مقارنة بين الاستبداد والحزم

حسن سعيد الدبعي
كتب العديد من الباحثين الذين تأثروا بالغرب واطروحاته الفكرية والسياسية بدون مناقشة أو مراجعة: “من أن الاستبداد بنية كاملة في الفكر العربي الإسلامي ولذلك فأن دعوات الإصلاح لا تستقيم وهذه المفاهيم المستبدة في إشارة إلى المقولة الشائعة المستبد العادل التي اطلقت على الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحكم والإدارة ولكنها كما نعتقد جاءت هذه المقولة محرفة من معناها، بحيث لا تعبير فيها عن المفهوم المتعارف عليه في التراث العربي الإسلامي وهو الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وإنما بمعنى الاستبداد وفق المفهوم الغربي وهو الانفراد بالرأي والسلطة دون أن تكون هذه السلطة خاضعة للقانون ودون النظر إلى رأي المحكومين..الخ.
فكيف انتقل هذا المفهوم الاستبداد بمضامينه وحمولته الفكرية الغربية إلى المفهوم العربي الإسلامي ومن هو قائل هذه العبارة؟ وهل قصدت عبارة المستبد العادل بمعناها الغربي بتلك المضامين السلبية؟.. شاعت مقولة الاستبداد في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بين الإصلاحيين الإسلاميين من خلال بعض كتابات ومقالات مختلفة ومن هؤلاء عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد وجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده من خلال مجلتهما العروة الوثقى .. والحقيقة أن مقولة المستبد العادل انتقلت من أوروبا إلى الشرق فالحل الذي ارتأه جمال الدين الأفغاني لمشكلات الشرق انما هو المستبد العادل الذي يحكم بالشورى وهذه المقولة التي قالها الأفغاني لا تعني أنه أيد الاستبداد بمضامينه المعروفة إنما تعني الحزم والقوة والعدل في ظل الظروف التي يعيشها العالم الإسلامي في فترة تكالب الدول الاستعمارية للسيطرة عليه فهذا القول لا يؤكد أنه يؤيد الاستبداد السلمي بمفهومه الديكتاتوري المتسلط.
والواقع أن مقولة المستبد العادل التي قالها الشيخ محمد عبده أو الحاكم القوي العادل عند جمال الدين الأفغاني هي مناسبة واحدة فقط لا تعبر عن موقف ثابت من مسألة الاستبداد من هؤلاء الإصلاحيين المسلمين حتى وإن كان مفهوم الاستبداد الذي قصداه يتوافق مع مفهومه في الغرب أو ربما جاء الطرح قبل أن يتكشفا الآثار الوخيمة للاستبداد أما إذا مقصدهما الاستبداد بمعناه العربي الإسلامي فإن المسألة واضحة وتتقارب مع كتاباتهما ومقالاتهما الإصلاحية.
ونعتقد أن هذه المقولة المستبد العادل جاءت في سياقات غير دقيقة وفهمت في غير مرادها فإن كان المقصود بعبارة المستبد العادل الخليفة عمر بن الخطاب فإن تاريخ هذا الرجل تتنافر مع هذه السياسة وتتناقض معها كما أن العبارة نفسها المستبد العادل تتناقض مع نفسها إذ نعتقد أنه لا يجتمع العدل مع الاستبداد كما أن الحزم والشدة وعدم التردد لا يعني الاستبداد والظلم والتعسف ..فياترى ماذا نحتاجه في ظرفنا العربي الإسلامي المتهالك حتى تعود لنا هيبتنا…؟

قد يعجبك ايضا