الإخوان المسلمون في اليمن من الحاكمية إلى العلمانية

 

محمد ناجي أحمد
بدأ نشاط الإخوان المسلمين في اليمن منذ منتصف ثلاثينيات القرن العشرين كعمل فردي مرتبط بالمرشد العام بمصر ، كفرع تنظيمي له استقلاليته، وذلك من خلال الشباب الذين ذهبوا إلى مصر للدراسة آنذاك، فتأثروا بنشاط الجوالة التابع للإخوان والتقوا بالمرشد العام حسن البنا، وحضروا محاضراتهم في مقر الإخوان بالقاهرة.
وحين بدأت حركة الأحرار اليمنيين انطلاقتها من عدن عام 1944م ،ابتداء من مطيع دماج وعثمان عقيل ،ثم هروب الأستاذ أحمد محمد النعمان ومحمد محمود الزبيري والموشكي والقوسي وسنان أبو لحوم ومحمد الفسيل وآخرين إلى عدن ،وتأسيسهم لحزب الأحرار، والذي تغير اسمه فيما بعد بسبب مضايقات الاستعمار البريطاني مراضاة ومداراة للإمام أحمد ،تغير الاسم إلى الجمعية اليمانية الكبرى، حتى لا يطالهم قانون حظر العمل السياسي ضد المملكة المتوكلية-أرسل حسن البنا إلى اليمن ذراعه الفضيل الورتلاني ،وكان للورتلاني خبرة في العمل السري في مواجهة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، التي تركها منفيا أو هاربا، وهو كذلك من تلاميذ عبد الحميد السنوسي، فقد عمل سكرتيرا يدون له خطبه وبرامجه في الإذاعة.
أرسل الورتلاني إلى اليمن تحت غطاء إقامة شركة نقل وبعض المشاريع التجارية في اليمن، وكانت تحركاته في عدن وصنعاء تحت هذا الغطاء، حتى تمت حركة 1948م باغتيال الإمام يحيى حميد الدين، وتنصيب عبد الله الوزير إماما وملكا على اليمن، وقد اشترك الفضيل الورتلاني مع الأحرار في صياغة (الميثاق المقدس) وتوزيع محاصصات الوزارات والإدارات على مكونات حركة 1948م، والتي كانت موزعة بين السادة والقضاة وبنسبة أقل لمشايخ الزراعة والمثقفين، وغاب عنها مشايخ القبيلة، مما يعني أن حركة 1948 كانت تغييرا لرأس الحكم فقط، مع بعض الإصلاحات السياسية التي كانت تصريحات عبد الله الوزير تشي بالإطاحة بها وبمن يتبناها!
في عدن كانت حركة الإخوان المسلمين ممتزجة بالدعم الوهابي والاستعمار البريطاني ،وقد بدأت نشاطها الدعوي والتعليمي من خلال المعهد الإسلامي، وخطب الشيخ البيحاني ،في أواخر الأربعينيات وعقد الخمسينيات ،وكان لعمر طرموم في أواخر الخمسينيات نشاطه مع الإخوان المسلمين، وإن كانت بداياته في لحج كشاب متوقد ومعارض للاستعمار، وقد سجن وقتها أواخر الأربعينيات، لكنه لم يكن وقتها مُنضمَّا لحركة الإخوان.
مع ثورة 26سبتمبر1962تحرك الإخوان المسلمون كرديف للقوى المحافظة، والتي حددت ميثاقها ومقرراتها في مؤتمر خمر 1965م،لكنهم مع عام 1969م أصبح لديهم تنظيم سموها (الطليعة العربية الإسلامية)ومراقب عام هو عبده محمد المخلافي، كتحول لنشاطهم في مكتب التربية والتعليم ومدارس تعز والمركز الإسلامي بتعز ،والذي تكلل بعمل تنظيمي ينقلهم من النشاط الفردي إلى النشاط الجماعي، المحتمي بالقبيلة السياسية، والمعبر والمنفذ لتطلعات مشتركة بينهما.
كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، بعد اغتيال عبده محمد المخلافي بحادث سير في نقيل سماره عام 1969م-هو المظلة الجامعة للقبيلة السياسية والإخوان المسلمين في اليمن. وما كان له أن يهيمن على حركة الإخوان لو استمر المخلافي حيا، بل ولما استطاعت السعودية أن تحول الإخوان من تنظيم أيديولوجي إلى مجرد أداة وهابية تنفذ أجندتها السعودية والدولية!
كان استثمار الدين كرأسمال رمزي لحركة الإخوان يبدأ من مطالبتهم بإضافة مادة الدستورية ،ففي الدستور المؤقت للجمهورية العربية اليمنية، الصادر بصنعاء في 19 من ذي القعدة 1382هـ،الموافق 13أبريل 1963م الذي اكتفى بالنص على أن “الدين الإسلامي دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية” تاركا مسألة التشريع مفتوحة على الاجتهادات المتعددة ،ومصالح الناس، دون تقييد بمذهب. ومن الواضح من ديباجة الدستور المؤقت في مقدمته تأثره والتزامه بالنهج العروبي والوحدة العربية، فقد بدأ “باسم الشعب اليمني العربي :الذي استقر في ضميره أن الوحدة العربية أصبحت حقيقة الوجود العربي ذاته، من واقع وحدة اللغة التي صنعت وحدة الفكر والعقل…ومن واقع وحدة التاريخ التي صنعت وحدة الضمير والوجدان…ومن واقع وحدة الأمل التي صنعت وحدة المستقبل والمصير، فغدا يشعر بوجود جزء لا يتجزأ من الكيان العربي، ويقدر مسؤولياته والتزاماته حيال النضال العربي المشترك لعزة الأمة العربية ومجدها” نصوص يمانية –علي محمد العلفي-بغداد 1978م.
