الإرهاب قضية خطيرة تهدد مصلحة الوطن

الإرهاب الذي‮ ‬أحرق الأرض وألهب الأنفس المؤمنة حاصدا معه الأرواح والمقدرات الإنسانية ظهر في‮ ‬بدايته بمفهوم مغاير ومغالط لحقائق النصوص وفحوى الأحكام‮ ‬‮ ‬متجاوزا المألوف والمعقول والمنقول في‮ ‬مضمونه وانعكاساته على واقع الحياة‮ … ‬ولا‮ ‬يخفى عند من‮ ‬يعرفون طبيعة المفاهيم الفكرية خاصة الخاطئة منها على وجه الخصوص أن هذا النوع من المفاهيم تعتمد في‮ ‬نشر أهدافها على شرائح معروفة متسمة بضآلة الفكر وتواضع الفهم‮ ‬يسهل التأثير فيها ومن ثم جلبها وتوزيعها على شبكات الإرهاب وخلاياه المنتشرة‮ ‬اعتمادا على ما‮ ‬يمكن استغلاله من إثارة العواطف والعزوف على فطره الغيرة الدينية والانتصار للدين في‮ ‬نفوس المنتمين للتنظيم الإرهابي‮ ‬الذي‮ ‬يصبح الكثير من أتباعه‮ ‬يحملون بل ويعتقدون بالمفاهيم المشوشة والمغلوطة في‮ ‬ارتكاب الجرائم والتبرير لها وفق التعبئة الخاطئة‮ …‬كما لايمكن تجاهل الأسباب المؤدية للإرهاب سواء كانت معيشية‮ ‬يضطر أصحابها إلى الانجرار لهذه الجماعات التي‮ ‬تعدهم بمصير أفضل على الأقل في‮ ‬الحياة الآخرة عوضا عمِا‮ ‬يكابدونه من معاناة الحاجة والعوز والشقاء في‮ ‬حياتهم الدنيا بحسب ما تحكم القاعدة أساليبها وتزيينها للأباطيل في‮ ‬صفوف أتباعها السذج لزجهم في‮ ‬عمليات التفجير والانتحار‮ …‬كما‮ ‬يجب أن لا ننسى أن من أهم انتشار القاعدة في‮ ‬اليمن ضعف الوسائل والمعالجات التي‮ ‬تحد من انتشار هذه الظاهرة وأهمها‮ ‬غياب منهجية واضحة للحوار مع المتشددين كون الفكر المتشدد والمتطرف لا‮ ‬يمكن القضاء عليه إلا بالحوار والمناظرة والاحتكام للنصوص عند عرض المبررات والحجج التي‮ ‬على ضوئها تعتمد القاعدة على تنفيذ عملياتها‮ ‬ومن هنا تظهر الحاجة الملحة إلى اعتماد حملة وطنية شاملة تنطلق من مبدأ هام وضروري‮ ‬عنوانه‮ (‬مفاهيم‮ ‬يجب أن تصحح‮) ‬ولأننا نعي‮ ‬ما نقول فلابد أن نعترف أن محاربة الدين‮ ‬يولد التطرف‮ ‬وأعني‮ ‬بذلك ما كان‮ ‬يتم التعامل به قبل الوحدة المباركة خصوصا في‮ ‬المناطق الجنوبية من التضييق والملاحقة للمظاهر والتوجهات الدينية‮ ‬وهذا ما أوجد حالة من التعطش للالتزام الديني‮ ‬فظهرت بعد الوحدة مباشرة جماعات دينية انفتحت مع بعض الجماعات الوافدة من الدول المجاورة في‮ ‬تلك الفترة وأثمر هذا الانفتاح على التأثر بالفكر الجديد‮ (‬المتشدد‮) ‬القادم بعد فترة من الجفاء الديني‮ ‬الذي‮ ‬بدوره لم‮ ‬يلق حتى من بعض المتأثرين به فرصة للتفكير ولا التدقيق في‮ ‬أن هذا النوع من التدين قد‮ ‬يكون مخالفا للأصل وقد لا‮ ‬يكون النموذج الحقيقي‮ ‬للإسلام الذي‮ ‬يدعو إلى الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف مما انعكس في‮ ‬رسم صورة الدين بصورة اللحية والثوب والمظهر الخارجي‮ ‬ناهيك عن إظهار الدين بلغة القوة والشدة ولا محل فيه لليسر واللين والرأفة‮ .‬
