بيوم الشعر.. العالم يحتضر

الثورة نت| متابعات..

 

يوافق اليوم السبت 21 مارس/آذار 2020 يوم الشعر العالمي الذي خصصه المؤتمر العام لليونسكو خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999، وتأتي المناسبة هذا العام في ذروة اجتياح فيروس كورونا لأنحاء العالم مخلفا نحو ربع مليون إصابة وأكثر من 10 آلاف وفاة حتى الآن.

 

سألنا بعض الشعراء العرب المقيمين في مدن عربية وعالمية، وقد بات كل منهم معزولا: ما القصيدة التي تُكتب الآن؟ ما دورك في مواجهة الوباء؟ وما الذي يفعله الشعر (في زمن الأوبئة) أمام اجتياح كورونا للعالم؟

 

محنة الإنسان أم الشعر؟

يعترف الشاعر العراقي المقيم بلندن عبد الكريم كاصد أن “الشعر لم يدَّعِ خلاص البشرية ولم يدّع الدخول إلى ممالك الأرض والسماء”. لكنه يشدد على أن “الشعر متواضعٌ مفتوحُ الأبواب لمن يريد أن يتأسّى به. إنه لا يستوقف أحدا 

 

ولكنه يرحّب بكل من يريد الاستراحة في ظلاله إنْ كان شجرةً أو خيمةً أو ظلَّ جدار أو غير ذلك”.

 

ويتابع كاصد أن ما يعيشه العالم اليوم ليس محنة الشعر وحده، وإنما هي محنة البشر جميعا، ولا سيما أولئك الذين لا يملكون غير الانتظار.. انتظار الخلاص الذي لن يأتي إلا بعد أن يفقدوا الكثير.

 

 

ويضيف كاصد للجزيرة نت “محجورون في بيوتنا، مهدّدون ليس من الوباء وحده، وإنما من أنظمة تحارب الوباء وهي عدوّة البشر، لا يتورع بعضها عن التصريح للتهيؤ لتوديع أحبائنا، والتخلص من مسنّيها، بل التخطيط لذلك كما 

 

جاء في مقالة مرعبة شهيرة لتشومسكي”.

 

واستدرك الشاعر عبد الكريم كاصد بالقول إنه مع ذلك، فالبشر استحالوا (الآن) جسدا واحدا في مواجهة عدو واحد مخيف غير مرئي، ولكن هل يتعظ البشر وهم يضيفون الأخطاء للأخطاء؟

 

مع الأطفال

يقضي الشاعر التونسي ميلاد فايزة، المقيم بمدينة نيوبورت (إحدى مدن ولاية رود أيلاند الأميركية)، يومه بين القراءة والترجمة واللعب مع أطفاله أو التجوّل معهم في الحقول أو شواطئ المدينة.

 

يقول ميلاد فايزة للجزيرة نت “أحاول جاهدا ألا أجعل أطفالي يشعرون بالخوف أو الذعر مما يدور في عقولنا نحن الكبار”. وعن القصيدة التي يكتبها الآن، أفاد بأنه لا يكتب حاليا وإنما يقرأ كثيرا ويحاول أن يفهم ما يحدث حوله، 

 

معترفا بأن دوره الوحيد حاليا في مواجهة الوباء هو مواصلة القيام بدوره كأب عليه الاعتناء بأطفالهِ وكأستاذٍ يهيئ نفسه للتأقلم مع فكرة التدريس الرقمي لطلاب لم يتخيّلوا يوما في حياتهم أن يُطلب منهم مغادرة الجامعة خلال أيام 

 

قليلة والعودة إلى بيوتهم. 

 

وختم فايزة بالقول: يَمنحني الشعر في زمن الأوبئة فرصة لتأمّل سنجاب يلهو بحبّة جوز أو طائر أبي الحناء وهو يذرع الحديقة جيئة وذهابا ويجعلني أهمس لنفسي: ماذا سيحدث لو اختفى الكائن البشري الشرير من على ظهر هذا 

 

الكوكب؟ كما يستطيع الشعر، في هذه الأوقات العصيبة التي تمزّقني فيها الشكوك حول مستقبلنا ومستقبل أطفالنا، أن يذكّرني بمدى هشاشتنا وهشاشة هذا الكوكب الذي يبدو لي وكأنّهُ يَأْثَرُ لنفسه من جشع الإنسان وغباء نبوءاته. 