ومع الدستور الدائم الأول الصادر 27-أبريل 1964م كان نفوذ القوى المحافظة المتكتلة منذ مؤتمر عمران ،فقد تم إضافة المادة (4)من الباب الأول، والتي نصت على أن “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا” المرجع السابق.
وهكذا فإن استثمار هذه المادة ظل يعكس نفوذ القوى المحافظة التي كان مؤتمر خمر 1967معبرا عنها ،وعن ميثاقها ومقرراتها ونفوذها وطموحاتها.
وفي الدستور المؤقت الثاني 8مايو 1965م استمر إثبات هذه المادة، وكذلك في الدستور المؤقت الثالث الصادر 25نوفمبر 1967م،وكذلك في الدستور الدائم المنشور في الجريدة الرسمية 30ديسمبر 1970م.
وظلت هذه المادة تعبيرا أيديولوجيا تستثمرها حركة الإخوان المسلمين، تستظل بريعها الوهابي، وتفسرها بكونهم هم مصدر القوانين جميعا!
ومع قيام الوحدة اليمنية، والاستفتاء على دستورها الذي نص على أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع، شعر الإخوان بتهديد وجودي لسلطتهم ورأسمالهم ،كونهم ظل الشريعة ،بل الشريعة ظل لهم تتحرك وفق أفهامهم!
فكان التحشيد في المساجد وفي المدارس وفي المعسكرات وفي الساحات العامة ضد هذه الدستور العلماني بحسب وصفهم، وكان برنامجهم الانتخابي لعام 1993م،والمكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة ،تحت شعار:
(أوضاع نصلحها وشريعة نحكمها وعلمانية نرفضها)
ويومها أعلنوا بكل وضوح أن تغيير الدستور لن يعتمد على مدى حصولهم على أعضاء في البرلمان، وإنما سيستخدمون كل سبل التحشيد وأدوات القوة لإسقاط ذلك الدستور العلماني بحسب وصفهم. وأنهم سيعملون على تغيير الأنساق الاجتماعية في المحافظات الجنوبية ،التي حكمت “بغير شرع الله” حسب تصريحات قادتهم وخطبائهم ووعاظهم!
لقد استخدمتهم قوى خمر في مواجهة الحزبية ،وضرب اليسار، وقد انعكس ذلك في مؤتمر الشباب الذي عقدوه في 3مارس 1969م كمعارض لمؤتمر الشباب اليساري والقومي، وجاءت مقررات مؤتمر شباب الإخوان في صنعاء وتعز تطالب بقيام محكمة شرعية عليا لأمن الدولة يقدم إليها الحزبيون.. واشترطوا في عضوية المجلس الوطني أن يكون مستقيما صالحا ومدركا لروح الشريعة الإسلامية ،وأن يتعهد بعدم موافقته على أي قرار يخالف الشريعة الإسلامية، وألا يكون حزبيا..ويرفض شباب الإخوان رفضا قاطعا دخول أي حزبي في المجلس الجمهوري أو مجلس الوزراء..وهددوا بأنهم سيقدمون التضحيات من أجل تجنيب البلاد الحكم الحزبي!،واعتبروا الجيش الشعبي هو الذي “ضحى من أجل شرف اليمن وعزها وكرامتها”ص186-189نصوص يمانية-علي محمد العلفي.
اليوم أصبح العديد من قيادات التجمع اليمني للإصلاح، وهو التجمع العلني لتنظيم الإخوان وقواهم القبلية والتجارية والعسكرية-أصبحت تنادي بما سموه على لسان عبد الله صعتر في فعاليات ومهرجانات11فبراير 2011م بإقامة الدولة المدنية، بل وعلى لسان شيخ مشايخ حاشد آنذاك صادق الأحمر، ورئيس تجمع الإصلاح محمد عبد الله اليدومي، وإن كان الجناح السلفي للإخوان بقيادة الشيخ عبد المجيد الزنداني ومن يتبعه كالبرلماني عبد الله أحمد علي يرفضون ذلك استمرارا على نهجهم في العقود الماضية- إلا أن القيادات الوسطية للتجمع اليمني للإصلاح كتوكل كرمان أصبحوا ينادون بإنشاء الدولة العلمانية صراحة، بل ويعلنون اتفاقهم مع تفسيرات للمفكر محمد شحرور ،والعديد من كتبه ،ومنها كتابه(الكتاب والقرآن) الذي جمع بين ثبات النص وحركة التفسير وفقا لتغير الأحوال.

قد يعجبك ايضا