“يا نفس ما تشتهي ” قبل الصوم

محمد أحمد المؤيد
يزخر المجتمع اليمني بثقافة فريدة وممتعة تجعل من أغلب أيامها متعة وأنساً ومناسبات تضيف إلى الحياة نوعاً من التشويق واللوعة ، الذي يسهل على الفرد والمجتمع من حوله الاستمتاع بحلو الحياة ورغد العيش وبساطة المؤنة ، فكلما مرت مناسبة أعقبتها أخرى وقد تكون مناسبة تهيئ لما بعدها (مناسبة أخرى) ، فـ ” المدرهة ” مناسبة يجتمع فيها الناس لتبادل القصائد الهاجلة والمغردة بكلمات رائعة فيها أمنيات ودعوات وتوسلات وبشارات تزف لحجاج بيت الله الحرام ، فتبدأ منذ أول يوم من عيد الأضحى المبارك حتى عودة الحاج أو الحجيج من أدائهم لفريضة الحج ، والتي بوصول الحجاج تكون مناسبة أخرى يجتمع فيها الناس لاستقبال أو الاحتفال بقدوم الحجاج سالمين غانمين ، وهنا تكمن الفرحة ويسعد الناس ويكون أغلب أيامهم سعداً وهناء ومناسبات رائعة، وبما أننا على مشارف شهر الصوم شهر رمضان المبارك، وهي مناسبة دينية عظيمة فيها تعظم الأجور والثواب من الله لعباده المؤمنين ، والتي قبل هذه المناسبة تكون مناسبة تهيئ لها واسمها ” يا نفس ما تشتهي ، قد (غطوه / غداً) الصومة ” ، ولأنها مناسبة يراد منها تزويد النفس بملذات العيش وأشهى الأطعمة والمأكولات بكونها مناسبة سابقة لشهر الصوم الذي هو الآخر مناسبة ، ولكن يراد منها تزويد الروح بالزاد والمؤنة الضرورية للروح والترويح عنها بزيادة الحسنات والاستغفار. وهناك فرق شاسع بين المناسبتين اللتين لا يفصلهما إلا غروب الشمس وظهور هلال رمضان، ولكن الجدير بالذكر أن لنفسك عليك حقاً ولروحك عليك حقاً ، وكل منهما يبدو مهماً وله ما يستحقه من الاعتناء كي لا يبقى الإنسان في عناء وكدر.
عندما ندقق في كلا الحقين ” حق النفس / الجسد / البدن” و”حق الروح”، نجد أن الناس يتفاوتون في أدائهما ناحية انفسهم ، فمن الناس من يفرط في حق نفسه على حساب روحه والعكس صحيح، ولكن الشيء الجميل يبدو في الاتزان ، فهناك أحد عشر شهرا ً للنفس ما تشتهي طول يومها وليلها إلا وقت أداء الفروض الخمسة فهي مخصصة للتزود بزاد الروح ، وهي مسألة متزنة وموزونة إن عمل بها الإنسان ، وهناك شهر وحيد هو شهر تنقلب الموازين فيبقى الناس في تجرد تام طوال أيامه وبعض من لياليه عن شهوة وغذاء النفس والانشغال التام بغذاء الروح ، حتى أن نوم الصائم يحتسب عبادة ، وكذا ريح فم الصائم كالمسك أو أطيب عند الله، ناهيك أن قيام ليالي رمضان المبارك يعد من أعظم الأجر والثواب عند الله وخاصة صلاة القيام والناس نيام ، والتي ورد بمعنى الحديث عنه صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه : ” صلاة الليل دواء لكل داء ” وفي هذا دلالة كافية على أنه أحياناً غذاء النفس وتناول الأدوية لا يجدي نفعاً إن أهمل الجانب الروحي ، وهذا قد يكون دليلاً على أن غذاء الروح يؤثر في استجابة غذاء النفس والبدن ، فعند امتزاجهما مع بعض بصورة جيدة تنهمر طاقة عجيبة داخل الشخص فتعمل على تقوية المناعة بشكل مضاعف وبلا حدود فتقضي بفضل الله