تاريخ الإرهاب البريطاني في فلسطين

 

إعلان بريطانيا إضافة الجناح السياسي لحزب الله إلى قائمة “المنظمات الإرهابية المحظورة” وحظر أعضائه ودعمه أمر لم يكن مفاجئًا، نظرا إلى ضغط الكيان الصهيوني على البرلمان البريطاني، ومع ذلك وبالنظر إلى تاريخ حزب الله، كقوة من أجل التحرر والمقاومة ضد احتلال الكيان الصهيوني “الإسرائيلي” ودوره الكبير في محاربة وإزالة الإرهابيين التكفيريين في لبنان وسوريا على المرء أن يتوقف ويرفع صوته في وجه النفاق البريطاني.
نفاق السياسيين في المملكة المتحدة لا يتجلى فقط عندما يتعلق الأمر بتوجيه الأصابع إلى القوة الوحيدة في المنطقة التي تحدت وسحقت الاعتداءات “الإسرائيلية”، لكنه في نفس الوقت يتجاهل تاريخ بريطانيا الاستعمارية المليء بالترهيب بسبب السياسة الخارجية للمملكة المتحدة الداعية للحرب لدعم الصهيونية.
يمكن بسهولة ذكر لائحة ضخمة من الفظائع التاريخية التي ارتكبتها المملكة المتحدة عن سابق إصرار وتصميم على إضعاف وإخضاع المواطنين الأصليين داخل مستعمرات بريطانيا.
الدور البريطاني في سرقة فلسطين
لقد حدد وعد بلفور بداية سياسة الدولة البريطانية لدعم إنشاء “وطن يهودي” في فلسطين، قبل مائة عام كتب وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور ما يعتبره البعض الماغنا كارتا [الميثاق الأعظم] للصهيونية. أما بالنسبة للفلسطينيين الذين تم تجريدهم من أرضهم بالقوة، فكان ذلك بمثابة وعد فاجع، كان الوضع – كما وصفه المؤلف البريطاني آرثر كوستلر- “أمة واحدة وعدت رسميا لأمة ثانية في بلد ثالث”. لقد كانت مساهمة مبكرة ومؤسِّسة من بريطانيا لأكبر قضية سياسية وعسكرية معاصرة وما زالت مستمرة منذ العام 1948م، ومع ذلك فإن الدور البريطاني في ترهيب وسرقة واستعمار فلسطين بدأ قبل ذلك.
في عام 1917م، دخلت القوات الاستعمارية البريطانية فلسطين، وبحلول عام 1918م انتهى الحكم العثماني في فلسطين بعد هزيمة قواته في الحرب العالمية الأولى في معركة مجدو في سبتمبر 1918م، وبموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م كان يُتصور أن تصبح معظم فلسطين – بعد إنهاء السيطرة العثمانية عليها – منطقة دولية لا تخضع للسيطرة الاستعمارية الفرنسية أو البريطانية المباشرة، ولكن بعد الحرب احتل الجيش البريطاني فلسطين منذ عام 1917م حتى عام 1920م.
خلال الفترة التي كانت فلسطين فيها تحت الاحتلال البريطاني كان الصهاينة يمارسون الضغط على الحكومة البريطانية لتسهيل إقامة “وطن يهودي” على أرضها. في 2 نوفمبر 1917م استجاب البريطانيون للمطالب الصهيونية من خلال ما أصبح يعرف بـ “وعد بلفور”. حين أرسل آرثر بلفور- وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت- رسالة إلى اللورد روتشيلد (زعيم الطائفة اليهودية البريطانية) لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني (منظمة صهيونية خاصة). وأعلنت الرسالة دعم حكومة ملك بريطانيا للخطط الصهيونية بإنشاء “وطن قومي” يهودي في فلسطين، كما لو أن فلسطين جزء من أرض بريطانية.
