محمية وادي عنة الطبيعية..

ما بين الإهمال الرسمي وعبثية الإنسان

الثورة / مجدي عقبه
جاءت المحميات من اجل النظم الاحيائية بعد أن اثبتت التجارب البشرية انكماش الطبيعة وتدهورها امام هذا السبق الحضاري للإنسان ، فالطبيعة ضرورية للتوازن الاحيائي ليس لأنها رئة الارض فحسب بل لأنها تحتوي على مجتمعات من الكائنات الحية ذات الارتباط الوثيق بحياة الانسان واستقراره ، وحتمية وجودها لأنها تشكل جانباً مهما من هذا التوازن الايكلوجي للحياة على الارض ،ترتبط وجودياً مع الانسان من خلال فلسفة اعمار الارض كما هي حقيقة التجسيد الكوني .
لذا فإن ثمة مسؤولية يترتب على الجميع الاحساس بها تجاه هذه الانظمة شديدة الحساسية التي تشاركنا الحياة كل يوم:
وادي ” عنة ” اول محمية طبيعية في محافظة إب
اعلنت مديرية العدين بمحافظة إب محمية طبيعية بموجب قرار مجلس الوزراء لسنة 2010 م وذلك نظراً لما تتميز به هذه المديرية من تنوع بيئي وحيوي أكسبها طبيعة خلابة ومعالم سياحية فريدة تأسر القلوب، وهو ما أهلها لأن تصبح وجهة رئيسية لعشاق جمال الطبيعة خصوصا في فصلي الربيع والصيف.
وتقع محمية وادي عنه الطبيعية في مديرية العدين محافظة إب ، وتبعد حوالي (20) كم تقريباً عن المدينة الأم “إب” ، وتحتل المحمية مساحة قدرت بحوالي (230) كيلومتراً مربعاً ، يحدها شمالاً مديريات حبيش والحزم والفرع وجنوباً مذيخرة وذي السفال وشرقا مديرية جبله وغرباً مديرية شرعب السلام بمحافظة تعز .
المحمية واقعة ضمن قضاء ( العدين ) الجميل ، كما كان يطلق عليه سابقا…حيث الحياة مترعة بالاخضرار طوال العام وعلى صفحتها تسري المياه بعد أن تفجرت تلك الينابيع على الدوام .
تمتاز المحمية بمناخ معتدل في الصيف وبارد في الشتاء ، تهبط عليها امطار صيفية فتشتعل فيها الحياة ويشتد ساعد الغيول والجداول ، فتستنفر العصافير محدثة فوضى لذيذة تبعث فيها الروح والامل .
المحمية كضرورة لحماية التنوع البيولوجي
محمية ” وادي عنة ” محمية برية غنية بالكثير من الاصناف الاحيائية ، وهي الى جانب ذلك تعد مهبطاً لعشاق السياحة البيئية والذين سيشكلون جانباً من الدعم الاقتصادي للأفراد المحليين كما هو عليه الحال في المناطق السياحية حين تتحول – بهدوء – الى سوق للناس المجاورين لترويج بضاعتهم حتى لو كانت بسيطة .
لكن المؤسف أن التوسع العمراني المستمر بات يحاصر المحمية من كل جانب وليس بمقدور أي منا ان يوقف هذا الزحف المريع ما لم تستيقظ في وجداننا تلك الامانة السرمدية وحتى إذا كان هناك ثمة قانون مخول بالدفاع عن انظمتهت الحيوية فإنه سيكون قانونا بليدا ما لم يحوطه الضمير الانساني لأولئك القاطنين بالجوار.
شجرة القات والحفر العشوائي يهددان المحمية
إن الزائر لمحمية وادي عنة اليوم لن يصدق ما ستراه عيناه إزاء الوضع الذي وصلت إليه هذه المحمية خلال السنوات الأخيرة من تدهور مريع وأوضاع مأساوية تُنذر بالخطر على المحمية وسحر جمالها الطبيعي، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من تحويل أراضيها الخصبة لزراعة نبتة القات، والتي بدأت في السنوات الأخيرة بالاتساع بشكل جنوني أضحت تغطي مساحات شاسعة من أراضي ومساحات المحمية، يرافق ذلك حفر عشوائي للآبار الارتوازية، والتي تجاوزت 200 بئر ارتوازي تم حفرها منذُ دخول الحفارات إلى المحمية في عام 2015م، وهو ما ينذر بكارثة حتمية لمستقبل المحمية وسكانها، وخصوصاً مع اختفاء عدد كثير من ينابيع المياه والغيول واستنزافها بعد حفر الآبار الارتوازية مباشرة.
