بعد عام ونصف من عراقيل دول العدوان والمنظمات الأممية

الجســــــر الطبـــــــي.. تجــارة أخــرى بمعاناة اليمنيــين

 

تقرير: نقل 30 مريضاً من أصل 32 ألفاً تقدموا بطلبات السفر لتلقي العلاج عبر الجسر
220 ألف مريض يعــانون من أمــــراض مستعصيـــة وبحاجـــة ماســــة للسفــــر

 

منذ خمس سنوات، يستمر الشعب اليمني في تجرع كؤوس المعاناة التي خلفها عدوان الحلفاء الذي انطلق في الـ 26 من مارس 2015، فارضا حصارا لا أخلاقي على البلد الذي دُمِّرت بنيته التحتية وتحول إلى “أسوأ أزمة إنسانية معاصرة في العالم” كما تسميها الأمم المتحدة. عبارة تختصر حجم الكارثة، لكنها مصائب في اليمن، وفوائد عند المنظمة العالمية، شرعت من خلالها إلى المتاجرة بأرواح الملايين، وتنفيذ أجندات، عجز أصحابها عن تمريرها رغم أسلحتهم الفتّاكة.
الثورة /
عبد القادر عثمان

تداولت وسائل الإعلام المحلية والدولية بيان الأمم المتحدة، الذي نشرته في الثالث من فبراير الجاري، ويتضمن خبراً عن “الرحلة الأولى لعملية الجسر الجوي الطبي والتي نقلت عدداً من المرضى من أصل مجموعة أولية مؤلفة من 30 شخصاً بالإضافة لمرافقيهم من صنعاء إلى عمان”. البيان يؤكد أن عملية النقل لمجموعة أخرى من المرضى ستستمر، لكن في وقت لاحق، لم يتم تحديدها.
ترحيب واستنكار
هذه الأنباء، التي لاقت ترحيباً محلياً وأممياً، تداولتها وسائل الإعلام على أنها تدشين للجسر الجوي الطبي الذي تم الاتفاق عليه في الـ 16 من سبتمبر 2019، بين الخارجية اليمنية والمنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في اليمن ليز جراندي؛ للسماح للمرضى بالسفر عبر مطار صنعاء لتلقي العلاج في الخارج ونقل الأدوية الضرورية عن طريقه، وظل معلقا حتى اليوم بعراقيل لم يوضح المبعوث الأممي مارتن غريفيث أسبابها ومسببيها، على الرغم من أن دول العدوان لم تسمح بمنح أي من رحلات الجسر الطّبي التابعة لطيران الأمم المتحدة، تصريحاً بالوصول إلى مطار صنعاء الدولي، خلال عام ونصف من الاتفاق.
من جانبه، رحب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر يوم الخميس الماضي، بالإعلان عن الجسر الطبي الذي يصل صنعاء بعمان والقاهرة، قائلا “إن ذلك يعد إجراء رئيسيا لبناء الثقة”. لكن وزارة الصحة العامة والسكان في حكومة الإنقاذ، اعتبرت ذلك مخالفا كلياً للمتطلبات الضرورية لحالات الإخلاء الطبي.
تغير مفاجئ
في البيان الصادر، مطلع الأسبوع الجاري، اطلعت “الثورة” على نسخة منه، أبدت الوزارة تفاجؤها من خطاب منظمة الصحة العالمية المتضمن تغييرات طرأت في ترتيبات الجسر الطبي وآليات نقل المرضى، بحيث يتم نقل المرضى عبر طائرة أممية صغيرة تتسع لسبعة مرضى فقط مع مرافقيهم في الرحلة الواحدة، ما يخالف كلياً المتطلبات الضرورية لحالات الإخلاء الطبي”.
وبحسب بيان الصحة فإن “تسيير الرحلات كان مقرراً لها أن تبدأ يوم الثالث من فبراير، لـ30 مريضاً مع مرافقيهم حسب ما هو متفق عليه”، لكن التغييرات توزع هذا العدد على أربع رحلات، تتم بطائرة أممية لا تتسع سوى لسبعة مرضى مع مرافق واحد لكل مريض إلى جانب طاقم الطائرة.
سجناء في الوطن