كل هذا تم تأسيسه على يد المضطرب عقليا وداعي الحرب ونستون تشرشل الذي كانت جهوده الخاصة للمساعدة في تأسيس “وطن قومي يهودي” لأبناء صهيون في فلسطين على أشدها خلال 1921 و 1922م، بصفته أمينًا استعماريًا مسؤولًا بشكل مباشر عن تطور السياسة البريطانية في الشرق الأوسط.
منذ ذلك الوقت ازدادت سرعة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتي بدأت حوالي عام 1882م. اندلعت صراعات بين المستوطنين اليهود الجدد والشعب الفلسطيني، وقاتل كل منهم من أجل بقائه. تمرد الشعب الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني وسياساته الخاصة بتوطين الأجانب على أرضه. في هذه الأثناء واصلت العصابات الاستعمارية اليهودية غير القانونية شن هجمات على الشعب الفلسطيني وكذلك على قوات الانتداب البريطانية، لذلك وافقت الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م على “قرار تقسيم فلسطين” الذي من شأنه أن يقسم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين، ووضعت القدس تحت الوصاية الدولية من خلال إعلان ” كوربوس سيباراتوم”، ومع ذلك، لم يتم تنفيذ الخطة.
قلل الإرهابي البريطاني تشرشل من قدر السكان العرب في فلسطين معلناً “أنّ للكلب الحقّ النهائي في الحظيرة”، وعنى بذلك عرب فلسطين، وفي عام 1921م عندما وقف في مدينة القدس الفلسطينية أخبر تشرشل القادة الفلسطينيين بأنه “من الواضح أن اليهود، المنتشرين في جميع أنحاء العالم يجب أن يكون لهم مركز وطني ووطن قومي حيث يمكن لم شملهم، وفي أي مكان غير أرض فلسطين يمكن أن يكون ذلك، حيث ارتبطوا بها ارتباطًا وثيقًا على مدى أكثر من 3000 عام؟”. وقف بوقاحة على أرض أجنبية وطالب أهلها بإعطاء أرضهم عن طيب خاطر لطرف ثالث. لم تكن مطالبه دقيقة ودبلوماسية ، فقد تمت والبنادق مصوبة نحو رؤوس أهالي فلسطين.
من الواضح أن العرب الفلسطينيين رفضوا القبول، إذ أنهم في لندن في 22 أغسطس 1921م، حثوا تشرشل مرة أخرى على وضع حد كامل للهجرة اليهودية. رفض تشرشل هذه المناشدة، وقال للعرب: ” لدى اليهود مهمة أصعب بكثير من مهمتكم. إنتم عليكم الاستمتاع بممتلكاتم الخاصة؛ لكن هم عليهم أن يحاولوا الخروج من البرية، من الأماكن القاحلة. كانوا في فلسطين منذ مئات السنين. لقد حاولوا دائما أن يكونوا هناك. لقد فعلوا الكثير للبلاد. لقد بدأوا العديد من المستعمرات المزدهرة والكثير منهم يرغب في العيش هناك. إنه مكان مقدس بالنسبة لهم”. كما لو أن الأمر بالنسبة إلى السكان الفلسطينيين هو مكان يمكنهم التخلي عنه بكل بساطة، لأن شخصاً آخر جاء من مئات الأميال يدعي أن فلسطين هي ملكه عن طريق الحق الديني. في الواقع قد تجد أشخاصًا في الغرب يقرأون هذه الجملة الأخيرة ويتفقون معها إلى أن تسألهم كيف يشعرون إذا قرر العرب العودة إلى الساحل الأندلسي الجنوبي لإسبانيا ويدَّعون أنه مقدس لديهم وأسسوا دولة دينية واحدة ذات عرق واحد لهم هناك. عندما تسمع صمتهم الذي يصم الآذان تفهم أنهم عرفوا كيف أن خلق “إسرائيل” الصهيونية خاطئ وغير قانوني، لكنهم لا يجرأون على إعلان ذلك خوفاً من وصمهم بأنهم معادون للسامية، متجاهلين بذلك حقيقة أن الفلسطينيين الأصليين هم الساميون الحقيقيون في هذه القصة وليس المستوطنين الاستعماريين الأوروبيين غير الشرعيين.