تصحيح المسار
إن من لوازم تصحيح المسار للمفاهيم المغلوطة كذلك أن نعترف بأن بعض طرق ووسائل محاربة الإرهاب الحالية أثبتت عدم قدرتها على القضاء كلية على الإرهاب‮ ‬بغض النظر عن النجاحات الأمنية المحدودة في‮ ‬تعقب وملاحقة بعض العناصر الإرهابية والقضاء عليهم هنا أو هناك إلا أن الإرهاب مازال‮ ‬ينفذ عملياته بصورة مفجعة وغريبة تساعده في‮ ‬ذلك أخطاء وتبعات عمليات مكافحة الإرهاب على‮ ‬غرار الضربات الجوية التي‮ ‬تجر معها في‮ ‬كثير من الحالات مؤاخذة المظلوم بجريرة الظالم ووصولها في‮ ‬أكثر من حالة واحدة إلى الأبرياء‮ ‬وهذا ما قد‮ ‬يولد معها صوراٍ‮ ‬من التعاطف المجتمعي‮ ‬في‮ ‬المناطق التي‮ ‬تضررت بالضربات الجوية دون أن‮ ‬يكون عناصر من الملاحقين والمطلوبين أمنيا‮… ‬والسؤال‮ ‬يبقى دائما ملحا وهو‮: ‬هل لدى الجهات المعنية في‮ ‬مكافحة الإرهاب إمكانية مراجعة خططها في‮ ‬مواجهة الإرهاب¿ خصوصا عندما‮ ‬يتضرر المدنيون والأبرياء الذين قد‮ ‬يلقون حتفهم أو تتلف ممتلكاتهم وأقل ما قد‮ ‬يصيبهم من الذعر والخوف وإقلاق سكينتهم وغيرها من الأضرار النفسية والاجتماعية التي‮ ‬لا‮ ‬يعرفها ولا‮ ‬يحس بها‮ ‬غيرهم‮ .‬
إن التوجه الرسمي‮ ‬والشعبي‮ ‬في‮ ‬التصدي‮ ‬للقاعدة هو السلاح الحقيقي‮ ‬لمحاربة هذا الخطر الكبير‮ ‬فليست القضية خاصة بالدور الأمني‮ ‬فقط‮ … ‬بقدر ماهي‮ ‬متعلقة تعلقا جذريا بكل شرائح المجتمع اليمني‮ ‬من أعلى هرم السلطة مرورا بأدنى قواعد الهرم في‮ ‬الريف والحضر‮ … ‬وأرى أنه من المعيب والمخجل إلى حد الخزي‮ ‬أنه عند وقوع أي‮ ‬عملية إرهابية تتسارع بعض القوى الحزبية والإعلامية بالإشارة إلى أطراف سياسية متهمة إياها بالضلوع في‮ ‬هذه العمليات‮ ‬أو التلويح ساعة في‮ ‬أن بعض القوى السياسية ساهمت إما بالدعم أو بالتخطيط والتمهيد والمساندة للقاعدة لتنفيذ العمليات الإجرامية‮ …‬وهذا بالضبط ما‮ ‬يخرج الإرهاب من قضية تهم الوطن وتهدد كيانه إلى مجرد أزمة سياسية أخضعها البعض إلى المكايدة والمزايدة الحزبية والسياسية الرخيصة التي‮ ‬ربما عززت من انتشار هذه الظاهرة في‮ ‬ظل وجود الانقسامات السياسية لمواجهة هذا الخطر الذي‮ ‬قوبل برمي‮ ‬التهم وتحميل الآخر المسئولية دون دليل أو إثبات‮ ‬وكان الأولى لكل من‮ ‬يهمه الوطن وتجنيبه المهالك والدمار أن‮ ‬يصحب كلامه بالدليل الدامغ‮ ‬وكشفه للرأي‮ ‬العام حتى‮ ‬يعرف الناس الجهات التي‮ ‬تقف وراء الإرهاب‮ …‬وعندما‮ ‬يعرف السبب لا شك أن خيوط الحل للمشكلة ستنسج حلولاٍ‮ ‬لهذا المعضل وتمهد للخروج من نفق الإرهاب المظلم والشائك‮ …‬فهل لهذا المجتمع الحق في‮ ‬معرفة من‮ ‬يعبث بمقومات بنائه ويفرط في‮ ‬فلذات أكباده من الجنود والمدنيين وحتى المسئولين¿ أم أننا سنظل نستمع إلى تراشق الكلمات ورمي‮ ‬التهم والتجرد عن المسئولية دون أن نسعى جميعا إلى كشف الأقنعة وجر المذنب والباغي‮ ‬إلى ساحة القضاء لينال جزاءه العادل‮.‬
إن مفهوم الإرهاب‮ ‬ينطلق من أسس دينية خاطئة كما أسلفنا‮ ‬وهذا ما‮ ‬يحتم على العلماء وليس‮ ‬غيرهم حتمية المواجهة والتصدي‮ ‬للفكر الإرهابي‮ ‬والضابط العلمي‮ ‬لحملات المفاهيم التي‮ ‬يجب أن تصحح لا‮ ‬يمكن لأحد سوى العلماء أن‮ ‬يقوموا بها كونهم أوعى الناس وأعلمهم بفحوى النصوص وتأويلات الأحكام ومقاصد الشريعة ولا أعتقد أن السادة العلماء‮ ‬يجهلون ذلك بقدر ما هم متراخون عن القيام بواجبهم أمام الله وأمام وطنهم‮ ‬وفي‮ ‬حال إحسان الظن بهم قد نحتمل أنهم لم‮ ‬يمكنوا ولم تتاح لهم الفرصة‮ … ‬ولا‮ ‬يحتاج العلماء للقيام بهذه المهمة سوى فتح مجال من التهيئة لهم لمباشرة الجلوس مع دعاة التطرف ورؤوس الإرهاب على أن تكون‮ ‬غاية العلماء من ذلك حب هداية هؤلاء وإعادتهم إلى جادة الصواب وإعادة دمجهم في‮ ‬مجتمعاتهم خصوصا ممن لم‮ ‬يرتكب جناية وعليه حقوق خاصة أو عامة وذلك عن طريق تصحيح المفاهيم المغلوطة وتنقية الأفكار المشوشة وصقلها مما شابها من صدأ التحريف والتأويل المخالف للنصوص والأحكام‮… ‬أما إذا كان الهدف من الجلوس مع هؤلاء قد حْدد مسبقا تقمص فيه العالم دور الجلاد وخلع رداء النصح والحوار بهدف الزج بهم في‮ ‬الغرف المظلمة وانقلاب الحوار إلى صفقة تقضي‮ ‬بأمان صاحبها إن وجد نفسه مجبرا لا مخيرا ليسعف نفسه بوشاية‮ ‬غيره دون أن‮ ‬يكون هدفنا الأول الحرص على هدايته واستتابته واقتناعه بما سمع وندمه على ما فات فتلك مصيبة عظمى شأنها شأن الجمر من النار الذي‮ ‬ندفنه تحت الرماد معتقدين أننا أخمدناه في‮ ‬حين أنه لقي‮ ‬فرصة للاتقاد‮ ‬يزداد معها حمرة وشرارا وينذر عاجلا وآجلا بإطلاق حمم من الجمرات المحرقة والمدمرة‮ …..‬والله من وراء القصد‮.‬
mohsahman@gmail.com‭ ‬

قد يعجبك ايضا