حوارنا مع الغرب لا بد أن يُشاد على أساس متين من الحقائق

 

خليل المعلمي

يؤكد الباحث اليمني حمود نوفل أن الحوار المرجو نجاحه مع الغرب لا بد أن يشاد على أساس متين من الحقائق أو لنقل حقيقة الوقائع المتراكمة زمناً طويلاً في سجل علاقتنا مع الغرب، وحوارنا لن يكون مع المثقف القريب فقط بل إنه سيكون حواراً شاملاً لكل الأفراد بمختلف مراكزهم وبمختلف توجهاتهم الدينية والفكرية ومستوياتهم الثقافية.
ويتساءل في كتابه «مآذن وأبراج» سؤالاً مفاده كيف ينظر إلينا الغرب؟ ويوضح أن هذا السؤال مقامه مقام الحجرة الأولى في أساس بيت مشيد أو الخطوة الأولى في رحلة طويلة الأفكار والمعتقدات، وجوابه نصف الطريق والحوار آخر المحطات التي تقودنا إلى وجهتنا..

حضارتان وجهتان
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب الذي يحتوي على أربعة مباحث: «قد لا تعبّر الجوامع بمآذنها ذات الأهلة ولا الكنائس بأبراجها ذات النواقيس والصلبان عن نمطين مختلفين من أنماط العمارة فقط لكنها تحمل فيما تحمله تصوراً عقلياً أكبر من ذلك، إنها تعبر بوضوح عن دينين مختلفين الإسلام والمسيحية، عن حضارتين متنافرتين، عن جهتين شرق وغرب عن أعراق وألوان تختزل فيما تختزله كذلك تصوراً للشرق الروحاني والغرب العقلاني».
وأضاف: سنبحث في جنبات ثقافتنا وثقافتهم عن أصل المشكلة وماهيتها، نحددها ثم نبحث عن حلول لها، فلزاماً علينا أن ندرك في كل أمر نبتغي أن نحل لغزه ونفكك معضلات أساسه الذي بني عليه، فلكل ظاهرة فكرية أو سياسية أو اجتماعية أساس كان في يوم ما بذرة صغيرة نمت شيئاً فشيئاً حتى صارت أطروحات ومعتقدات ونظريات تسيطر على عقول جماعة ما في مكان ما.

الدور الحضاري للإسلام
في المبحث الأول أشار فيه الباحث إلى أن المسطح الجغرافي المترامي الأطراف الذي يعرف اليوم بالوطن العربي لم تكن تجمعه قبل أربعة عشر قرناً ثقافة أو لغة مشتركة أو يؤلف بين بنيه دين واحد ولا حتى دولة ما، لكن ذلك تحقق جميعه في غضون عقود قليلة، يوم أن امتدت رقعة الإسلام ومعها امتدت حضارته.. مؤكداً أن الإسلام قد احتوى جميع الثقافات التي كانت موجودة في ذلك العصر الشرقية والغربية، احتواها بعد أن صهرها جميعاً وأخرج منها ثقافة فريدة وحضارة قوية متماسكة استطاعت الصمود في وجه العديد من الهجمات الموجهة إليها فكرياً وسياسياً.

مشكلتنا مع الغرب
وعن مشكلتنا مع الغرب في هذا العصر يقول الباحث نوفل: إن مشكلتنا مع الغرب هي في مدى قدرتنا على أخذ محاسنه وترك مساوئه، وهو ينظر إلينا بوصفنا أعداء من الدرجة الأولى لا يرضى إلا بتقبلنا كل ما عنده أو معظمه مقابل التخلي عن ما عندنا وعلى رأس ذلك ديننا الإسلامي وكل ما يتعلق بثقافتنا المغايرة لثقافتهم، فالغرب لا يستطيع أن يدرك بأن الإسلام ليس مجرد عنصر من عناصر هويتنا أو أساس لثقافة قد هرمت وأثبتت تهالكها بل هو هويتنا وثقافتنا، إن شئنا الدقة وعليه تأسستا وبه ثقفت عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وسائر أمورنا إنه الكل الذي لا يتجزأ بالنسبة لنا.. مستعرضاً العلاقة بين الشرق والغرب ونظرة كل منهم عن الآخر.

