سعر الدواء

 

احمد ماجد الجمال*

أي دواء أو مستحضر طبي لا يمكن أن يسوَّق في أي دولة إلا إذا اكتمل له ما يسمى بملف المستحضر يقدم إلى الجهات المختصة عادة وزارة الصحة أو إحدى الجهات المتخصصة التابعة لها ويسجل ويعتمد ثم تعطى الموافقة ببيعه وتسويقه، كما يقدم هذا الملف إلى دول يراد أن يسوق فيها هذا المستحضر بعد أن يخضع الدواء لدراسات تحدد من خلالها جودة الدواء ودراسة الجدوى .
لكن كيف تتم عملية تسعير الأدوية فكل دول العالم تحرص عبر اجهزتها التنفيذية على تحديد أسعار الأدوية لضمان أن تكون متاحة للجميع بأسعار مناسبة بعد تسجيلها والتأكد من فاعليتها ومستوى عال من درجة الأمان من بلد المنشأ بعيداً عن التالف أو المغشوش أو المخزون المنتهي الصلاحية لأنها مرتبطة بالصحة العامة للمجتمع.
التسعير عبارة عن سعر السلعة المادية مضافاً إليها القيمة الاقتصادية وهو المدخل الصحيح لدراسة السعر ومحاولة ضبطه يتمثل في تحليل جانب العرض والذي يحدد العرض هم المنتجون والمستوردون وتحديد الربح يعتمد كثيراً على ضمير المنظمين والاعتماد على الضمير في تحديد الأسعار غالباً لا يصيب.
على الجانب الاقتصادي لكيفية تسعير الدواء تقوم الجهات الرقابية الحكومية ذات العلاقة بالرقابة والجودة بوضع قائمة بالأسعار لكونها ليست سلعة اقتصادية عادية فهي تختلف عن بقية السلع والبضائع المتوفرة في الأسواق حيث تباع من طرف ثانٍ عادة (شركات الدواء) إلى الطرف الأول وهو المشتري (المريض) بطلب من طرف ثالث (الطبيب) لذلك لا تخضع لآلية الاقتصاد المعروفة والمعتادة والمبنية على مقياس العرض والطلب في المنتجات العادية .
فتطابق السعر مع القيمة الحقيقية للسلعة هو السعر المتوازن ومن هنا تظهر أهمية قيام الجهات الرقابية بإضافة هامش الربح وبالنسب المعروفة عالمياً لا تتجاوز ما بين (15-20%) من إجمالي التكلفة الفعلية للسلعة .
الحال في بلادنا يحتاج إلى وقفة جادة لضبط أسعار الدواء من جانب الجهات المعنية فسوق الدواء يواجه تحديات كبيرة في ظل المعاناة المستمرة من فروق وارتفاع الأسعار الملموس من مكان إلى آخر، ولماذا ارتفاع الأسعار ووجود الفروق السعرية لصنف الدواء وغيره من الأدوية التي تعد بمئات الأصناف لدينا ولماذا تتعامل المصانع والشركات الموردة للأدوية والصيدليات في الدول الأخرى بمعقولية في ارباحها بينما نجد العكس؟.
وللحد من التلاعب بالجودة والأسعار يمكن للجهات المختصة إطلاق منصة تطبيق الكتروني على الهواتف الذكية ومواقعها الإلكترونية (وإن كان المتوفر حالياً لا يغطي كل الاصناف) عن قوائم كل اصناف الأدوية المتوفرة في السوق وأسعارها بشكل مبسط وواضح ومباشر للمستهلك العادي ويستوعبها ويسهِّل له الوصول إلى السعر الحقيقي وأماكن توفر تلك الأدوية وضوابط إجرائية كطبع سعر الدواء على العلبة الخارجية غير قابل للكشط حتى يتحقق السعر العادل ومبدا الأمن الدوائي الخالي من المخاطر لمتناولي ومستخدمي الادوية.
في جميع دول العالم يتم تسعير الدواء بشكل واضح مبني على قواعد وأسس علمية معتمدة تتمتع بمبدأ الشفافية بالمواصفات العالمية وتكون معلنة ومنشورة وبهذه الطريقة تضمن الوصول إلى أقل سعر ممكن وجودة عالية ويكون متوفراً في السوق وتتبع متغيرات السعر عالمياً حتى ينعكس ايجاباً في السوق المحلي .
ومع ذلك لكل دولة خصوصية تنبع من منظومتها الضريبية وكلف الصناعة أو التجارة المرتبطة بأسعار الكهرباء والوقود والرواتب والشحن والتخليص والتخزين والتأمين.. ومنظومة التسعير تشرف عليها جهات متخصصة وبالعادة تكون متطورة وتمتلك كل الوسائل والامكانات المادية وغير المادية تساهم في جعلها متوافقة والآليات الإقليمية والدولية في التسعير فالمقارنة لا تتم بمعزل عن كل هذه المتغيرات .
ومن أبرز تلك القواعد والحيثيات المعتمدة في وضع سعر الدواء :
1 – سعر الدواء في جميع دول العالم المسوق بها عالمياً أكثر من (ثلاثين دولة معتمدة تتقارب مستوياتها الاقتصادية) .
2 – أهمية الدواء ومدى توفر بدائل أخرى بالمواصفات والمقاييس والجودة وفقاً لأحدث النظم العالمية .
3 – الدراسات الاقتصادية الحديثة للدواء إن كان جديداً.
4 – التنافس بين المصنعين والمستوردين بعدالة وشفافية .
5 -سعر الدواء المشابه له والمسجل في الدولة .
وغيرها من القواعد والمعطيات العلمية التي تتم عبر لجان فنية متخصصة غالبية اعضائها محايدون لضمان اتخاذ القرار السليم بعيداً عن ضغوط المصالح.
إضافة إلى تنوع صناعة ومصادر واستيراد الأدوية ودرجة الجودة وتباين مستوياتها وأسعارها وطرق النقل والتخزين والتسويق وبدائل كافية ومضمونة وآمنة للمريض محدود ومتوسط الدخل, ومن أسس متابعة أسعار الأدوية مراجعة السعر بشكل مستمر وليس فقط تسعير الدواء لحظة تسجيله وانما إعادة تسعيرة بشكل دوري خلال فترة صلاحية تسجيل المستحضر الدوائي بمتوسط خمس سنوات أو أكثر أو أقل أو عند انتهاء رخصة تسويقه- أي بعد انتهاء تسجيله بنفس المدة الزمنية- كما تؤخذ أدوية مستهدفة بالخفض خاصة أدوية الأمراض المزمنة كالقلب والسكري وغيرها من خلال متابعة أسعارها عالمياً لضمان الحصول على أسعار أقل ,وعلى هذا الاساس من اللازم مكافحة سُعار الأدوية ويجب أن يكون من ضمن الأولويات الحيوية لأنها من أهم وسائل مساعدة أفراد المجتمع .
*باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا