العم طه عبدالصمد قبلة في جبين كل من عرفه

 

حسن حمود شرف الدين

بداية اسأل الله تعالى أن يتقبل العم طه عبدالصمد بواسع الرحمة والمغفرة وان يلهمنا نحن من عرفناه وعملنا معه سويا وأسرته وكافة أهله وأصدقائه الصبر على فراق مخزون تاريخي صحافي كبير جدا.
من يعرف العم طه بالتأكيد يتذكر قبلاته على جبينه كلما التقى به.. رغم كبر سنه كان حريصا جدا مشاركة جميع الزملاء دون استثناء أفراحهم وأحزانهم.. فتجده أول الواصلين إلى قاعات الأفراح لمشاركة الشباب من الموظفين أفراحهم في أعراسهم، تجده أول الواصلين أيضا إلى قاعات العزاء إذا ما توفي أحد الزملاء أو توفي أحد من أقربائهم.
كان حريصا على تعزيز العلاقات الاجتماعية رغم بعد منزله عن مقر عمله صحيفة الثورة.
رغم خطواته البطيئة لم تثنه عن حضوره والتزامه بالعمل اليومي في إدارة التصحيح اللغوي لصحيفة الثورة التي تصدر كل يوم.
في عام 2003م في شهر ابريل تقريبا كان أول لقاء لي بالعم طه عندما اجتزت اختبار القبول للوظيفة، كانت الورقة التي طبعتها على جهاز الكمبيوتر وذهبت بها إلى إدارة التصحيح مليئة بالكلمات الحمراء التي تدل على وجود أخطاء مطبعية كثيرة.. قال لي العم طه: أنت أول يوم لك دوام في الصحيفة؟ فاجبته بنعم.. قبلني في جبهتي وقال هكذل يبدأ الجميع وسرعان ما تتأقلم مع العمل ويصبح هذا الموقف من الذكريات.. وفعلا مرت الأيام وكان العم طه يراقب تحسن أدائي يوما بعد يوم إلى أن جاء مرة إلى جواري واخبرني بأني أصبحت متفوقا في عملي في وقت قياسي لم يكن يتوقعه.. حقيقة لا أعلم هل كانت كلماته تلك تشجيعية لي أم كانت حقيقية.. لكن كلماته تلك تركت أثرا كبيرا في نفسي وجعلتني أكثر اهتماما وحبا لعملي.
العم طه كان ذاكرة تاريخية كبيرة ومنصفة للتاريخ.. كان في شبابه كما أخبرني معارضا مشاكسا سياسيا تعرض لكثير من المضايقات أبرزها حرمانه من عمله في أحد البنوك الحكومية بسبب مواقفه السياسية.. لم يكن متأسفا على مواقفه التي حرم بسببها من مصدر دخله الرئيسي يوما.
اتجه العم طه إلى العمل الصحافي وكانت له بصمات كثيرة في عدد كبير من صحف المعارضة يتذكرها الرعيل الأول والثاني من الصحافيين اليمنيين.. كانت عناوين صفحات تلك الصحف تعج بالسخرية والجدية.. استمر في عمله الصحافي أحيانا باسمه وأحيانا أخرى بأسماء مستعارة وأحيانا كثيرة بدون اسم.. إلى أن تشبع من العمل الصحفي وأصبح مستشارا ومرجعا إعلاميا وصحافيا للإعلام المعارض حتى نهاية التسعينيات تقريبا.. في هذه الفترة التحق بصحيفة الثورة كمصحح لغوي ليختتم حياته السياسية والصحافية كمصحح استثنائي تميز بمراجعة مضمون الأخبار والتقارير والتحقيقات والمقالات قبل أن يهتم بالأخطاء اللغوية أو المطبعية.. كانت كثير من المواد الإعلامية تحذف من صفحات الصحيفة أثناء التنفيذ بسبب ملاحظة انتبه لها العم طه هذه الملاحظة تخالف سياسة الصحيفة أو تخالف توجه الحكومة كون صحيفة الثورة ناطقة باسم الحكومة وتمثلها.
من عرف العم طه يعرف جيدا أنه كان يفصل بين توجهاته ومعتقداته السياسية وبين عمله الذي يعتبره التزاما أخلاقيا قبل أن يكون التزاما قانونيا.
تميز العم طه إلى جانب خبراته السياسية والصحافية بأنه كان موسوعة ثقافية يحفظ لكثير من الشعراء، بل كان العم طه شاعرا ساخرا ومثقفا جادا.. في الأشهر الأخيرة الماضية كان لديه مشروع كتابة حرة مرجعها ذاكرته، فبدأ ببعض الكتابات المطولة.. كان يطمح للبدء بكتابة مذكراته لكنه لم يستطع.
كان العم طه يصارع المرض منذ أعوام، لكنه يفضل الحضور إلى مقر عمله على الاستسلام للمرض والقعود في المنزل.. حتى أيامه الأخيرة فقد أجبره المرض على القعود في المنزل وتم نقله من صنعاء إلى مسقط رأسه تعز ليفارق الحياة وهو وسط أسرته وأولاده كما كان يتمنى.
كان آخر تواصلي به قبل وفاته بأيام حين كنت اتصل به تلفونيا لأسمع منه بعض الكلمات فينفصل الخط كأنها إشارات بأن حياته معدودة وأنه سيغادر الحياة.
رحل العم طه وتبقى ابتساماته وكلماته وخطواته المميزة مرسومة في كل زاوية من زوايا مؤسسة الثورة فقد عمل في صحيفة الثورة ومجلة معين وصحيفتي الوحدة والرياضة.. كان يرى الجميع أولاده وكنا نراه أبا وزميلا وصديقا.
إنا لله وإنا إليه راجعون

قد يعجبك ايضا