حدث في عرس

أشواق مهدي دومان
من بين حنانيك أيّها الزّفاف الميمون تستوقف تلك الفرقة الغنائية لتهدي زوجها ذلك الذي يؤمننا في جبهات الشّرف (ككلّ رجال الله ) لنعيش في سكينة وأمن كمن لا عدوان عليهم ، تهدي تلك الرّائعة ليثا من ليوث الله زاملا كأنّه إهداء لكلّ الأسود الحيدريّة ليلمع صوت عيسى الليث فيبدل تراخي النّفوس عنفوانا ويستفتح سير معركة رسمها شاعر مغوار بخط المجد الخالد ليخالج نبضات قلوب الحاضرات فإذا بمَن مع الحقّ ومَن تجامله يتراقصن في وجدانهن جميعا تلك الألحان الحماسيّة لمن زلزل بالزّامل وبصوته وخامة ذلك الصّوت الذي لا يسمعه سامع إلا وأراد أن يسمع منه الأكثر ، ليس إلا فطرة بشريّة تبحث عن الحقّ وتميل لفهم الحقيقة ، وليس إلا تمكّنا وفنّا مجاهدا يذود عن الأرض والعرض ؛ فمَن لا تتابع المسيرة (من الحاضرات ) وكلّ قنوات اليمن النّاطقة باسم تراب وعقيدة البلدة الطّيّبة النّابعة من عمق حقيقة تفضح وتلاحق فلول العدوان إعلاميّا فينتصر ذلك البطل المغوار في ساحات الشّرف حين يضرب مدرّعة بولّاعة وحين يرمي بقنبلة طالبا من قهّار السّماوات والأرض أن تفتك قنبلته بمدرعة أخرى فتحيلها هيكلا حديديّا أجوفاً وقد احترقت أحشاؤها كمن احترقوا فسقطوا وسقطت قيمهم حين تآمروا على وطنهم وأحبّوا لقمة الذّلّة وترزّقوا بدماء أهلهم، أهل الإيمان، وما دقت طبول حرب إنسانيتهم ويمانيتهم على المعتدي المحتل، بل مضوا يتجنّدون متخندقين ومبندقين ومصطفين في صفّ المحتل الأخرق يؤيدون قصف الأطفال وسفك دماء البشر حتى سالت وتلوّنت اليمن بالأحمر القاني ليكتب الله لأولئك المنافقين والمرتزقة والخونة الخزي والعار والذّلّة والحقارة في الدّنيا وبإذن الله إلى جهنم وبئس القرار في الآخرة، فكلّ بائع وتاجِر تاجَر بقيمه وعقيدته وأرضه وعرضه فهو خائن لله ورسوله وأمّة رسوله ، وأمّا ذلك الأشعث الأغبر، الذي حمل رفيق دربه الجريح على ظهره ورصاصات الخيانة تحدّق به ريب المنون ، وذلك البطل الذي سمى رفيقه شهيدا ولم يكن سواهما واللّه معهما وقد طارد كأسد فلول ذئاب المرتزقة فانتصر عليهم مفردا وهم كنعاج البراري يفرّون ويتساقطون جثثا منهزمة ليسطّر رجال اللّه ثباتا وبسالة أسطورية ما كانت ولن تكون على مدى التّاريخ ليستحقّ أولئك المرابطون أن يسكنوا ويحلّوا في أرواحنا ولأرواحنا شرف سكنهم فيها ..
نعم : لمع بارق صوتك يا – عيسى الليث – بنبرة صوتك الجهادية كسهام ورماح تتمكن من مواضع الأضغان بكلمات شعراء الحقّ من أذهلوا العالم بثورتهم، فكلماتهم ووقعها ليس بالسّهل الهيّن على النّفوس المريضة الحاقدة التي شبهت نفوس المعتدين ؛ فاتحاد كلمات رجال اللّه، أصحاب اللسان الشّاعر والمعبّر عن قضيّة مظلوميّة وطنهم مع لحن الملحن وأداء فناني الزّامل هو رماح تصيب قلوب المرجفين من أمثال من توانوا عن القتال في سبيل اللّه وتثاقلوا وتباطأوا وتهاونوا وكرهوا لقاء العدو إلا مستسلمين خانعين وهم أشباه رجال فتذكّرهم تلك الشّامخة النّبيلة بأنّ الله فضّل المجاهدين والمقاتلين في سبيله على القاعدين درجة.
والله أعلم بعظمة تلك الدّرجة ؛ فهي درجة تسمو بهم لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم رجال دفعتهم عظيمات للجهاد كتلك العروس حديثة الزّواج والتي لم يمضِ على عرسها الشّهر والنّصف إلا وزوجها يعاوده شوقه لساحات الشّرف فيستأذن قلبها المحبّ الصّغير المؤمن بأن يمضي للقتال في سبيل الله صونا للأرض والعرض فتكابد مشاعرها وتقاوم دمعاتها وتكتم حبّها وتتجاوز خوفها من أن يستشهد رجلها وزوجها البطل فتخبره : أن امضِ يا وليّ الله في سبيل الله فما ولن أمنعك من أن أعشقك أكثر وأنت تحمل بندقيتك على ساعدك الأسمر ولن أريك دمعات عيني التي ما رأت سواك من الرّجال فقد اخترتك خاصّة حين كنتَ من رجال الله ورفضتُ وتركتُ كثيرا خطبوني بشهاداتهم العلميّة وإغراءات آبائهم الماديّة وفضّلتك من رجال القائد الشّجاع / عبدالملك بدر الدّين الحوثي وقد واليتك وعاهدتُك على الولاء لله ورسوله وقائدنا الشّجاع.
نعم كان ذلك هو زوجها الذي اختارته ليس لغنى أو لوسامة أو لقصّة حبّ بينها وبينه عبر شاشات الفيس والواتس ،لا والله ولكن كان حبّا طاهرا نقيّا مقدّسا فهي لم تعرفه يوما ولم تقابله يوما ولم تره إلا قبل يوم عقد قرانها به حين استأذن أهلها لرؤيتها بين أهلها كنظرة شرعية تمثّل جسر رضا وقناعة ..
بعدها تطمئن الأرواح المخلصة وتستأنس ببعضها فتنسجم وتخلص في صدق اختيارها فيكون زوجها هو كلّ حياتها التي تصونها بأمر ربّ العالمين فقد قالت له :
امضِ في سبيل الله مقاتلا وكم أنا فخورة بك أيّها الحيدريّ وأنت تقتحم مواقع العدو وتقنص الطّامعين لحقوق غيرهم، امضِ .
وتدفعه للقتال في ساحات البطولة فيحنّ قلبها وروحها له فما أن جاء فرح صديقتها لتحضره ( وإن كان غنائيا) فهي لن تنأى عن المجتمع ولن تعتزله ،لكنّها ستوثّق خطى زوجها وتحكي قصّة جهاده وبقيّة رجال الله من خلال طلبها الخاص لزامل تهديه له وهو المغوار وهنا تستوقف الآلات الموسيقيّة وتُخجل كلمات الغزل والحب والغرام لتوجّه ذلك الغرام وتزيده دفعة روحانيّة فتحيله عشقا لرجال الله ..
موقف أدمع عيني فرحا بها وفخرا وانتشاء فقد أخرجَت المسيرة القرآنية فتيات كسيّدات نساء العالمين ، كما أخرجت رجالا كآل البيت وقبلهم الأنبياء والمرسلين .
لم أستطع أن آمر دمعاتي بالمكابرة فقد تركت لها العنان لأن تنهمر وأنا أسمع ذلك الإهداء حين قال قائد الفرقة الغنائية :
هذا طلب خاص من “…….” إلى زوجها “…….” في جبهات الشّرف ، فما سمعنا إلا عيسى الليث يلمع بارق نبضه في أرواحنا فينهمل كزّخّات مطر حقيقيّة ارتوت بها أرواحنا وأدمعت أعيننا بمشاعر مختلطة، فهو عشق لرجال اللّه وهو فخر بمدرسة المسيرة القرآنيّة وهو اعتزاز بتلك المجاهدة صغيرة السّن حديثة الزواج التي أشعلت في الحاضرات ثورة على المعتدين فرأينا نساء ليست المسيرة ولا رجال الله وقتالهم وثباتهم قضيتهن ومع ذلك كان وقع الزّامل في نفوسهن مما أخرجهن من تقوقعهن واتهاماتهن للأنصار حين صفّقن بشدّة وقمن يؤدين رقصّة على زامل الليث .
نعم كان ذلك ما حدث ، وحينها لم نجد أرواحنا وأفواهنا إلا تصرخ بشعار :
اللّه أكبر – الموت لأمريكا -الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النّصر للإسلام….
لتتداعى الأرواح المجاهدة من جديد فتُطلب زوامل من جديد وتحيا الانتصارات ورجالها في تلك الزّوامل التي تقتفي وتحكي سير وقصص انتصار الحقّ على الباطل.
كان ذلك هو التّداعي للمجد وبعد كلّ زامل كانت الصّرخة بلسما وترجمان عشق سبيل اللّه ورجال اللّه ، ذلك العشق الأسمى، فكما أنّ رجال اللّه يبذلون أرواحهم ويرخصونها من أجل عقيدتهم وقيمهم ودينهم وصونا لأعراضهم وأعراض كلّ اليمانيات ؛ فإنّ من باب الوفاء وردّ الجميل أن نثبّتهم بالدعاء وأمّا تثبيت قلوبهم وعقولهم فقد سبقتنا إليه نساؤهم مثل تلك الصّغيرة النّبيلة التي علّمت الحاضرات لماذا ومن يستحق أن يُعشق ؟
وما العشق الأسمى الذي يجب أن يكون ؟
والسّلام

قد يعجبك ايضا