 

أصابنا اليأس

يراهن الشاعر العراقي المقيم في لندن عواد ناصر على أن الشعر مرض غير معدٍ، لكنه أيضا علاج. وقال ناصر إن هناك دراسة علمية وضعها طبيب أميركي أثبت فيها أن مرضاه من ذوي الاحتياجات الخاصة تعافوا أو خفّت معاناتهم 

 

بعد أن كتبوا شعرا.

 

وعن “حساسية الشاعر إزاء مرض العالم وباء كورونا”، قال إنها حساسية تصيبه بمرض من نوع آخر: اليأس. كما أن كورونا إشارة خطر للعالم كي يعتني بنفسه أكثر.

 

 

يقول الشاعر العراقي المقيم بلندن عواد ناصر إن تفشي كورونا لم يقطع عزلته التي بدأها قبل الجائحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

لكن ناصر قال إنه يواصل عزلته في منزله بالمملكة المتحدة قبل مجيء وباء كورونا بمدة طويلة. وعلى الصعيد الشخصي أكد أنه لا يخاف الموت لأنه مصير حتمي.

 

وأضاف ناصر للجزيرة نت “أمس قابلت جارتنا الإنجليزية التي حيتني عن بعد فأجبتها: كوني بسلام والسلام على هذه الأرض. فردت بسؤال: هل أنت شاعر؟”. الجارة الإنجليزية لا تعرف أنه شاعر، لكنها صنّفت كلماته في عداد 

 

الشعر. وهنا يشير ناصر إلى أن الشعر تصدى للأوبئة منذ الأزل “شعراء العالم قدموا وصفاتهم الطبية من أجل شفاء العالم من أمراضه: الجهل والجشع والظلم والعنف والعبودية”.

 

وبينما أوضح أن العلماء هم من أنقذ العالم من أمراضه، يلفت عواد ناصر إلى أن قسما كبيرا أنقذوه بالحلم والمغامرة والخيال، وهذه وسائل الشعراء أيضا لإنقاذ العالم، مؤكداً أن “كل قصيدة هي مغامرة لبلوغ العافية.. عافية العالم”. 

 

وختم ناصر بالقول إن الشعر ليس عضوا في فريق طبي أو مفرزة تمريض، لكنه عضو في جماعة بشرية تسهر على صحة الأرض ومن عليها، من إنسان وحيوان ونبات، وأن لا يدوس أحدهم على حنجرة الآخر وبراءته وغصنه. 

 

لنحتفي بالحياة

الشاعر سعد الدين شاهين رئيس رابطة كتّاب الأردن يقول إنه في يوم الشعر العالمي، الذي يوافق هذا اليوم والذي يشترك مع الاعتدال الربيعي الذي يزين الأرض بالربيع وتفتح الأزهار، “جدير بنا أن نحتفل ليس بالشعر بل بالحياة 

 

التي منحتنا هذا الجمال المتسق مع الربيع وموسيقى العصافير”.

 

لكن شاهين، مستدركاً، قال للجزيرة نت: نحن الآن في مواجهة جائحة وباء كورونا في الحجر الاختياري بالتزام منازلنا، لكن الدور المنوط بالشعراء والمثقفين عموما هو بث أعمال إبداعية ولافتات تحذيرية للوقاية من الفيروس عبر 

 

منصات التواصل الاجتماعي”.

 

 

 

رئيس رابطة كتاب الأردن سعد الدين شاهين يقول إنه جدير بنا الاحتفاء بالحياة لا بالشعر  (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

وعن القصيدة التي يكتبها شاهين الآن، أفاد بأنه كتب آخر قصائده بعنوان “المطاف الأخير” على إثر جائحة فيروس كورونا.

 

شاعر سوري بألمانيا

وبدا الشاعر السوري زكريا شيخ أحمد، الذي هرب من نار الحرب إلى ألمانيا (دويسبورغ، ولاية شمال الراين)، متماسكا وقال إن له تجربة إنسانية ملهمة في مواجهة كورونا.

