محمد أحمد عبدالولي.. عاشق الأرض ونصير الإنسان

 

خليل المعلمي

يعد الأديب محمد أحمد عبدالولي أحد الأدباء والمفكرين في خمسينيات القرن الماضي، يعتبره النقاد رائد القصة القصيرة بحق في اليمن، وتحديداً مرحلة الستينيات التي أخذ فيها هذا الشكل السردي يتبلور تدريجياً في اليمن ذلك أن عبقريته الإبداعية التي استمرت حتى أوائل السبعينيات (زمن وفاته) تجلت أكثر ما تجلت في المعالجة الفنية لجملة من القضايا الاجتماعية، شغلت كتاباته السردية الساحة اليمنية في حياته ومماته.
سعت الهيئة العامة للكتاب في العام 2013م إلى إصدار الإعمال الكاملة للأديب والروائي محمد أحمد عبدالولي بعد فترة طويلة من رحيله بعد جمعها لتصل إلى القارئ الذي لا يعرف الكثير عن هذا الأديب الذي قد يصل إلى العالمية في رواياته وأعماله القصصية وتضم الأعمال روايتين “يموتون غرباء”، و”صنعاء مدينة مفتوحة” وأربع مجموعات قصصية تضم 45 قصة، وكان قد تم طباعته بعض أعماله في فترة الثمانينات في العاصمة صنعاء في تلك الفترة، في مجموعته الأولى “الأرض يا سلمى” جمع فيها باكورة انتاجه وانطباعاته عن الوطن والغربة، وأصدر مجموعة أخرى باسم “شيء اسمه الحنين” في نهاية عام 1972م، وكذلك مجموعتين قصصيتين “عمنا صالح”، و”ريحانة”.
ولد محمد عبد الولي في العام 1939م في أثيوبيا عن أب يمني وأم إثيوبية، وكان والده من المهاجرين الذين انضموا إلى حركة الأحرار اليمنيين، وأمضى طفولته في إثيوبيا، حيث درس في مدرسة الجالية اليمنية بأديس أبابا، ومن ثم عاد من غربته سنة 1946م.
سافر للدراسة في الأزهر يمصر سنة 1955م، وشارك في تأسيس أول رابطة للطلبة اليمنيين التي انعقد مؤتمرها التأسيسي سنة 1956م، سافر بعدها إلى موسكو ودرس في معهد غوركي للآداب الشهير لمدة عامين.
وبعد عودته إلى أرض الوطن بعد الثورة في شمال الوطن في سنة 1962م، انضم للسلك الدبلوماسي قائماً بأعمال سفارات الجمهورية العربية اليمنية في موسكو وغيرها من البلدان إلى أن تفرغ لافتتاح دار للنشر بتعز.
له عدة أعمال طبعت منها مجموعته الأولى سنة 1966م ومجموعته الثانية سنة 1972م. وترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والروسية والألمانية والإنكليزية، ومن أشهر أعماله الإبداعية روايته “يموتون غرباء” نشرت مسلسلة في صحيفة “الشرارة” عام 1971م ومن ثم طبعت في بيروت في دار العودة عام 1973م، وله رواية أخرى هي “صنعاء مدينة مفتوحة”، مات في العام 1973م إثر حادث انفجار للطائرة التي كان على متنها.
لقد شهدت القصة اليمنية في حياة الأديب محمد أحمد عبدالولي ازدهاراً لم يسبق له مثيل، يعود ذلك إلى تنوع تجربته وثقافته وموهبته الفنية التي صقلها بدراسة فن القصة، ولم يعتمد على جهده الفردي الذي اكتسبه من القراءة المتواصلة وإنما تابع أثناء دراسته في مصر كل الندوات والمحاضرات ودرس في معهد جوركي للآداب في موسكو مدة عامين.
وبحسب النقاد فقد وضع الأسس الحديثة لكتابة قصة ذات أفق جديد في أسلوب القص وفي التقاط معطيات الواقع من خلال رؤية فنية ولغوية توحي أكثر مما تخبر وتتعامل مع الرمز من أرقى مستوياته.
تعرف عن كثب بكبار أساتذة القصة القصيرة العرب والأجانب، وسمع تقييم كبار الأساتذة لإنتاجه القصصي المترجم إلى اللغة الروسية، وكان يحب في بداية حياته القصصية تشيخوف ويوسف إدريس وحنامينا وغيرهم، ولكن ذلك لم يدفعه إلى التقليد والمحاكاة بل ظل يكتب على سجيته، دون التفات إلى حصيلته الثقافية، فكانت مرارة التجربة التي عاشها في الطفولة والصبا هي المسيطر الأول على كل إنتاجه، وتتميز قصصه عن بقية القصص اليمنية بالمواكبة الفعلية للقصة العربية والعالمية من حيث الشكل والمضمون.
تتخذ الغربة في مؤلفاته طابعاً فلسفياً ونضاليا ويصفه النقاد بأنه ليس مفكراً وأديباً فقط ولكنه مغامر أيضاً، وقد انعكست حياته في الحبشة على أعماله وكان للتناقض بين الحياة المنغلقة في المجتمع اليمني والحياة المنفتحة في الحبشة أثر كبير في حياته وعلى أعماله المختلفة وبالتالي انتصر لعدد من الفئات المجتمعية المظلومة، انتصر للمظلومين من النساء والرجال وانتصر للمولدين الذين كانوا يعانون التمييز سواء في اليمن أو في الحبشة، وكان للمرأة مكانة خاصة في أعماله فقد اعتبرها كائناً مسلوب الحقوق والإرادة بفعل العادات والتقاليد التي يؤمن بها المجتمع.
كان للأديب محمد عبدالولي اهتمام خاص بالمغتربين الذين تركوا أرضهم وأهاليهم في ظل الأوضاع التي كانت تعيشها اليمن من أجل البحث عن العيش الرغيد خارج اليمن، وظهر ذلك جلياً في أعماله وكان من أهمها روايته الشهيرة “يموتون غرباء”، فكانت هذه الرواية تجسيداً لواقع المغتربين الذين عانوا الكثير في بلد المهجر وفيها صرخة ألم وبحث عن الذات مع تعدد الشخصيات اليمنية في هذه الرواية وكيف ينتهي الأمر بالمغترب اليمني إلى الموت غريباً في بلد غير بلده بعيداً عن أهله وعن أرضه.
وثق الأديب عبدالولي من خلال أعماله الأدبية لأهم الفترات التاريخية التي شهدت اليمن في الخمسينيات والستينيات، حيث شهدت تحولات سياسية وتاريخية وعاش متنقلاً بين عدد من الدول، بالحبشة واليمن وروسيا ومصر والسويد وألمانيا.

قد يعجبك ايضا