كارثة تهدد المحمية
إن الانتشار الكبير للآبار الارتوازية في المحمية، وكذا الانتشار الكبير للأسمدة والمبيدات الحشرية من مختلف الأصناف والأنواع، وظاهرة التسليح التي طغت على السطح مثلت بيئة طاردة للحياة والسكان والحيوانات والأشجار التي تميز المحمية، وتهدد بانقراض أول محمية طبيعية في محافظة إب فالوضع لم يظل على ما هو عليه من قبل.
وأكد الباحثون في مجال المحميات أن “التوسع في شجرة القات يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر سلباً على المحمية ومواردها على حساب الغابات الطبيعية، وخصوصاً مع الإفراط في قطع الأشجار المعمرة، وشحة المياه مع جفاف الينابيع والغيول الطبيعية التي تميزت بها محمية وادي عنه ، وانقراض بعض أنواع الأشجار الهامة المكونة للغابات، وكذا هجرة معظم الطيور والحيوانات النادرة التي كانت تقطن المديرية، وهذا ما يؤثر سلباً على اختفاء معالم ومقومات المحمية الطبيعية الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور مناطق الغابات نفسها”.
التوسع في زراعة القات وانتشار المسلحين مظاهر تهدد امن واستقرار المحمية
سكان المحمية اكدوا أنه “ومنذ بدء انتشار شجرة القات في محمية وادي عنة أصبحت المحمية تشهد اهتماماً وإقبالاً وتوسعاً مع تغير طبائع الناس وسلوكياتهم، كظهور القلاقل والنزاعات والثأرات القبلية التي أرقت السكينة العامة للمواطنين، وهددت أمن واستقرار المحمية نتيجة للتواجد الكبير للمسلحين، والمظاهر المسلحة التي زادت في هذه المرحلة، بالإضافة إلى التسبب بعزوف غالبية مزارعي القات عن التعليم لانشغالهم بزراعة القات وإنتاجه وحراسته، وهو ما يجعلهم عرضة للمشاكل الاجتماعية التي تؤثر سلباً على عملية التنمية المحلية”.
ووفقاً للأهالي فإن “زراعة شجرة القات في هذه المحمية قد بدأ يتمدد على حساب المحاصيل الزراعية وأشجار البن وقصب السكر والمانجو والجوافة وغيرها التي تمثل عمود الاقتصاد لسكان المديرية والمحافظة ، كما صاحب انتشار الأسمدة والمبيدات اختفاء وموت عدد من الحيوانات والحشرات كـ(النحل) التي لوحظ انتهاؤها بشكل كبير في المناطق التي تزرع فيها شجرة القات”.
غياب الجهات المعنية
على الرغم من كل ما تتميز به مديرية وادي عنة من عوامل ومميزات بيئية وتاريخية وطبيعية أهلتها لأن تصبح محمية طبيعية وبيئة سياحية تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال استغلال المحميات الطبيعية لتعزيز وإبراز السياحة البيئية، وجذب الزائرين والسياح المحليين والعرب والأجانب إلا أن إهمال الدولة لهذه المديرية والاكتفاء بإعلانها محمية طبيعية دون أي اهتمام، وعدم إيجاد المشاريع البديلة للمجتمع المحلي وبرامج التوعية والتي تساعد على تخفيف الضغط على موارد المحمية الطبيعية، وكذا فقدان سلطتها ونفوذها أمام نفوذ المتنفذين من أصحاب رؤوس الأموال والذين توافدوا إلى المحمية من عدة مناطق مثل رداع وعمران وغيرها ، وانعدام الأمن والتوسع في زراعة القات، وحفر الآبار الارتوازية يتزايد في هذه المحمية يوماً بعد يوم في ظل غياب كامل للسلطات المحلية بالعدين وادارة المحمية
المحمية إلى أين؟
الأهالي في هذه مديرية العدين عبروا عن استيائهم إزاء ما وصلت إليه أوضاع المحمية من تدهور وتحويل أراضيها المليئة بالأشجار والحيوانات النادرة إلى أراضٍ لزراعة نبتة القات، كما أبدوا تخوفهم مما ينتظر مستقبل أبنائهم وأحفادهم في ظل استمرار هذه الكارثة التي تهدد المحمية وسكانها، موجهين نداء استغاثة إلى السلطة المحلية بمحافظة إب ممثلة باللواء عبدالواحد صلاح محافظ المحافظة لإنقاذ محميتهم، وإيقاف هذه الكارثة التي باتت تهددهم ومحميتهم قبل فوات الأوان.
السلطة المحلية بإب تتدخل
وتجاوبا مع هذه المناشدات التي اطلقها عدد من مواطني مديرية العدين ، وما تناوله الإعلام مؤخرا فقد وجه محافظ محافظة إب اللواء عبدالواحد صلاح مؤخرا بسرعة وقف اي استحداث في زراعة شجرة القات بمحمية وادي عنة الطبيعية، وإيقاف الحفر العشوائي لآبار المياه في المنطقة..
