مرآة الشرق

صدر مؤخرا عن دار صفصافة للطبع والنشر بالقاهرة، ترجمة عربية لكتاب “مرآة الشرق”، الذي يضم مجموعة أبحاث حول الأدب الإسلامي في الأندلس، من ترجمة محمد عبد الفتاح السباعي.
ويقول المترجم إن الغرب تمكّن من الانقضاض على الشرق، وانتزع منه الأندلس، وأجبره على التراجع إلى الجانب الآخر من المتوسط تاركاً له فيضاً من الذكريات والحنين كتب عنه وله الكثير، وهو ما منح الغرب مصادر متعددة لأساطير بديلة، فبعد استلهام الكتابة من أساطير “روما” و”أثينا” وأبطال العصور القديمة بآلهتهم ؛ ظهرت الكتابة استناداً لحكايات عن سلاطين الدولة العثمانية وأساطيلها البحرية وقراصنتها، وعن “المورو” وفرسانهم و”البربر” وثقافتهم.
ويضيف أن ظاهرة القرصنة التي وُلدت في القرن السادس عشر، ولم تتوقف سوى في القرن الثامن عشر مع بدء تقدم أوروبا وتركيز جهودها على استعمار الشرق، والتسابق على خطف السفن والرعايا بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، كانت من أهم مصادر الكتابة والعامل الرئيس في تطوير الشكل الروائي الأوروبي بحسب مؤرخي “القارة العجوز”.
ويشير إلى أن المادة التاريخية عن “غرناطة” هي ما سمحت أكثر من أي شيء آخر بإدخال التاريخ داخل الروايات، لا سيما روايات الأسر، التي كانت تستقي معلوماتها من أفراد مروا بالتجربة، إما من رجال دين يعملون في جمعيات وهيئات مهمتها تحرير المسيحيين “المختطفين” في الشرق، أو من دبلوماسيين تفاوضوا على تحرير رهينة في الجزائر وأخرى في القسطنطينية.
ويتحدث عن واقع البعد الجغرافي والرمزي والجمالي لروايات كتبها أدباء عرب بعد طردهم وموت حضارتهم في بلاد عاشوا فيها مئات السنين، وكان ملهماً للأدباء الأوروبيين في إعادة إنتاج تلك الأعمال مع الدمج بين الثقافتين في حبكات تتضمنها قصص وروايات ومسرحيات، وتشتمل على أنسجة متشابكة أدبياً وتاريخياً بشكل يجعلها عصية على الفهم لذوي الخلفيات الثقافية المحدودة، فالتاريخ الموريسكي في الأندلس فرض على الأدبين الفرنسي والإسباني تحديداً، شخصيات عربية أدت أدوار البطولة المطلقة في أحيان كثيرة، من دون أن يكون المؤلف مجبراً على أن يعرّف بها القارئ للرواية أو المتابع للمسرح.
ويقول المترجم إن “سيمونا موناري” أستاذة الأدب المقارن بجامعة تورينو الإيطالية، رأت في ورقتها و “غرناطة في الأدب الأوروبي.. أساسات وتحولات أسطورة أدبية” أن غرناطة هي شعار البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من كونها مكاناً لتبادل إنساني وثقافي وفني؛ فإن تلك المدينة الرومانية لم تتطور إلا في القرن الحادي عشر، حينما أصبحت عاصمة لإحدى الممالك المسيحية الإسبانية. وحينما انطلق الغزو المسيحي لاقتناص إسبانيا من أيدي المسلمين؛ كانت غرناطة عاصمة لآخر مملكة إسلامية وكانت تحت حكم بنو نصر، والنصريين أو بني الأحمر، وهم آخر السلالات الإسلامية في الأندلس الذين حكموا في الفترة من 1232 إلى 1492، وعقب ذلك التاريخ لم تعد غرناطة جزءاً من الخريطة الجيوسياسية للعالم الإسلامي، ولكنها حفرت لنفسها مكاناً مميزاً في الذاكرة التاريخية والأدبية، فبعدما كانت مدينة إسلامية، أندلسية ومورية (نسبة إلى مورو)، أصبحت رمزاً لانتصار مسيحي وإطار لخيالات روائية فرانكو-عربية.
ويشير إلى أن “موناري” أكدت أن الموضوع الأدبي الخاص بالاستيلاء على غرناطة شهد نجاحاً كبيراً في فرنسا، لا سيما في القرن السابع عشر، فخلال هذا القرن الإسباني – كما يطلق عليه الفرنسيون- نجد أنفسنا أمام انتشار معرفي مميز بتاريخ إسبانيا وأدبها في الوقت نفسه؛ إذ كانت حروب غرناطة هي الهدف من الاتصال والمواءمات، سواء على صعيد كتابة التاريخ أم في مجال كتابة الرواية، إذ فرضت معرفةُ ذلك الحدث والأعمال الإسبانية التي تناولته؛ على الحضارة الأدبية الفرنسية نهجاً موضوعياً “عربياً-إسلامياً غرناطياً” يمتلئ بأحداث متنوعة متقلبة.

قد يعجبك ايضا