على كل داء ، وخاصة تعزيز الجانب النفسي بأكبر قدر من الإيجاب ، والذي كما ورد عن العلم الحديث أنه وفي الثلث الأخير من الليل – وقد حددها بعض العلماء من بعد الساعة (1:20) فجراً حتى أذان الفجر وهو ما يدعى بالثلث الأخير من الليل – وفي هذه الساعات القليلة وعند السجود والطمأنينة في الصلاة يتدفق الأكسجين إلى الرئتين بشكل أكثر من غيره من الأوقات ، وخاصة مع اطالة السجود ، والذي بدوره يزيد من كريات الدم الحمراء فتزيد كثافته في الجسم ، حتى أنه يصل إلى أدق الشعيرات من شرايين الجسم فيقضي بفضل الله على أي مرض وتقوى الكبد وعملها وهذا علمياً ، أما دينياً فليس هناك أفضل من صلاة ودعاء واستغفار وتسبيح هذا الوقت المليء بالبركة المتزامن مع تجلي وهبوط الله تعالى، هبوط يليق بجلاله سبحانه وهو ينادي هل من سائل فيسألني فأعطيه…. إلى آخر الحديث القدسي ، والذي من خلال هذا يبدو أن الغذاء الروحي في رمضان يغلب الكفة على غذاء النفس للإنسان وهذا الزاد الروحي له فوائد جمة قد تغني الإنسان عن عبادة الله ثمانين سنة كليلة القدر مثلا ً التي هي خير من ألف شهر والتي شرفها أعظم من أي شرف.
النفوس تواقة ليوم ” يا نفس ما تشتهي ” (طبعا ً نفس !!!!!) واللعاب يسيل إلى ألذ الأطعمة والملذات والحلويات ” قبل ما السمبوسة تكتسح الأسواق بسحرها الأخاذ ولا ننسى الرواني والشعوبيات والبقلوة… ياطعماااااااه ” ، فيوم كنفس ما تشتهي يوم ينهم الناس فيه بشره وكأنهم لن يأكلوا بعده أبدا ً ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” ، رغم أن هذه تعد ” هوارة/ شره ” على الفاضي ، حتى إن الأسواق والمطاعم والمحلات تزدحم بشكل يعبر عن غباء وعدم تعقل ، كون هذا اليوم قد يكون يوم الشك ، وكذا هو أهم يوم لإعداد النفس والروح لاستقبال شهر الخير بخير وطمأنينة وطول بال وتفاؤل ، ليس الأفراط في الأكل وتشتيت الذهن والنفس والروح حول البحث عن ” الهوارة ” ، والذي يجب أن يتحلى الناس بروح المسؤولية والرحمة والشفقة وتفقد جيرانهم وأهاليهم وذويهم ومن استطاعوا وتزويدهم بما يمكن تزويدهم وكل حسب استطاعته ، وذلك حتى يعمنا الله بالخير والبركات… ليس أن يتحول الناس إلى وحوش طماعة ومتعاركة على (جرم المطيط) بدلاً من أن تنفق وتعطي فتراها بكل سقاطة وسخف تذهب بنفسها إلى ناحية المن والأذى ومراقبة هفوات وزلات الناس حتى أنهم أحياناً لا يسلم منهم أقرباؤهم وجيرانهم، وهذا ليس من أخلاق من يبتغي وجه الله… وشهركم كريم مقدماً… خلوا لي (ديرك)مشوي هههههههه يهنا بالعافية للجميع.
..ولله عاقبة الأمور..
ملاحظة:
بعض الناس يظن أن حقوق الناس هدر وعوافي.. فتراه يتفنن بالمكر والخديعة على غيره وكذا إقناع نفسه انه ليس هناك أحد مثله وأنه هو من أسدى الخير للناس ولولاه لما أكل كل من حوله قطعة خبز.. فتراه يسارع للمّن والأذى والظلم الواضح والسلبطة… وينسى أن هناك يوماً تشخص فيه الأبصار وهناك توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون.. والعاقبة للمتقين.

قد يعجبك ايضا