وشدد المحافظ صلاح بمذكرته للجهات المعنية على سرعة تنفيذ ما ورد، حتى يتم الانتهاء من وضع آلية فعالة لمعالجة المساحات التي تمت زراعتها بالقات مؤخرا ، والواقعة في إطار أودية محمية وادي عنة ..
جاء ذلك عقب اطلاع المحافظ من المستشار الإعلامي للمحافظة محمد مزاحم على حقيقة الوضع المؤسف في محمية عنه الطبيعية بالعدين ، وما تتعرض له من اعتداء متعمد باقتلاع شجرة البن وقصب السكر والمانجو والجوافة وغيرها من الثمار الذي تشتهر بها أودية المحمية ، واستبدالها بزراعة شجرة القات .. والارتفاع الملحوظ في مساحات زراعة القات والتي تصل إلى ما نسبته 20% من إجمالي مساحة المحمية ، حيث تمت خلال الأيام الماضية زراعة عشرة آلاف شجرة قات بالمحمية ..
إلى جانب العبث الذي يمارسه المزارعون من أبناء المنطقة باستبدال شجرة البن وقصب السكر بشجرة القات ، واستنزاف المياه بصورة جائرة..
إضافة الى قدوم عدد من (المستثمرين) من خارج المحافظة ، وتحديدا من رداع وعمران ، للاستثمار بالعدين ، حيث يقومون باستئجار أراضي واسعة من أودية محمية وادي عنه ، مقابل مبالغ كبيرة ، وتحويل هذه المساحات إلى مزارع للقات ، بعد اقتلاع الأشجار المثمرة فيها ..!!
وكيف تتم عملية التنافس بين مزارعي المنطقة والمستثمرين الدخلاء على المنطقة في حفر الآبار العشوائية وتعميق المحفور بسبب استنزاف المياه …!!
وجميعهم لا يهمهم العواقب الوخيمة التي ستحل بأودية المحمية ، وكل ما يراجوه هو الكسب فقط .
الجهات الحكومية تتجاوب مع مناشدة الأهالي لإنقاذ محمية وادي عنة
وفي هذا السياق، أقرت كل من وزارة المياه والبيئة والهيئة العامة لحماية البيئة والسلطات المحلية في محافظة إب مشروع تدخل عاجل لإنقاذ محمية وادي عنه بسبب غزو شجرة القات والحفر العشوائي لآبار المياه والتوسع العمراني
وفي هذا السياق، أوضح مدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة إب ناجي النهمي ، ان وزارة المياه والبيئة ممثلة بالمهندس نبيل عبدالله الوزير وزير المياه والبيئة ، والهيئة العامة لحماية البيئة ممثلة برئيسها المهندس عبدالملك الغزالي ، كان لها تجاوب سريعة مع ما تناوله الاعلام حول العبث الحاصل بمحمية وادي عنة ، وقررا التدخل بشكل عاجل في حماية المحمية الطبيعية ، جراء ما تتعرض له من اعتداء متعمد باقتلاع اشجارها وثمارها التي تشتهر بها أودية المحمية ، واستبدالها بزراعة شجرة القات ، إضافة إلى الحفر العشوائي لآبار المياه وتعميق المحفور بسبب استنزاف المياه..
وقال النهمي: إن الوزارة والهيئة تعكفان حاليا على اعداد مشروع عاجل لإنقاذ المحمية من هذا العبث ، جراء التمدد المخيف لشجرة القات على حساب المحاصيل الزراعية وشجرة البن وقصب السكر والمانجو والجوافة وغيرها ، وانتشار الآبار الارتوازية في المحمية والتي يصل عددها إلى أكثر من 200 بئر عشوائية تقريبا ، إضافة إلى الاستخدام المفرط للأسمدة والمبيدات الحشرية ، وانقراض بعض أنواع الطيور والأشجار الهامة ..!!
مؤكدا دعم قيادة الوزارة والهيئة للإجراءات المتخذة مؤخرا من قبل قيادة السلطة المحلية بإب ممثلة بمحافظ المحافظة اللواء عبدالواحد صلاح ، لحماية محمية وادي عنة ، عبر صدور توجيهات شديدة اللهجة بمنع استحداث زراعة شجرة القات بمحمية وادي عنة ومنع حفر الآبار العشوائية ..
واعتبر الوزير ورئيس الهيئة ، أن معظم التهديدات التي تواجه محمية وادي عنه قد تؤدي إلى التدهور للموارد الطبيعية وتعرض العديد من الكائنات الحية إلى خطر الانقراض..
مشددين على فرع الهيئة بإب، سرعة إعداد خطة إدارية ذات كفاءة وفعالية في تحقيق أهدافها ، وتأهيل إدارة فعالة لإدارة المحمية ، للحفاظ على التنوع الحيوي والوعي باستدامة ، وضرورة توفر قاعدة معلوماتية عن التنوع في المحمية..

قد يعجبك ايضا