الحديدة.. تستقبل العيد وتقاوم العدوان والحصار والفقر

الثورة/أحمد كنفاني
يستقبل أهالي محافظة الحديدة عيد الفطر المبارك هذا العام في ظل أجواء كئيبة وتراجع قدرتهم على الشراء بعد ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر جراء العدوان والحصار الممنهج على المحافظة كما لا تزال آلاف الأسر مشردة بعد أكثر من أربعة أعوام من العدوان ومرور عام على تصعيده الأخير في المحافظة والذي دمر مئات المنازل والحدائق والمنتزهات والمنشآت، لكن أهالي الحديدة مازالوا يواجهون مأساتهم وتتسلح الثكالى بالدعاء فيما يلوذ الأيتام بالصبر والتطلع لقرب الفرج بتحقيق النصر .. إلى التفاصيل:
في الأسواق يتجول أهالي الحديدة استعدادا للمناسبة يستنشقون رائحة العيد هذا العام بنكهة مختلفة عن الأعوام السابقة يملأها الألم والحسرة والحزن من بعيد، هو عيد كما يقول معظم من التقينا بهم ممن نجا بروحه من القصف والدمار والحصار ولم ينل من ماله أو عمله بعد أن أضحى 80% من أهل مدينة الحديدة بلا عمل يعيشون تحت خط الفقر .
مطلع الأسبوع الماضي عقد اجتماع برئاسة القائم بأعمال محافظ الحديدة محمد عياش قحيم، جرت خلاله مناقشة خطة الأجهزة الأمنية خلال إجازة عيد الفطر المبارك واستعراض تقرير الادارة العامة لشرطة المحافظة حول الإنجازات التي حققتها الأجهزة الأمنية في المحافظة في ضبط الجريمة والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في مختلف مديريات المحافظة.
قحيم أكد أهمية اضطلاع الأجهزة الأمنية بمختلف وحداتها بدورها في تعزيز الأمن والاستقرار في مختلف مديريات المحافظة وضبط الخارجين على النظام والقانون والحفاظ على الأمن والسكينة العامة، وشدد على ضرورة مضاعفة الجهود ورفع الجاهزية واليقظة الأمنية خاصة خلال إجازة العيد، كما أكد القائم بأعمال محافظ المحافظة ومدير أمن المحافظة أن السلطة المحلية وإلى جانبها الأجهزة الأمنية ستقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه الاعتداء أو المساس بأمن واستقرار المحافظة، واشادا بدور رجال الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية في الدفاع عن المحافظة وردع المعتدين والغزاة عنها .
حملة نظافة
من جانبه أوضح المدير التنفيذي لصندوق النظافة وتحسين المدينة عبدالاله الأهدل أن الصندوق استكمل كافة التحضيرات لاستقبال عيد الفطر المبارك وإبراز المحافظة بالمظهر الجمالي للزائرين والوافدين والقاطنين فيها وتجهيز المنتزهات والحدائق، كما أنه شرع قبل اسبوع في تدشين وتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لإدارة النفايات الصلبة ” النقد مقابل العمل”.
الأهدل أشار إلى ان المشروع الذي ينفذه صندوق النظافة وتحسين المدينة بالشراكة مع مؤسسة التنمية المستدامة وبتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مرحلتين خلال الفترة “21 مايو – 23 يونيو” يهدف الى تحسين المظهر الجمالي لمدينة الحديدة ورفع مخلفات وأكوام القمامة والحفاظ على البيئة، وأكد مدى احتياج ابناء المحافظة لهذا المشروع في اظهار المظهر الجمالي للمدينة والحفاظ على البيئة والحد من انتشار الأمراض والأوبئة .
أحوال عامة
وخلال زياراتنا التي قمنا بها لمعظم مناطق مديريات مركز المحافظة الحالي والحوك والميناء، التقينا بعدد من المواطنين القاطنين فيها لمعرفة ما تجيش به خواطرهم عن الاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك..