 

يقول زكريا للجزيرة نت “أعمل الآن بشكل مؤقت في مشفى لأمراض القلب في ألمانيا، أوزع الطعام على المرضى.. غيابي يعني حرمان مئات المرضى من الطعام، وهذا ما لا ولن أسامح نفسي عليه. منذ تفشي الوباء أذهب لعملي 

 

بحماس منقطع النظير ودون أي خوف، أذهب حذرا مراعيا التدابير اللازمة وتعليمات الدولة”.

 

 

غير أن ما يجعل زكريا أحمد حزينا هو “القدر الهائل من الرعب الظاهر في عيون القلة القليلة الذين يصادفهم في طريق الذهاب أو العودة من العمل”، ومع ذلك، يلملم روحه ويتحداها ماضيا ًفي التطوع ومواجهة الوباء إنسانيا.

 

ترقب وحبس أنفاس

بلدان الحرب كاليمن وسوريا، هي الأخرى، ليست بمأمن من خطر داهم، ولعل حالة الانغلاق داخليا وندرة منافذ الدخول والخروج ساهمتا حتى الآن في خلوهما من كورونا، لكن الشعراء والمثقفين هناك في حالة هلع، وتدريجيا، باتت 

 

كتاباتهم ومنشوراتهم في منصات التواصل تحمل قلقا وحمّى.

 

ويقول للشاعر اليمني محمد عبد الوهاب الشيباني المقيم بصنعاء “حتى أسبوعين منقضيين كان المزاج العام للمواطنين في صنعاء غير مكترث بالوباء، وظن أن العزلة التي يعيشها بفعل جنون  الحرب وصعوبة السفر والتنقل، 

 

ستقيه هذه الكارثة”.

 

 

 

الشاعر اليمني محمد عبد الوهاب الشيباني يلاحظ تأثر اليمنيين بالجائحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

“لكن مع الضخ الإعلامي المهول بدأ الكثيرون يعملون حساباتهم لهذه الجائحة” يقول محمد الشيباني للجزيرة نت، مشيرا إلى أن الكثيرين يقبعون الآن بمنازلهم وقد يتحول اهتمامهم وتتبعهم لأخبار كورونا إلى نصوص شعرية وسردية.

 

وتتساءل الشاعرة السورية ريتا الحكيم (من مدينة اللاذقية الساحلية): هل أن توقيت ظهور كورونا سينهي قضايا عالقة في بعض الدول كالحروب الأهلية مثلا؟

 

تقول الحكيم للجزيرة نت “أنا من سوريا التي أضاف الوباء عبئًا ثقيلا على شعبها بعد حرب دامت عشر سنوات”، وأضافت أنها قبل ظهور كورونا كانتُ في عزلةٍ اختارتها عمدًا.

 

 

بدورها دعت الحكيم إلى أن يكون وباء كورونا مُلهمًا للشعراء والكتّاب على أي حال، مشيرة إلى أن أجمل كتابات شكسبير كانت أثناء تفشّي وباء الطاعون في نهاية القرن السادس عشر والذي أودى بحياة عددٍ من أفراد أسرته.

 

وختمت بالقول إنها لا تترك مجالًا للخوف ليتملّكها، وأضافت “أرمِّم ما فاتني من أعمالٍ مؤجّلة.. أقرأ كما كنت أفعل.. أعيد الآن ترتيب مجموعة قصصية وأخرى شعرية تمهيدًا لطباعتها حين تستتب الأمور وتستعيد البلد عافيتها”.

 

قصيدة لعالم يحتضر

من مقر إقامته في كاتريناهولم -إحدى ضواحي ستوكهولم السويدية- يكتب الشاعر السوري وفائي ليلا نصوصا قصيرة من بينها “ما فائدة أن تكتب قصيدة لعالم يزول؟”، “اختبئ أيها العالم مثل جرذ مذعور، كائن مجهري يثير هلعك”، 

 

“مضحك كيف يشعر الطغاة الآن… إنهم مثل كل الآخرين، مرتعدون ويتبولون من الذعر والخشية.. يا لعدالة الخوف!”.

