الشارع العربي ينتفض

أحمد يحيى الديلمي

 

يبدو أن المنظومات السياسية في الوطن العربي ووصلت إلى مرحلة الترهل والعجز التام عن تقديم أي شيء، مما دفع الشارع العربي إلى التحرك برؤى مختلفة وأهداف موحدة ، إذ أجمع السيل الدافق في الكثير من العواصم العربية على ضرورة إسقاط المنظومات السياسية الحاكمة لأنها أوصلت الأمور إلى طريق مسدود ، واليوم وجد الإنسان العربي نفسه في صحراء غارقاً في الهموم يفتك به الجوع ويستبد به العوز وتتقاذفه الخيانات وحالات الارتهان المريب للآخرين ، مما أضطره إلى الخروج والتعبير عن نفسه لتحقيق عدة غايات منها :
إسقاط هيلمان القداسة بمن كانوا يسمون بمناضلي حرب التحرير وصناع الثورات التي ما إن انتهوا من صنعها إلا وبادروا إلى إسقاطها بأنفسهم وبفعل النفوس القاحلة التي انطلقت من مراتع الجوع إلى كراسي الحكم فأصبحت غير قاردة على تقديم أي شيء مما جعلها تتحول إلى عاهات في أجساد الشعوب ، أجبرت المواطن البسيط على التحرك والعمل على كسر الحواجز الطائفية وزلزلة الكيانات الهلامية كما يحدث الآن في لبنان، إذ خرج الشارع اللبناني لإسقاط زعماء الطوائف وأمراء الحرب ودكاكين المتاجرة بأحلام المواطنين.
ما ميز حركة الشارع الآن عن ما سُمي بثورة الربيع العربي أنها حركة عفوية بعيدة عن الأحزاب والكيانات السياسية ، بل ولم تتأثر بالاتجاهات الخارجية لكنها نبتت في الشارع العربي في الجزائر وبيروت والخرطوم وبغداد ، كلها تتحدث عن هموم الإنسان العربي واتفقت على شيء واحد وهو إسقاط المنظومات السياسية الحاكمة بعد أن أصبحت غارقة في المحاصصة والبحث عن موضع قدم في دهاليز السياسية وقنوات الحكم على حساب أي شيء ، وبعد أن أمضت أربعة عقود من الزمن وهي تسخر الشارع لسلطة الحكم القائم ولو عبر لي أعناق النصوص وتوظيفها لشرعنة ما تمارسه السلطات من حروب عبثية وأعمال تعسف إجرامية وكل صور الظلم والجور ضد المخالفين او من ينتقد نهج النظام القائم ويرفع لواء المعارضة بهدف تكميم الأفواه وأتباع أساليب الإقصاء والتهميش والسحل لضمان إخضاع العامة لإرادة السلطة القائمة وإجبار كل مواطن على الطاعة العمياء والتسبيح بحمد الحاكم بعد إضافة نوع من القداسة عليه واعتبار أي استهداف لشخصه خيانة للوطن واعتداء على منهج العقيدة .
وهنا تتضح خيانة بعض علماء الدين الذين شرعنوا الظلم وأصدروا الفتاوى التي عبرت عن ثقافة عليلة بعيدة كل البُعد عن مضامين الدين الحنيف وبالتالي فإن هموم وهواجس المواطنين ووحشيه المظالم وكل الأعمال التي انتهكت الكرامات والحريات اليوم هي التي حركت الشارع العربي وإن كانوا قد التفوا على بعض هذه الحركة إلا أنها ستظل قائمة بسبب السياسات غير السوية لسلطات الحكم ، وهذه هي الضمانة الوحدة لاستمرار وهج الثورة أو الانتفاضة ، لا أقول ثورة كي لا أقع في المصيدة كما حدث في ما سُمي بثورة الربيع العربي ، فلقد كادت تسقط آمال الجماهير بعد أن تحول من تزعم تلك الثورة إلى مفاوضين في دهاليز السياسة.
ما يؤكد صحة الحركة القائمة الآن أنها تتمدد وستصل في القريب العاجل إن شاء الله إلى دول الخليج المثخنة بأموال النفط ، فالشارع في هذه الدول سيتحرك ويثور على عفن الحكم ويرفض الانقياد المهين لسلطة الأمر الواقع ببعديها الديني والسياسي ، وإن شاء الله الأمل كبير جداً بأن الإنسان العربي يستعيد كرامته المسفوحة ويعود إلى موقف الرفض القوي لكل ما يحاك ضده وفي المقدمة دعم الثورة الفلسطينية واستعادة حق هذا الشعب العربي الفلسطيني المظلوم المسلوب .
نحن كمواطنين عرب بحاجة إلى التلاحم واقتسام لقمة العيش ، والنظر إلى الواقع بأفق قومي كما كان في الماضي ، وأن نعمل على عدم انقسام العقول لأن انقسامها يعني التمزق والضعف والاستكانة والبقاء في مجاهل الغيبوبة المقيتة ، لابد أن نواجه ذواتنا بعقل ووجدان وضمير صاح حتى ننتزع الغل والحقد والكراهية المتوغلة في النفوس من الأعماق ، ونختم بقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :
(( أنزع الحقد من صدر خصمك بانتزاعه من صدرك ))
والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا