وديع العبسي

ترامب يخذل «المتفيقهين»!

 

 

كارثة بعض «المتفيقهين» في مراقبة الأحداث، أنهم يصرون في غالب الأحيان على رؤية الأمور بالمقلوب، فينتهوا إلى استنتاجات لا تشبه شيئاً ولا تفيد بشيء. ويزداد وقع الكارثة عندما يركن هؤلاء «البعض» إلى ما خلصوا إليه، ويبنون عليه بعد ذلك تحليلاتهم وتفسيراتهم وحتى توقعاتهم.
الأسبوع الماضي، وفيما استبشر بعض مثيريّ الشفقة البؤس، خيرا بتصعيد الغارات الأمريكية والإسرائيلية على المرافق الخدمية الخاصة بمواطني الجمهورية اليمنية لعلّها تُجبر القوات المسلحة على التوقف عن القيام بواجبها الديني والأخلاقي في الدفاع عن النفس كما والدفاع عن المستضعفين الفلسطينيين، ظهر ترامب فجأة معلنا توقف عدوانه على اليمن، وبدا الأمر كأنه قنبلة نووية على رؤوس أولئك.
فذهبوا من طرف واحد وباجتهاد شخصي يلفقون أقاصيص بلا سلطان، وكلام بلا هوية، ليبنوا سردية تُصوّر اليمن ضعيفا مستجديا رحمة أمريكا. حتى مع القول إن ترامب قد حاول إعطاء صورة في هذا الاتجاه إلا أنه كان واضحا يقينه بغياب المنطق في ما قاله. لذلك ظهر خجولا من معاتبة الآخرين ليقول ما قال.
لم يكن الأمر بحاجة لكثير من الجهد لإدراك الأمور وفهمها بشكل صحيح، ومعطيات المواجهة لا شك بأنها قد سهلت منذ الأسبوع الأول – ومنذ الحملات الهجومية الاستعراضية الأولى – توقُع مسارها لاحقا.
فواقع حال أمريكا كان مرهَقا من تعدد طلعات الاستهداف لتتجاوز الغارات الـ (1700)، ومن تساقط وإسقاط الطائرات التجسسية والمقاتلة، مع انعدام كلي لتحقيق أي إنجاز، فضلا عن الفشل الصاعق في رد هجمات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على كيان الاحتلال، والبوارج الأمريكية. ما يشير إلى أن توقُّع تصاعد فاتورة المغامرة الترامبية كان أمراً يمكن أن يفقهه المتابع البسيط.
وإذا زدنا إلى ذلك ما كشفت عنه وسائل الإعلام الأمريكية من إقرار بأن ما حدث كان انسحاباً أمريكياً جراء الغياب الكامل للجدوى من العدوان على اليمن، سنجد أولئك «البعض» إنما احتكموا إلى أمانيهم ليحاولوا تسويق سرديات لها إطار لكنها بلا متن.
ما حدث مع أمريكا ومن أمريكا، هزيمة واضحة لها، حتى وإن اعتبره «البعض» تكتيكا، فالإمبراطورية الأمريكية لم تعتد تضمين «إعلان الهزيمة» كنوع من التكتيك طوال تاريخ بلطجتها على العالم، خصوصا وإن الحملة العدوانية هذه، حملت أهدافا استراتيجية كبيرة، تتعلق بمخطط إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط والتمكين الحاسم للكيان الصهيوني للتحكم بحياة ومستقبل دول المنطقة.
لهذا جاء إعلان ترامب مفاجئا وفاجعا لهؤلاء «البعض»، ويدعم هذا القول، أن الإعلان جاء في ذروة القصف الهمجي للأعيان المدنية، ما يؤكد أن ترامب كان قد حدد خطوته التالية سابقا بالتفاوض من أجل الانسحاب، وإنما كان في انتظار أن تمكّنه صنعاء من أي ثمن لهذا الانسحاب، فهذا أمر هو بحاجة إليه أمام الشارع الأمريكي الذي قد يسوقه إلى المحاكمة بسبب همجيته ومقامرته بسمعة ومقدرات بلاده.

قد يعجبك ايضا