائيل, أعداء لليهود والنصارى لكان لهم من المواقف أعظم مما لنا, شعارات, مظاهرات, هم الآن في الساحة عبارة عن حزب كبير تحت اسم حزب الإصلاح, حزب كبير, أليس باستطاعته أن يكون له مظاهرات؟ مثلما يعمل الشيعة في لبنان, مثلما يعمل الشيعة في إيران, مظاهرات ضد أمريكا, مظاهرات ضد إسرائيل, يكون لهم شعارات يرفعونها, يوزعونها.
لكن ولا كلمة ولا موقف, هذا يثير الشك فيهم هم, أو أنهم ليسوا موفقين إلى أنه يكون له موقف مشرف ضد أعداء الله.
يثير الشك – أيضاً – في رموزهم أن لهم علاقات, هذا الذي كُشف أخيراً عندما كانوا منذ زمن يأخذون شباب اليمن ليقاتلوا في أفغانستان، أيام كان الاتحاد السوفيتي محتلاً لأفغانستان.
وإذا بأمريكا هي التي كانت توجه بهذا وتموله, وأخذت تصريحاً من الرئيس بهذا وغيره, فهي كانت أوامر أمريكية تأتي لهؤلاء وتوجيهات أمريكية وتمويل أمريكي, وعندما أصبح الجهاد ضد أمريكا انتهى الجهاد, وكأنه أقفل باب الجهاد ضد أمريكا, لماذا أما ضد الاتحاد السوفيتي أنه مشروع وضد أمريكا وإسرائيل لم يعد مشروعًا؟.
الشيء الآخر أنهم قد يكونون مثلاً يحاولون أن لا يحصل من جانبهم ما يجرح مشاعر أمريكا, ربما يحتاجون لأمريكا, سيحتاجونها في الوصول إلى السلطة, وأشياء من هذه, فلا يحاولون أن يجرحوا مشاعرها, معناه إنهم ليسوا حركة دينية، تنطلق لخدمة الإسلام والدفاع عن الإسلام, بل حركة لها مقاصد أخرى ممكن تضحي بالإسلام من أجل مقاصدها».
النتائج التي حققها المشروع القرآني
وفي خطابه في ذكرى الصرخة عام 2016 يختم السيد عبد الملك بذكر فاعلية وأهمية هذا المشروع والنتائج التي حققها بقوله: «تحرك هذا المشروع القرآني يشق طريقه مهما كان حجم الصعاب والظروف والتحديات والأخطار بالرغم مما واجه على المستوى الداخلي من عدائية شديدة جدًا جدًا جدًا، ومحاربة غير مسبوقة سعت إلى وأده، وإنهائه تمامًا والقضاء عليه منذ مرحلته الأولى، ولكن هذا المشروع بقي قائمًا وقويًا، كلما حورب ازداد قوة؛ لأنه مشروع واقعي صحيح تشهد له الأحداث تشهد له الوقائع، أولئك الذين يتحركون في الطريق المعاكس لتقديم أمريكا وإسرائيل أنها صديقة للأمة أو لتدجين الأمة، أو في المشاريع الخطأ التي تخدم الأعداء هم الفاشلون وهم المتراجعون أمام واقع الأمة وهي تزداد وعيًا، وتدرك طبيعة الخطر، وتحس بالمعاناة، وتدرك حجم الاستهداف يوماً إثر يوم؛ لأن الشواهد كثيرة والمتغيرات والأحداث كفيلة بأن تقدم أيضًا ما يشهد بما تضمنه هذا المشروع القرآني المتميز».
أنا يا حسين بطولةٌ لم تنتهِ
بدم الشهيد نسجتها راياتي
وتلوتها (هيهات منا ذلة)
أسمعت آفاق الدنى آياتي
أنا يا حسين بك استبان لي الهدى
بك أهتدي في يقظتي وسباتي
نهج الحسين شريعتي وعقيدتي
وبصيرتي ومعزتي ونجاتي
أنا في دمي تجري تلاوة هديه
ديني الشعار وراتبي وصلاتي
فقارن أخي القارئ الكريم بين أن يكون شعارك نجمةً أو هلالاً أو صنماً أو تمثالاً وبين أن يكون شعارك الله الكبير الذي بيده ملكوت كل شيء عليه تتوكل وبه تثق وإليه تلجأ ومنه تستمد العون والنصر والتأييد.
إمامَ البطولةِ أما أنا
فيحلو بدربك ليْ مصرعي
إليكَ انتمت هاهنا أحرفي
وقلبيَ لمن جار لم يركعِ
رفعتُ شعارك لن أنثني
جيوشَ الطغاةِ ألا فاسمعي
هذه مقاربة بسيطة والمحاضرات مليئة بالدروس والعبر العظيمة بإمكانكم العودة إليها وتأملها، وتتبع ملامح هذا المشروع العظيم وفاعليته وأهميته.

قد يعجبك ايضا