في سوق باب مشرف عَبّر محمد صادق شريف قائلا: إنه يرى الكثير من الناس يتجولون في الأسواق هذه الأيام، لكن معظمهم غير قادر على الشراء، وإنما هم يريدون التفرج على ما هو موجود في ظل ارتفاع حاد للأسعار وانعدام الرواتب، واصفا الوضع بالسيئ جداً .
من جانبه قال الاديب والشاعر سمير القاسمي : للعيد وجوه بعيدة عن الأسواق، وجوه تلوّنت بالدموع شوقاً لمن رحلوا، ووجوه تلوّنت بالحسرة على منازل لم يبق منها سوى الذكرى فأكثر من 300 ألف مواطن يستقبلون العيد في الحديدة مع اطفالهم على ركام منازلهم التي دمرها العدوان ومرتزقته في قرى ومدن منظر والدريهمي والخط الساحلي والخوخة والتحيتا وحيس وغيرها .
ركود اقتصادي
إلى ذلك أكد الدكتور طارق النجار في فرع شركة النفط اليمنية بالحديدة أن أهالي مدينة الحديدة يستقبلون عيد الفطر المبارك بعد مرور أكثر من أربعة أعوام من العدوان السعودي الامريكي الصهيوني في ظل ركود اقتصادي في عجلة أسواق المدينة، فالبائعون يشكون من ضعف عملية البيع في الأسواق رغم اكتظاظ المواطنين فيها، مرجعين ذلك إلى الوضع المزري الذي تعشيه المحافظة واليمن عامة بفعل العدوان والحصار وانقطاع صرف رواتب الموظفين .
كذلك ماجدة قاسم يحيى أيدت التجار في حديثها لنا، حيث قالت إنها كانت تأمل أن يحل العيد هذا العام واليمن في أمن وأمان واستقرار وسلام، فتكون البيوت خلاله آمنة مطمئنة أو أي شيء آخر يزرع في قلوبهم وقلوب اطفالهم فرحة العيد، ولكن للأسف لم يحدث أي شيء من هذا القبيل .
مشردون ونازحون
أما سليم أحمد عبدالحي الذي وجدناه متكئاً على جذع شجرة وسط حديقة الشعب وقد بدت علامات الإعياء والتعب واضحة عليه، فأكد لنا أنه كان يأمل العودة إلى منزله قريباً بمنظر ليقضي العيد مع أبنائه وعائلته هناك، لكنه وحين عاد إليه خلال ساعات تنفيذ اتفاق ستوكهولم فوجئ بتحويله إلى كومة من الركام، بعد أن قصفته قوى العدوان ومرتزقتها بقذائفهم.
وأكد عبدالحي قائلا: إنه يستقبل وأسرته العيد بفاجعة كبيرة، ستقوده بكل تأكيد لمعاناة قاسية ستستمر لسنوات، لا يعلم كيف بإمكانه أن يتدبر أموره خلالها، فهو لا يملك مسكناً بديلا ولا مالا يستأجر به منزلا، ولا يعلم أين سيذهب بأسرته التي يبلغ عدد أفرادها 9 أشخاص، خاصة مع صعوبة البقاء في المدينة فترة أطول .
افتقاد البهجة
ياسر مراد قال: إن أكثر ما يحزنه الأطفال الذين فقدوا البهجة والفرحة، وحملوا الهم والحزن مبكراً، فهم ورغم صغرهم، يعون ما يحدث حولهم، ويشاركون الكبار مصابهم.
مراد الذي يقيم في مركز إيواء وسط المدينة، قال إن أطفاله الصغار لم يسألوه عن العيد، ولم يطلبوا منه شيئاً، وحين بادرهم بالسؤال عن مشاعرهم، أجابوه بأن “العيد هو عيد العافية” ، حينها صمت وصُدم بما قالوه.