 

ويتساءل وفائي ليلا أثناء حديثه للجزيرة نت: ما فائدة الشعر لعالم يحتضر؟ حينما يبث المرء مخاوفه ورعبه وترقبه وحذره من خلال النصوص التي يكتب.

 

 

ويأسف ليلا لأن الإنسان على مر السنين راكم الأسلحة ووسائل الإبادة ويقف الآن عاجزا مثل صبي متهم: “ها هو كائن مجهري يرغمنا على البقاء في بيوتنا كالجرذان”.

 

مدينة بلا مخالب

الشاعرة سونيا الفرجاني، من منعزلها المنزلي بـ”جزيرة جربة التونسية”، قالت إنها تشعر بالحرج من زمنها ومن تاريخها البشري المعاصر الذي ورّطت فيه بسبب حب أبنائها (إذ تشعر بعجز في بث الأمان في أرواحهم)..

 

وأضافت للجزيرة نت “في هذه المرحلة من حياتي التي ارتطمت بتاريخ مصدوم تعاقبت فيه ثورات وحروب ووباء، أشعر بالرغبة في فسخ هذه البشرية الجشعة بممحاة عملاقة يصنعها خيالي، أحاول على إثرها أن أرسم لأطفالي 

 

وعائلتي مدينة ضخمة لا تنبت فيها مخالب”.

 

 

وختمت سونيا بالقول: أواجه كورونا بالبكاء وحدي والقوة أمام أطفالي.. أواجهها بتعليم ابني يوسف قيمة الوقت لأني قبل هذا لم أكن أستطيع أن أقنعه.. أواجهها باكتشافي أن الحياة التي كنت أتذمر من ضيق الوقت فيها هي أسلم من 

 

ساعة داخل غيمة مظلمة”.

 

بدلة سوداء ومبيد حشرات

من جهته، قال الشاعر المغربي حسن بولهويشات للجزيرة نت: بسبب فيروس كورونا، دخلت في عزلة موحشة منذ أربعة أيام. أخرج مرّة واحدة في الصباح لمدة نصف ساعة لأشتري حاجياتي ثمّ أعود لأرتدي بذلة رياضية وأفتح 

 

الحاسوب كي أقرأ وأكتب بجنون نادر.

 

 

وبروح ساخرة حائرة في آن، قال بولهويشات: “مساء هذا اليوم، وبمناسبة اليوم العالمي للشعر، سأستحم على عجل ثم أحلق وجهي متعمدا أن أجرحه قليلا كي يخرج الدم وألعقه بلساني. أرتدي بذلة سوداء تليق بحزن العالم وأتعطر 

 

بمبيد الحشرات. ثمّ أصعد إلى سطح البيت وأغرس عصا طويلة في كومة رمل توجد في الزاوية. أن أتخيل العصا هي الميكروفون ثم أقرأ شعرًا حزينًا هو الآخر قبل أن أنزل الأدراج وأعود إلى إقامتي الطوعية”.

 

غرور التكنولوجيا

وبنبرة انكسار واضحة، قال الشاعر المصري مؤمن سمير إن الشعر مذبوح في زمن الأوبئة، فماذا تفيد الكلمات وهي بضاعة الشعر ورأس ماله إزاء إنسان يتمزق أمامك؟ لكن قد يبقى عجزه ذلك (أي الشعر) هو الإشارة الإنسانية 

 

الأكثر رهافة وصدقا لوضعية الإنسان المعاصر الذي ذكَّرته الأوبئة بأن غرور تفوقه التكنولوجي ما زال بعيدا عن المصداقية.

 

وعن قصيدته الراهنة، أفاد مؤمن للجزيرة نت بأنها تدور حول جده الذي يتساءل في زماننا هذا عن ملامحه المندغمة وقد صار لا يتقبل هذا الأمر.

 

 

أما الشاعر المغربي مصطفى ملح فلم يقلل من خطر كورونا، لكنه أوضح أنه يتابع المشهد بحزن شديد ويكتب بعض التدوينات والتعليقات، داعيا إلى التحلي بالصبر والشجاعة، واتخاذ أسباب “لتفادي الموت الذي سينال منا يوما ولو 

 

كنا في بروج مشيدة”.

 

 

 

صدام أبو مازن-صنعاء

قد يعجبك ايضا