لماذا الغرب بالذات؟
ولماذا الحوار مع الغرب بالذات؟ يجيب المؤلف في المبحث الثاني إن السبب هو وجود ضبابية الرؤية المتبادلة بين الطرفين في وقتنا الراهن، وعلاقتنا بالغرب التي تمتد بجذورها إلى عدة قرون سابقة وتأخذ حيزاً من ثقافة كل طرف في فكره الديني والسياسي وحتى الاجتماعي، هو ما يجعلنا نسعى للحوار معه، إضافة إلى أنه يمتلك القوة ويتسلط على إعلام العالم.
كما تطرق الباحث إلى دواعي الحوار الذي يعد أحد الأساليب والوسائل المتبعة وفي حالتنا نحن فإننا نقصد من حوارنا الأمرين معاً نحاول نشر ديننا وثقافتنا أو على الأقل عرضهما كما يجب، وحمايتهما في الوقت ذاته من الهجمات التي وجهت إليهما.

المشاكل والمعوقات
في المبحث الثالث استعرض المؤلف المشاكل التي تقف في طريق الحوار وصنَّفها إلى مشاكل غربية تتمثل بقوة ثقافة الغرب وعنصرية الفكر وقوة وسائل الإعلام التابعة له، ومشاكل شرقية متمثلة بضبابية الرد وسوء التقدير والأوضاع التي تعيشها البلاد العربية، والصعوبة في صياغة الأفكار لدى المسلمين والعرب وكذلك الأزمة التي يعيشها الإعلام العربي.. متطرقاً إلى عدد من المرتكزات الأساسية في قضية الحوار ومنها إيصال المفاهيم الصحيحة عن الإسلام والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والرد على المفتريات الدينية.

إيجاد حوار مثمر
ويقودنا الباحث نوفل في المبحث الرابع والأخير من الكتاب إلى إمكانية اتخاذ عدد من الوسائل والطرق من أجل إيجاد حوار مثمر مع الغرب معتمداً على عنصرين الأول الكوادر المؤهلة من باحثين وأكاديميين وإعلاميين وغيرهم من الكوادر التي يمكنها أن تنظم الندوات وتعمل على إعداد الأبحاث والدراسات ونشرها والإشراف على قناة فضائية يتم إنشاؤها لبث هذه المواد وتيسير وصولها إلى عدد أكبر من مثقفيهم وعامتهم، والعنصر الثاني هو الدعم المالي لتمويل كل الأنشطة السابقة، وبعد استكمال ذلك لا بد من النظر إلى نوعية الحوار كما يقول الباحث والتي لا بد أن تتمثل في خطين متوازيين «الأكاديمي والإعلامي»، حيث يقوم الخط الأكاديمي بإعداد الدراسات الجادة المتعمقة في فكرها والأصيلة في منهجها، والخط الآخر الإعلامي يكون الطريق المناسب لإظهار الأفكار والرؤى التي يقدمها الخط الأول بشكل يتناسب وقدرات الإعلام الآخر المتطور ليحتل مكانه بين إعلاميات العالم المتطور.

وسائل الحوار
ويضيف الباحث حمود نوفل إن للحوار وسائله وقنواته التي يلتقي الطرفان نحن والغرب من خلالها إما مباشرة وإما عن بعد لكن تظل مهمة تلك الوسائل الرئيسية مخاطبة الغرب ليس مع مثقفيه وصانعي قراره فحسب بل وعامته لأنهم الأرض الخصبة لتمرير الأفكار إلى المستويات العليا في المجتمع الغربي، فالغرب يحترم شعوبه ويأخذ أفكارها وآراءها مأخذ الجد فهو يهتم اهتماماً بالغاً بالحفاظ على تأييد الرأي العام، وبين حين وآخر يجري استطلاعاً للرأي عن قضية من القضايا.
مختتماً بالقول: إن المآذن والأبراج، تلك الرموز التي تخيف كل طرف من الآخر هي محطة الصلة بين أهل الأرض والسماء، وإن تأملنا ملياً بعقولنا فسننكص على أعقابنا مقتنعين بأن تلك الفروق لم يصنعها سوانا وأننا نحن من نعززها بأفكارنا يوماً تلو الآخر، فالمشكاة التي خرج منها الإسلام هي ذاتها التي خرجت منها المسيحية والأصل الإنساني الواحد الذي يجمعنا لا يزيدنا إلا تقارباً إذا ما فكرنا بمنطق العقل وسمو الروح.
الكتاب أصدرته مجلة دبي الثقافية في أحد أعدادها السابقة، وبه حصل الباحث على المركز الأول من جائزة دبي للإبداع في دورتها السابعة (2010-2011م) في مجال «الحوار مع الغرب».

قد يعجبك ايضا