خلال خمس سنوات من العدوان والحصار، بلغ عدد المرضى الذين مُنِعُوا من السفر لتلقي العلاج في الخارج لعدم حصولهم على جوازات صادرة من مناطق العدوان ومرتزقته وإغلاق مطار صنعاء ولانعدام وجود دفاتر الجوازات في مناطق المرتزقة نحو 220 ألف مريض، بحسب الدكتور يوسف الحاضري – الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة اليمنية –الذي أكد لـ “الثورة”، في تصريح سابق، أن من بين المرضى نحو 32 ألف مريض توفوا لعدم قدرتهم على السفر وغالبيتهم مرضى بالسرطان والثلاسيميا (فقر الدم الأبيض المتوسط) ومن المرضى من هم بحاجة إلى زراعة الكلى أو العمليات الكبرى التي لا تتوفر في اليمن”.
معاناة شعب
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن إجمالي عدد المصابين بمرض السرطان في اليمن بلغ 35 ألف شخص، بينهم أكثر من ألف طفل، فيما المصابون بالفشل الكلوي نحو 5200 مريض، وهم معرضون للوفاة في أي وقت، ونحو 1.2 مليون مصاب بالسكري، و1300 مصاب بالثلاسيميا، علاوة على 25 ألف مصاب بالأنيميا المنجلية، ويحتاج نحو 19 مليون يمني إلى الرعاية الصحية.
رغم ذلك قررت المنظمة الأممية نقل نحو 30 مريضاً فقط كمرحلة أولية على أربع رحلات، وهو ما أثار سخطا عارما في مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة اليمنية من قبل الأطباء والنشطاء الحقوقيين والصحافيين الذين رأوا أن مثل هكذا حدث تصاحبه تلك الهالة الإعلامية ليدل دلالة واضحة على مدى التلاعب بأرواح اليمنيين والمتاجرة بها من قبل المنظمات الأممية ودول العدوان.
خطوة متأخرة وتساؤلات
من جانبه يرى مدير مكتب المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، محمد عبدي، أن الجسر الطبي خطوة متأخرة بالنسبة لآلاف اليمنيين الذين ماتوا في انتظار السفر إلى الخارج للحصول على رعاية عاجلة كان من الممكن أن تنقذ أرواحهم.
لكن عملية إجلاء 30 مريضا فقط من بين 23 ألف مريض تقدموا بطلبات السفر منذ الإعلان الأخير قبل أسابيع، بحسب وزارة الصحة، يثير تساؤلات عدة حول ذلك، يقول رئيس اللجنة العليا للجسر الطبي الإنساني الدكتور مطهر درويش، إن “الرحلة التي حصلت مؤخراً لم تكن ضمن برنامج الجسر الجوي المتفق عليه لأن البرنامج المتفق عليه يأتي لنقل المرضى بطائرات كبيرة مناسبة ضمن شروط صحية وطبية مناسبة بحيث لا يحصل للمرضى أي مضاعفات أو أي مشاكل في الطائرة لكن الطائرة التي جلبوها صغيرة خاصة بمبعوث الأمم المتحدة لا تحمل سوى 15 شخصاً وطاقم الطائرة”.
الحاجة إلى التدخل
وبحسب درويش فإن الـ 30 مريضاً الذين تنقلهم المنظمة، كانوا ضمن الدفعة الأولى للجسر التي كان مقرراً تدشينها في الـ 20 من أكتوبر الماضي، لكن تم وضعهم في فندق تاج سبأ حتى اليوم بعد إلغاء الرحلة في آخر 24 ساعة عن طريق دول تحالف العدوان ومصر التي رفضت استقبال المرضى، وقد وضعوا في الفندق لأنهم من محافظات مختلفة غير صنعاء”.
وبحسب بيان وزارة الصحة فإن نحو 32 ألف مريض تقدموا بطلبات السفر لتلقي العلاج في الخارج ودُوّنت أسماؤهم في قوائم الجسر الطبي، وهم بحاجة إلى تدخلات علاجية وجراحية سريعة كجراحة القلب وزراعة الكلى وغيرها، معتبرا طريقة الأمم المتحدة التي تطلب نقل سبعة مرضى من أصل 32 ألف، “حكم على الكثير من المرضى بالموت”.
أمراض وأوبئة
تعاني اليمن بين حين وآخر، منذ خمس سنوات، من اجتياحات لأمراض وأوبئة فتّاكة، كالكوليرا والدفتيريا وإنفلونزا H1N1 والحصبة والملاريا وحمى الضنك والحميات النزفية والالتهابات الرئوية الحادة والتهاب السحايا الدماغية وجدري الماء والسعال الديكي، إلى جانب النكاف والليشمانيا وداء الكلب والتهابات الكبد.
“وساهم العدوان بتدميره البنية التحتية للقطاع الصحي وإخراجها عن نطاقها في جعل اليمن بيئة خصبة لانتشار الأوبئة، وتفاقم الأمراض، وضاعف من تلك المعاناة، نقل البنك المركزي إلى عدن والحصار المطبق المترافق مع العدوان وإغلاق مطار صنعاء الدولي” بحسب الحاضري.
مع ذلك، فإن عرقلة الأمم المتحدة لحل الأزمة الصحية تُضاف إلى تلك الأسباب، خاصة أن بمقدورها توفير كافة المتطلبات لتسهيل ذلك، إذ تدر إلى خزائنها مليارات الدولارات من الدول المانحة باسم إغاثة الشعب اليمني، لكنها لم تفعل.
مساحة كافية
وتقتضي إجراءات الإخلاء الطبي توفر مساحة كافية في الطائرة التي تقل المرضى مع مرافقيهم، تحسباً لحدوث أي حالة تتطلب النقل في وضعية الرقود على سرير بدلا عن المقعد، ما يتطلب طائرة توافق معايير الإخلاء الطبي، توفر المساحة اللازمة، كما جاء في اتفاقية الجسر، غير أن التغيير المفاجئ من قبل الأمم المتحدة استبدل بها طائرات أممية محدودة المساحة في حين أن “الناقل الوطني للجمهورية اليمنية طيران اليمنية أو غيرها من شركات الطيران التجارية المنتشرة حول العالم، يمكن أن توفر طائرات مطابقة للمعايير وتسيّر رحلات وفقا للمعايير الطبية المتعارف عليها، في حال عدم توفر طائرات نقل كبيرة تابعة للأمم المتحدة” كما جاء في بيان الوزارة، الذي أكد التزام الأخيرة بمتطلبات وشروط تنفيذ الجسر من قبل الأمم المتحدة وتغاضيها عن الكثير من العقبات والاشتراطات غير المبررة استشعاراً لأهمية تسهيل إسعاف المرضى من أبناء الشعب وإنقاذ حياتهم.
كذبة الجسر
العراقيل المتكررة وتبريراتها تدل على أن لا نية لدى المنظمة الدولية لحل معاناة اليمنيين، ما يمكن أن يجعل من الجسر مجرد كذبة لا هدف لها سوى مفاقمة المعاناة، خاصة وأن الكثير من المرضى، يموتون وهم ينتظرون موعد السفر لتلقي العلاج، فيما تتخذ المنظمات من المعاناة وسيلة لكسب الفائدة وتقديم نفسها على أن العمل الإنساني هدفها السامي، لا سواه.
عن ذلك يقول الدكتور درويش في حديث إلى “الثورة”، إن “الجسر حقيقة وليس كذبة؛ لأن التحركات الأممية بعد بيان الوزارة انتهت بالتزامات خطية تقضي ببدء تدشين مشروع الجسر المتفق عليه نهاية الأسبوع الجاري، إذ ينقل بقية المرضى بطائرة كبيرة، وقد طلبت منا المنظمات أن نقوم بتحضير المرضى الذين سوف يتم نقلهم في الرحلة الرسمية الأولى بما يتناسب مع حجم الطائرة لأنها ستكون كبيرة”.
شريك قاتل
وفيما أعربت وزارة الصحة عن الأمل في عدم تحول الأمم المتحدة إلى شريك متواطئ مع العدو في قتل المرضى بحرمانهم من حقهم في العلاج باستمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي، يرى درويش أنها “أصبحت، بطريقة أو بأخرى، شريكة لهم طالما أنها متساهلة بهذا الشكل وتقوم بنقض الاتفاقيات”.
كما يؤكد أن ذلك يعد أسلوباً من أساليب المنظمة لمحاولة إخضاع الشعب اليمني، بطلب من المانحين، وعلى رأسهم دول الخليج، لأنهم لم يستطيعوا إخضاع اليمن عسكريا، ويضيف “يحاولون استخدام جميع الأسلحة سواءً كانت أخلاقية أو غير أخلاقية وهي ليست حيادية إنما تتبع دول العدوان”.

قد يعجبك ايضا