هزيمة أمريكا في اليمن هزيمة للسعودية والإمارات

 

علي أبو الخير *
صوّت الكونغرس الأمريكي يوم 14 مارس 2019 بأغلبية 54 صوتاً مقابل 46 صوتاً، لصالح مشروع قانون يطلب من الرئيس الأمريكي سحب القوات المسلحة الأمريكية من العمليات الحربيّة في الجمهوريّة اليمنيّة، أو من تلك التي تؤثّر عليها، باستثناء العمليّات العسكريّة ضدّ تنظيم القاعدة في اليمن، وذلك في غضون 30 يوماً من بدء سريان القانون، وقد رفض “البيت الأبيض” بشدّة، أي أن الرئيس “دونالد ترامب” يستخدم حق النقض(الفيتو) ضد المشروع، وهو (فيتو) متوقّع، ولكن في النهاية تبقى الكلمة الأخيرة للمخابرات الأمريكية، التي تحدّد المسار الذي يجب على الإدارة الأمريكية الأخذ به، ومن نوافل القول إن القرار الذي تبنّاه الكونغرس ليست له أبعاد أخلاقية، فلا الكونغرس ولا الإدارة الأمريكية تؤثِر حقن الدماء، اللّهم إلا دماء القبائل الصهيونية، ولكنها في النهاية تمثّل خلافات سياسية داخلية بين الرئيس “ترامب” وبين خصومه الديمقراطيين وكثير من أعضاء حزبه الجمهوري.
وبالتالي لا نتوقّع محاسبة أو عقاباً من أمريكا للسعودية، أو منع سلاح أو دعماً استراتيجياً لها في اليمن وغير اليمن، لأن الدولة السعودية “دولة وظيفية” تؤدّي أدواراً مرسومة بعناية لها، فقد أُنشئت على أساس ديني وهّابي متطرّف، على غرار الكيان الصهيوني المتطرّف، ومن ضمن الأدوار المرسومة منع أية وحدة عربية، لأن أية وحدة تكون ضد مشروعها القبلي، وضد المشروع الصهيوني في الوقت ذاته، وقد كان للمال السعودي والدعم المخابراتي الأمريكي الدور الكبير في انفصال سوريا ومصر، كما موّلت القبائل اليمنية ضد الجيش المصري في اليمن،
كما كان أيضاً للسعودية الدور البارز في دعم “صدّام حسين” عندما حارب إيران ثماني سنوات (1980 – 1988)، ثم ضده عندما غزا الكويت عام 1990، ودعمت الفتنة المذهبية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، أي دورها تخريبي تحت غطاء الدين، فقد استغل السعوديون الدين الإسلامي والإشراف على الحرَمين الشريفين في الحجاز المقدّس، عبر إطلاق فتاوى تكفيرية وهّابية، تبنّتها كل الجماعات التكفيرية والإرهابية في العالم، داعش وبوكو حرام والقاعدة والنصرة، كما موّلت السعودية كل تلك الجماعات في سوريا ولبنان والجزائر والعراق ومصر وغيرها من بلاد العالم، كل هذا لأنها تحت الحماية الأمريكية، فدائماً تبرّئ أمريكا السعودية، فعلى سبيل المثال أعطتها براءة من هجوم “نيويورك وواشنطن” في شهر أيلول|سبتمبر 2001، كما منحتها البراءة من دماء الصحافي جمال خاشقجي، مثلما أهدتها البراءة من نشر الإرهاب في العالم، رغم أن الأمير “محمّد بن سلمان” وليّ العهد السعودي نفسه اعترف بنشر الإرهاب، عندما صرّح لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في 26 مارس 2018 بأن انتشار الفكر الوهّابي، والاستثمار السعودي في المدارس والمساجد حول العالم، يعود إلى فترة الحرب الباردة، عندما طلبت دول حليفة (يقصد أمريكا) من السعودية استخدام أموالها لمنع تقدّم الاتحاد السوفياتي في دول العالم الإسلامي، وهو تبرير فاضح للسعودية وللمخابرات الأمريكية والموساد، ويؤكّد التحالف الاستراتيجي بين تلك الدولة الخليجية، مع تلك المخابرات، أي مع أعداء الأمّة.