وأصرّ تشرتشل على سياسته الصهيونية في وقت لاحق من عام 1937م، ففي اللجنة الملكية لفلسطين [لجنة بيل ” Peel”]، حيث ذكر أنه يعتقد بأن نية وعد بلفور هي جعل فلسطين “دولة يهودية على نحو ساحق”. في 19 مايو 1941م، في مذكرة سرية كتب عن أمله في تأسيس “دولة يهودية في فلسطين الغربية” بعد الحرب، مع امتيازات تضم أقصى حقوق الهجرة والتنمية بالاضافة إلى “التوسع في المناطق الصحراوية إلى الجنوب والتي سيستردونها تدريجيا” حتى بعد السرقة الكبرى لفلسطين كان تشرشل لا يزال يعد المستوطنين الصهاينة غير القانونيين بالمزيد من الأراضي الحرة للاستيلاء عليها جنوب فلسطين، وهذا يعني في كل من مصر وشبه الجزيرة العربية.
شراكة صارمة لترهيب العرب
وحتى الآن وبعد مرور أكثر من 100 عام، فإن الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي البريطاني لـ”إسرائيل” يسهّل العدوان “الإسرائيلي” على فلسطين أو لبنان أو سوريا. في عام 2018م تعهدت المملكة المتحدة بزيادة “التجارة والاستثمار” بين الطرفين، والتي تبلغ 9 مليارات دولار، بينما تواصل “إسرائيل” قتل السكان الفلسطينيين بشكل يومي. ومع ذلك لا يمكن للمرء العثور على مقال واحد في الإعلام البريطاني العام يشير إلى عمق سياسات المملكة المتحدة الداعمة لـ”إسرائيل” منذ أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى الآن.
في عامي 2016 و2017م باعت المملكة المتحدة بضائع عسكرية إلى “إسرائيل” بقيمة 512 مليون دولار، بما في ذلك مكونات الطائرات المقاتلة والدبابات والطائرات بدون طيار والاتصالات العسكرية وتراخيص التصدير المعتمدة لـ 34 نوعًا من المعدات العسكرية، ويبدو أن لا أحد يسأل لماذا، أو الأكثر عمليا لقتل من؟!
تريد المملكة المتحدة حظر حزب الله كونه قوة مقاومة للاحتلال والاعتداءات “الإسرائيلية” المتواصلة، بينما تملأ في نفس الوقت دبابات الكيان الأكثر عدوانية غرب آسيا، ويتوقع أن يظل السكان الأصليون في تلك المنطقة يراقبون بدلاً من أن يستعدوا للدفاع عن أنفسهم.
إن علاقة المملكة المتحدة العسكرية مع “إسرائيل” الصهيونية واسعة، وتغطي مجالات مثل التعاون البحري وتوفير مكونات لغواصات “إسرائيلية” مسلحة نووياً، ومع ذلك تختار المملكة المتحدة تصنيف حزب الله كمجموعة إرهابية، بينما تمتلك “إسرائيل” غواصات مسلحة نووياً دون أن تكون من الموقعين على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقد كشفت الحكومة البريطانية في عام 2018م أنها كانت تقدم تدريبا عسكريا إلى “إسرائيل” جاء ذلك في أعقاب أنباء في عام 2016م عن أن طيارين عسكريين بريطانيين كان من المقرر تدريبهم من قبل شركة تملكها شركة “إلبيت سيستمز” “الإسرائيلية” للأسلحة. والتدريب كان طويل الأمد.. في عام 2011م تم الكشف عن أن الجنود البريطانيين كانوا يتدربون في “إسرائيل” لاستخدام الطائرات بدون طيار التي تم “اختبارها ميدانياً على الفلسطينيين” خلال حرب 2008م على غزة.
إذاً، من هي المنظمة الإرهابية بالضبط؟
* موقع العهد

قد يعجبك ايضا