ويقول مراد إن مجيء العيد في مثل هذه الظروف هو تعميق لمعاناة النازحين والمكلومين، وتجديد لأحزانهم، وتذكيرهم بما كانت عليه أوضاعهم في السنوات الماضية، وأكد أن العدوان قد ينتهي قريباً، لكن آثاره وفجائعه ستدوم فترة طويلة، حتى بعد عودة النازحين، فإن محو المآسي والفجائع التي ارتكبتها قوى العدوان ومرتزقتها من ذاكرة اليمنيين سيكون مستحيلا .
مقاومة المأساة
مع ذلك هناك من يتسلح بالأمل والثقة بالله وفرجه، ويقاوم القنوط من رحمة الله متحديا مأساة الحديدة.. من هؤلاء الناشطة الحقوقية سلوى محسن والتي قالت: إن عيد الفطر المبارك، أحد أبرز مظاهر الفرحة والبهجة في حياة المسلمين في شتى بقاع العالم، حيث يأتي تتويجًا لصيام شهر رمضان المعظم، فقد أباح الله تعالى للمسلمين الفرح والاحتفال والسرور، وأن يتبادلوا سويًا أرق التهاني والتبريكات، ويأخذوا من الدنيا نصيبهم الذي شرعه الله لهم، وذلك خلال العيدين اللذين جعلهما الله للمسلمين في العام، عيد الفطر وعيد الأضحى، لتكتسي الدنيا فرحًا بمشاعر المسلمين الراقية السامية، بعيدًا عن الابتذال والسفور، وفق منهج رباني قويم.
الناشطة سلوى اكدت أن البيوت المدمرة رغم موتها في بعض المناطق احيا سكانها بعض انفاسها بألعاب الأطفال التي وضعوها على ركامها ليضفوا شيئاً من فرحة العيد .
عيد الشهيد
فضل كثير ممن التقينا بهم في مدينة الحديدة إطلاق مصطلح «عيد الشهيد» على عيد الفطر السعيد حيث لم تترك قساوة العدوان وبشاعته فرصة للمواطنين حتى للحديث أو استذكار العيد الذي يحييه العالم بعيداً عن مشاعر ومعاناة مواطني المحافظة.
واكد معظمهم انه ينوي عدم إحياء عادات العيد واقتصاره على زيارة عوائل الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى والمعتقلين وزيارة مراكز ايواء النازحين المنتشرة في نواحي المدينة.
قسوة وشدة الجرائم التي يرتكبها العدوان ومرتزقته ضد البشر والحجر في المحافظة منذ أكثر من أربعة أعوام تجبر ذاكرة المواطنين على استذكار مشاهد الأشلاء والدمار الهائل الذي لحق بمناطق متفرقة من مديريات المحافظة، صارخين بالقول “عن أي عيد يمكن ان نتحدث مع استمرار العدوان والحصار”، ويؤكد كثير من أهالي الحديدة أنه لا مجال للحديث عن العيد أو أي مناسبات أخرى غير العدوان ويقولون إن هذا عيد شهيد وليس عيدا سعيدا، معربين عن أملهم في أن يلتزم جميع المواطنين بمنع التظاهر بمظاهر العيد التقليدية والالتزام بالحس الإنساني والوطني تجاه المواطنين المتضررين .
عدوان غاشم
الجندي محمد يحيى تساءل: كيف يمكن لنا ان نحيي العيد والقصف متواصل والعدوان ومرتزقته يحصدون المزيد من الأرواح وينشرون الخراب والدمار والقتل في كل مكان، وتعهد محمد بقضاء العيد في موقع خدمته وبجانب اسر الشهداء وزيارة الجرحى في المستشفى العسكري القريب من منزله .
وفي شارع صنعاء استرسلنا الحديث مع سائق التاكسي أحمد عبدالله عن واستقباله للعيد في المحافظة فرد علينا متنهدا: تزين العيد في الحديدة بالدمار المتناثر في كل مكان والشوارع المغلقة، عيد إن بحثت عنه ستجده في ذكرى شهيد أو دمعة يتيم تنتظر من يمسحها، ومع ذلك فأطفال الحديدة مازالوا ينشدون فرحة العيد، إما في لعبة قديمة أو في ثوب جديد قد يخفي ما بداخلهم من ألم كبير .
تستمر الحياة
صادق سالم احد سائقي الدراجات النارية أفاد بأن الظروف المادية والامكانيات لدى العديد من الشرائح الاجتماعية في المحافظة صعبة للغاية، وقال: وبالرغم من ذلك يعيش الجميع وتدور عجلة الحياة والله لطيف بعباده ولله الحمد والمنة.. معتبرا أن فرحة العيد واحدة بين المسلمين أينما كان حلّهم وترحالهم، إلا أن طقوس الاحتفال به تختلف من منطقة لأخرى، ومن مكان لآخر .
في هذا قال الحاج سعيد عبدالله إن مظاهر العيد في الحديدة وكل المدن والمحافظات اليمنية تبدأ مع العشر الأواخر من رمضان الكريم، حيث ينشغل الصغار والكبار وربات البيوت بشراء الملابس وتنظيف المنازل وتجد أهالي القرى الريفية في اليمن ينحرون الذبائح، ويوزعون لحومها على الجيران والأصدقاء، والجلوس في مجالس طيلة أيام العيد، لتبادل الحكايات المختلفة.
وتابع: أما في المدن فيذهبون لتبادل الزيارات العائلية عقب صلاة العيد، والخروج للمنتزهات وتقدم للأولاد العيدية، ومن أشهر الأكلات التهامية التي يفضلونها في العيد الزربيان والحنيد والفتة ، وتختلف عادات العيد في اليمن بين المدن والقرى، حيث تأخذ هذه العادات في القرى طابعًا اجتماعيًا أكبر، عبر التجمع في إحدى الساحات العامة، وإقامة الرقصات الشعبية والدبكات، فرحًا بقدوم العيد.
عادات صامدة
محمد مذكور بائع صحف في كشك تحدث عن ديمومة عادات استقبال عيد الفطر، قائلا: انه في الساعات الأولى من أول أيام عيد الفطر في الحديدة تضج الشوارع والاحياء بالتكبيرات والتواشيح الدينية، حيث يؤدي الناس صلاة العيد في الساحات والمساجد وعقب صلاة العيد يتم تبادل التهاني بقدوم العيد المبارك، وتبدأ الزيارات ما بين الأهل والأقارب، وتكون فرحة الأطفال كبيرة وهم يتسلمون العيدية (نقوداً يعطيها الكبار للصغار في العيد)، فينطلقون بملابسهم الجميلة، متوجهين إلى الحدائق العامة والمتنزهات .
ستغيب إذاً ملابس العيد الجديدة ومستلزمات أجوائه المعتادة عن الحديدة المنكوبة، إذ يؤكد الأكاديمي وجدي البركاني أنه رغم عرض التجّار لكميات معقولة من البضائع داخل المحال التجارية بـ”أسعار العروض والتخفيضات”، إلا أن الزبائن لا يشترون إلا القليل منها ، كما يمرّ غالبية المواطنين من أمام المحال التجارية دون شراء أي شيء لعدم توفر السيولة المالية لديهم وغلاء أسعارها.
واتفق عدد من المواطنين أن عيد الفطر هذا العام سيخلو من مستلزمات العيد التي اعتاد أبناء الحديدة على شرائها كل عام، ويشير معظمهم إلى أنه مع إغلاق مداخل المحافظة يضطر الناس لاستخدام مداخل بديلة اكثر صعوبة لتنقلهم والوصول الى المناطق التي يريدون الوصول إليها، وهذا يعني زيادة في التكلفة والمشقّة، الأمر الذي يجبر المواطنين على تقليص تنقلاتهم واصطحاب عدد أقل من أفراد عائلاتهم لشراء احتياجات العيد.

قد يعجبك ايضا