ومن هذا المنطلق، عندما توحّد الشطران اليمنيان الشمالي والجنوبي عام 1990، كانت السعودية أول من ساعد الانفصاليين عام 1994، ولكن السعودية فشلت مؤقتاً، وفشلت معها إسرائيل، لأن وحدة اليمن تعني السيطرة التامة على مضيق “باب المندب”، وهو ما يؤثر على السعودية وإسرائيل معاً، ومن ثمّ استغلت أمريكا وإسرائيل والسعودية “الحراك الشعبي العربي” ككل وفي اليمن على وجه الخصوص عام 2011، لتفتيت اليمن من جديد.
وهذه المرة توجد مشاهد تؤكّد أن المقصود ليس هزيمة جماعة “أنصار الله” أو الحوثيين (كما يطلقون عليها) وإعادة الشرعية إلى اليمن، بل تفكيك اليمن وتقسيمه جغرافياً ومذهبياً، فلا تقوم له قائمة، ولا يعود بلداً واحداً موحّداً يتخطّى عدد سكانه كل سكان دول الخليج مجتمعة، وكله بدعم غربي مباشر معلوم ومفهوم، ولكن وسائل الإعلام العربية تنساق وراء المزاعم السعودية، التي تبرّر عدوانها على اليمن، رغم المجازر التي شنّتها طائرات التحالف العدواني.
ثم ظهرت “دولة الإمارات العربية المتحدة” كدولة متحالفة مع السعودية، التحالف الذي أطلق “عاصفة الحزم” منذ 26 آذار|مارس 2015 بهدف أعلنوه، هو إعادة الشرعية إلى اليمن، ممثلة في الرئيس المنفي “عبد ربه منصور هادي”، وهزيمة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران كما زعموا، ولكن هذه المزاعم انهارت، فقد اتّضح أن هناك مصالح أعقد وأبعد بكثير من دعم الرئيس الشرعي حسب قولهم، إذ أن الجبهات تعدّدت والعمليات العسكرية شملت مناطق لا وجود للحوثيين فيها، ولكن من الواضح أن السعودية والإمارات تستغلان التحالف أيضاً، كغطاء للاستيلاء على مقدّرات ومقوّمات البلاد، ومن ثّم منع نهضتها وتقدّمها، وهناك تنسيق عالي المستوى بين السعودية والإمارات على تقاسُم اليمن رغم الخلافات بينهما، بحيث تستولي الإمارات على عدن والموانئ والسواحل، بينما تحكم السعودية قبضتها على شبوة وحضرموت والمهرة، لأن السعودية مهتمة بالبحث عن ممر بحري، عبر إقامة ميناء نفطي في المهرة، بعيداً عن مضيق هرمز، حتى تضمن تدفّق النفط للخارج، أما الإمارات فقد كانت تسعى لفرض وجود لها في سواحل المنطقة، حيث سيطرت على الموانئ والجزر الإستراتيجية اليمنية مثل ميون وسقطرى، وهو ما يؤكّد أطماع الدولتين في اليمن، وقيامهما بجر التحالف لتحقيق أهداف ومصالح تخصّهما، وتلك الأطماع تتّفق مع الرؤية الأمريكية، وبالتالي مع الرؤية الصهيونية، التي تتبنّى ضرورة عدم قيام اتحاد أو مجرّد توافق عربي|عربي أو عربي|إسلامي، وهذا يفسّر لنا انضمام وتحالف كل من إسرائيل ودولة الخليج لمؤتمر “وارسو” في شباط|فبراير 2019 الهادف في الأساس لمحاربة قوى المقاومة، وعلى هذا الأساس، تتم محاولة فصل اليمن الجنوبي فعلياً، فقد أنشأ ما يسمّى “فريق أبو ظبي” التابع لوليّ عهد الإمارات الأمير “محمّد بن زايد” “المجلس الانتقالي الجنوبي” ومقرّه عدن، وهو الداعم لفكرة انفصال الجنوب عن اليمن، ويكون تابعاً لدولة الإمارات، أما الشمال فيكون تابعاً للسعودية، ومن دلائل هذا التوجّه الانفصالي، أن دولة الإمارات أفشلت يوم الخميس 7 آذار|مارس 2019 اجتماعاً للائتلاف الوطني الجنوبي، في القاهرة، لأن هذا الائتلاف مع الدولة اليمنية الموحّدة، ومن خلال هذا السياق نرى أن قرار الكونغرس لسحب القوّات الأمريكية من اليمن، هو اعتراف ضمني بالهزيمة الجديدة لأمريكا في اليمن، بعد هزيمتها في سوريا، ولكنها تحفظ ماء وجهها السياسي بإلقاء الهزيمة على الأكتاف السعودية الإماراتية، ولكنها في الحقيقة هزيمة مرّوعة لهم جميعاً…
* كاتب مصري

قد يعجبك ايضا