إيران ومعركة السيادة

 

محمد ناجي أحمد

إسقاط السيادة هدف الغرب الاستعماري في مناطق ودوائر هيمنته ، والجغرافيات التي يريد التمدد فيها ،وكل دولة ذات سيادة ستكون هدفا للغرب .ومشيخات الخليج بلا سيادة ،لأنها دويلات تابعة وأداة للمشروع الغربي في المنطقة .مشيخات الخليج ملك يمين الولايات المتحدة الأمريكية ،منذ انتقلت الوصاية عليهم من بريطانيا إليها. من يظن (دويلات محطات البنزين )هدفا للغرب لا يرى ولا يعي حقائق السياسة والاقتصاد والأمن .
إيران هي الهدف ،وإسقاط سيادتها يتدرج الغرب فيه منذ عقود من الحصار الاقتصادي ،بانتظار إيصالها إلى أضعف وضع ساعتها سيتم استخدام القوة العسكرية كضربة قاضية ،لكن إيران تنمو عسكريا ،وهي أقوى مما كانت عليه في الثمانينات بفارق نوعي ،بل طفرات عسكرية وعلمية جعل منها قوة إقليمية هي الأهم في المنطقة.
التفجيرات في ميناء (الفجيرة ) حرب نفسية ،المراد منها كسر الخصم ،دون حرب عسكرية شاملة ،لهذا تلازمت تهديدات (ترامب) وصقور الإدارة الأمريكية ورفع مستوى العقوبات والجاهزية العسكرية مع تصريحات ترامب بأن على إيران أن تتصل به للتفاوض . المسالة حرب أرضيتها التفاوض بعد أن يكون الطرف الإيراني منهزما نفسيا كما ترجو الولايات المتحدة الأمريكية .لكن إيران لن تكسر بحرب صلبة ولا حرب نفسية ،الحرب الاقتصادية هي من ستجعل إيران تتعامل بشكل أكثر مرونة ،وأمريكا ستكتفي بهذا في هذه المرحلة من حلقات صراعها مع إيران.
إيران محكومة بالعقل السياسي والفلسفي عبر التاريخ ، ولعل ذلك ناتج عن التحديات والمخاطر التي تعرضت وتتعرض لها الهضبة الإيرانية ،مما يجعل ذلك سمة من سمات الجغرافيا وقوانينها التاريخية ،وانعكاس ذلك على خصائص الأمة الإيرانية ،وطريقة إدارتهم للحكم ومواجهة التحديات الوجودية والثانوية .بمعنى أن إيران تدرس أفضل الخيارات المتاحة ،وتوازن درجات سوئها ،وتتجرع ذلك ولو كان “سما زعافا”.
تعرضت إيران الخميني للعديد من التهديدات والحروب السياسية والاقتصادية والثقافية ،منذ حرب الثمان سنوات مع عراق صدام ،والتي كانت حرب استنزاف للطرفين ،وخلال العقود الأخيرة ازدادت العقوبات الاقتصادية الخانقة ،ومع ذلك يظل اللجوء إلى الحرب العسكرية خيارا تلوح به وتستعد له الولايات المتحدة الأمريكية ،والذي يبلغ ذروته الحركية في تحشيد للقوات البحرية والجوية والتهديد بإرسال أكثر من مائة ألف جندي أمريكي إلى منطقة الخليج العربي ، ودعوة أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية لمواطنيها بمغادرة العراق في حرب نفسية واضحة الأهداف .الغرب يريد انتصاراً دون تكاليف ،ولأن التكاليف ستكون باهظة مع خصم عقائدي مستميت وجغرافية بشموخ واقتدار الهضبة الإيرانية فإن الغرب من وجهة نظري سيعيد التفكير، فهو لن يغامر ما لم تكن إيران قد أصبحت من الضعف ما يجعل الضربة الهوليودية تؤتي أكلها سريعا ،وتساعد نفسيا على تمدد دوائر هيمنتها في وسط وشرق آسيا .
طورت إيران خلال العقود الأخيرة قدراتها العسكرية ،وعززت أمنها القومي داخليا وإقليميا ودوليا .فقدرتها على مجابهة الأخطار أصبحت أقوى بما يجعلها لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتتجنب الحرب .فقدرتها العسكرية مرتبطة بقدرة الدولة على حماية مصالحها المشروعة وعدم التضحية بصالحها المشروعة التي تعتبرها لصيقة بأمنها القومي والوجودي. هنا تصبح الحرب قدرا محتوما تخوضه إيران لحماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية ، فالأمن القومي الإيراني يتمثل بحماية الأمة من خطر السيطرة على مقدراتها بواسطة قوة أجنبية هي الآن الولايات المتحدة الأمريكية ،فمن صميم أمنها القومي أن تكون قدراتها العسكرية للردع جاهزة ،وفي مدى جغرافي تحدده مقتضيات أمن الأمة الإيرانية .
التهديدات التي تواجهها إيران أصبحت ذات طابع عسكري ،بل إن العقوبات الاقتصادية هي في جوهرها إعلان حرب شاملة ،عسكرية واقتصادية وثقافية ،واستهداف لبنية المجتمع الإيراني بغرض بلقنته مذهبيا وعرقيا وجغرافيا ،وهو نهج تؤكده الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة ،ومن ذلك دراسة الإسرائيلي (عوديد يينون) التي نشرها عام 1980م تحدث فيها عن استراتيجية إسرائيل في الثمانيات، تجاه المنطقة ،ويبدو أنها نفذت في العديد من الأقطار العربية ،ولم يبق لتكتمل استراتيجية إسرائيل في المنطقة سوى تقسيم إيران على أسس عرقية ومذهبية وجغرافية ،وتقسيم مصر إلى أقاليم جغرافية تحت وطأة تخصيب الصراع المسيحي الإسلامي.
لذلك لم يعد الأمن القومي محددا بالاستعداد العسكري والقدرة العسكرية للدولة “بل اتسع ليشمل أبعادا اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية وأيديولوجية “ص138-139-العرب والعالم –الدكتور علي الدين هلال وآخرون-مركز دراسات الوحدة العربية –ط1-1988م.
جوهر الأمن الإيراني يتمثل بتماسك للمعتقدات والمبادئ داخل المجتمع، وهذا هو العنصر الأساسي في الأمن القومي ،مع جاهزية وقدرات عسكرية للردع والهجوم الصاروخي في حالة تعرض الأمة والنظام لخطر الاجتثاث “معنى ذلك أن تحقيق الأمن يفترض حدا أدنى من النظام والاستقرار ،وفي غياب تنمية حقيقية فإنه لا يمكن توافر أي منهما .ويصبح الفشل في محاولات التنمية ،بما يترتب عليه من عدم استقرار سياسي واجتماعي ،تهديدا مباشراً لأمن الدولة والمجتمع .ولا يعني ذلك استبعاد البعد العسكري للأمن ،أو دور القوة العسكرية في مواجهة التهديد الخارجي، ولكن المقصود هو وضع القدرة العسكرية في إطارها الصحيح من منظور الأمن القومي. فكما يقول ماكنمارا فإن المشكلة العسكرية ما هي إلاَّ “وجه سطحي ضيق لمشكلة الأمن الكبرى ،فالقوة العسكرية يمكن أن تساعد في توفير القانون والنظام ،ولكن ذلك لا يتحقق إلاَّ بقدر ورغبة أساسية في التعاون من جانب شعبه “ص139-العرب والعالم. وهو ما يمتلكه النظام في إيران.

قد يعجبك ايضا