تأتي هذا العام ذكرى (النكبة الـ76) لإعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية بنكهة أخرى ومذاق جديد غير معهود ولم يحدث أن عاشته فلسطين طيلة سنوات وعقود الاحتلال، ولم يحدث أن عاشه الاحتلال منذ أن تأسس في غفلة من التاريخ والوعي العربي برعاية استعمارية هي ذاتها التي تقف اليوم شريكا فاعلا للاحتلال في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب العربي الفلسطيني الذي يكافح من أجل تحرير وطنه ومن أجل حريته واستقلاله منذ أكثر من مائة عام بدءا من الاحتلال البريطاني البغيض لفلسطين ومن ثم الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الأكثر بغضا..
اليوم تأتي ذكرى النكبة بقدر كبير من العنفوان غير المسبوق بفعل معركة (طوفان الأقصى) التي أذهلت المحتل واربكت رعاته، طوفان لم تقف في نطاق الجغرافية الفلسطينية، ولم تذهل تداعياتها المحتل الصهيوني، بل معركة اربكت العالم وفجرت تجاويف الذاكرة لدى شعوب العالم وخاصة شعوب الأنظمة الراعية للكيان والشريكة الفعلية معه في كل جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب العربي في فلسطين منذ 76 عاما خلت..
اليوم تحتفل فلسطين الأرض والإنسان بذكرى النكبة في ظل هزيمة يتجرعها الاحتلال ورعاته وفي ظل حضور القضية في ذاكرة العالم، وفي ظل جرائم يرتكبها المحتل الصهيوني تدلل على نهاية الاحتلال وعن حالة احتضار وجودي للكيان الذي قام في غفلة وسيذهب بإرادة الشعب الذي رفض التطويع ورفض أن يعيش حياة الظيم ورفض كل مشاريع الاستسلام..
إن ما تشهده فلسطين اليوم يؤكد حتمية التحرير والانتصار وأن ليل الاحتلال سيزول مهما طال لا بد أن يبزغ نهار الاستقلال ولا بد لشمس الحرية أن تشرق هكذا قال وتنباء ذلك الفلسطيني المعجزة (غسان كنفاني) في روايته (عائد إلى حيفاء) و(رجال في الشمس) و(أرض البرتقال الحزين) و(أم سعد) و(الرجال والبنادق)، ولم يكن غسان فلسطين كاذبا في ما تطلع إليه وحلم بتحقيقه وان اغتالته أيادي الإثم الاستعمارية فإن تنبؤاته تتجه نحو التحقق وأن تأخرت..!!
طوفان يواجه كيان الاحتلال ليس في نطاق مواجهته للمقاومة بعد ثمانية أشهر من الفشل الصهيوني، لم يحقق خلالها الصهاينة انتصارا يذكر رغم بشاعة المجازر التي ارتكبها الاحتلال والتي تعكس وحشيته وهمجيته وانحطاطه وانحطاط رعاته في واشنطن وبقية العواصم الاستعمارية الغربية..!
إنه طوفان كوني انطلق من غزة ليحلق في آفاق الخارطة الكونية فكان أشبه بجرس أيقظ ذاكرة احرار العالم الذين هبوا لنصرة فلسطين وقضية شعبها العادلة، فكان هذا أصعب طوفان بالنسبة للاحتلال من طوفان غزة والمقاومة، نعم أسوأ ما يرعب الكيان هو طوفان الحراك الشعبي العالمي خاصة حراك النخب داخل الدول الراعية له ولجرائمه والذي يوحي أن هناك تبدلاً في مزاج الرأي العام النخبوي والشعبي عالميا تجاه العدو الذي انتهت أساطيره ومزاعمه وأكاذيبه التي ظل يسوقها للعالم على مدى ثمانية عقود خلت..!
إن ذكرى النكبة لهذا العام تأتي كفعل ارتدادي حيث البهجة فيه للشعب المقاوم وليس للكيان المحتل، والفرحة فيه للشعب المحتل وليس للمحتلين، النار تشتعل ضد الكيان وداعميه من باب المندب وشواطئ اليمن والبحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، إلى صحارى الأنبار العراقية وجنوب لبنان بسهوله وجباله، وعلى امتداد خارطة فلسطين، تشتعل النار المتوهجة إيذانا بقرب الانعتاق من أسوأ وأقبح وأبشع احتلال صهيوني استيطاني قام على الكذب وعاش بالكذب والكذب ثقافة يعتمدها في كل مناحي حياته، غير أن حبل الكذب قصير وخاصة في ظل معركة الطوفان التي أوقدت نارها ولن تخمد إلا بنهاية الاحتلال وقد حان وقت رحيله بإذن الله وإرادة رجال المقاومة أحرار الأمة.