القمح يسجل 26.7% من إجمالي الواردات الغذائية لليمن

استمرار الاعتماد على الواردات يؤثر في الاستقرار الاقتصادي ومعيشة السكان

 

¶ السياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة تسببت في تدهور الإنتاج المحلي من القمح

أحمد المالكي

أكدت دراسة زراعية حديثة صادرة عن وزارة الزراعة والري تطور الأهمية النسبية لقيمة واردات القمح كنسبة من الواردات الزراعية والتي أصبحت تشكل حوالي 26.7 % من إجمالي الواردات الغذائية الزراعية و72 % من إجمالي واردات الحبوب و26.5 % من إجمالي الواردات الغذائية، حيث يعكس حالة التدهور المستمر للإنتاج المحلي واتساع فجوة عجز القمح إلى استمرار اعتماد اليمن على الواردات لتغطية هذا العجز مما أثر ويؤثر على الدوام في الاستقرار الاقتصادي ومعيشة السكان، باعتباره المصدر الرئيسي لغذائهم.

وأشارت الدراسة التي أعدتها الباحثة الاقتصادية أروى أحمد البعداني بعنوان (زراعة القمح في اليمن – التحديات – الحلول والفرص المتاحة) حصلت “الثورة” على نسخة منها إلى أن كمية واردات القمح تغطي نحو 95 % من الاحتياجات الاستهلاكية المحلية وهذا يجعل اليمن أكثر تبعية للعالم الخارجي ويجعل أمنها القومي أكثر عرضة للمتغيرات الدولية والمستجدات على الساحة العالمية.
ولفتت الدراسة إلى أن القمح الاسترالي والأمريكي والهندي والروسي والتركي والكندي والأوروبي تعد من أهم الأنواع التي يتم استيرادها في اليمن، وتشير البيانات الواردة في الدراسة إلى تراجع واردات القمح من 282.8 مليار ريال يمني ما يعادل 1.319 مليار دولار عام 2012م لتصل إلى حوالي 179.8 مليار ريال يمني ما يعادل 719 مليون دولار بنسبة انخفاض قدرت بـ 36 %.
تراجع
وبحسب الدراسة فقد أرجع خبراء الاقتصاد هذا التراجع إلى عدة أسباب أهمها تراجع حجم الاستهلاك المحلي من 4269.9 ألف طن عام 2012م إلى 2973.8 ألف طن عام 2016م أي ما يقارب 1296 ألف طن إضافة إلى القيود المفروضة على الاستيراد منذ مطلع العام 2015م جراء العدوان والحصار المفروض على اليمن وكذلك الصعوبات المتزايدة التي تواجه مستوردي القمح في الحصول على النقد الأجنبي لتحويل وارداتهم برغم الانخفاض المستمر لسعر القمح في الأسواق العالمية وكذا تدهور أسعار الصرف (الريال مقابل الدولار) وتقلباتها المستمرة الأثر السلبي في تراجع كميات الواردات من القمح.
صناعة الخبز
ووفقاً للدراسة فإن القمح في اليمن يعد من السلع الضرورية كونه يدخل في صناعة الخبر بأنواعه المختلفة، وهو أكبر صور استهلاك للقمح، والذي تصاعد منذ مطلع السبعينيات وأخذ منحى متزايداً على حساب الحبوب التقليدية الأخرى وقد قدرت مساهمته بـ 70 % من إجمالي الكمية المستهلكة والتي استمرت لزمن طويل المصدر الرئيسي للطاقة الغذائية للسكان في اليمن.
وأضافت الدراسة إن السنوات الأخيرة شهدت انحساراً في المساحات المزروعة وتراجع حجم الإنتاج المحلي لتلك المحاصيل وبشكل خاص الذرة الرفيعة والدخن ونتيجة للظروف التي تمر بها البلاد منذ مطلع العام 2011م واندلاع الحرب العدوانية في النصف الأول من العام 2015م وما ترتب على ذلك من آثار سلبية في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن اليمني فقد تراجع حجم الاستهلاك وتراجعت نسبة الاكتفاء الذاتي من 6 % إلى 3 % خلال الفترة 2012 – 2016م.
تراكمية
وتقول الدراسة إن هذه المشكلة تعتبر تراكمية ونتاجاً للإهمال لسنوات طويلة حيث لم تعط الحكومات المتعاقبة الاهتمام الحقيقي لزراعة القمح ومواجهة الطلب المتنامي له في الأسواق المحلية، واكتفت بتغطية العجز في الطلب للقمح بالاعتماد على الاستيراد الخارجي ما شكل أحد أهم أسباب تفاقم أزمة الغذاء وانعدام الأمن الغذائي الذي باتت اليمن تعاني منه بصورة خطيرة خاصة مع تفاقم حدة الصراع الداخلي والعدوان الخارجي والذي أدى إلى أن يصبح أكثر من نصف مجموع سكان اليمن (24 مليون شخص) يواجهون تبعات انعدام الأمن الغذائي بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).
تضخم
ووفقاً للدراسة فإنه بتتبع تطور أسعار القمح في السوق المحلية فقد وجد ارتفاع للأسعار بصورة مستمرة خلال الفترة (2012 -2016م) حيث قدر سعر القمح عام 2012م في المتوسط بـ 175 ريالاً / للكيلو ليصل عام 2016م إلى 224 ريالاً بمعدل تضخم 26 % وقد بدأت الأسعار بالارتفاع بمعدلات عالية منذ العام 2015م بمعدل تضخم قدر بـ 19% ليأخذ بعد ذلك في الصعود المتتالي، وتقول الدراسة إن أسعار القمح اتسمت بالارتفاع المستمر منذ رفع الدعم عن القمح في إطار برنامج الإصلاح المالي والإداري وبالتالي أصبح سعر القمح في السوق المحلية مرتبطاً بأسعار السوق العالمية.
خيار ضيق
وتؤكد الدراسة أن السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة كان لها الأثر البالغ في تدهور الإنتاج المحلي للقمح بصورة خاصة بالإضافة إلى أن السياسات الحكومية لم تشهد تنفيذ خطط استراتيجية مجدولة زمنياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحيث تحشد لها الموارد اللازمة والبرامج المناسبة لتحقيق هذا الغرض، بل اكتفت باتباع سياسة تحقيق الاكتفاء من خلال تغطية العجز المحلي من الاستيراد الخارجي كخيار استراتيجي ضيق الأفق، متجاهلة بذلك المفهوم الأساسي للاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء والذي يقصد به الاعتماد على الذات في تحقيق حاجات المجتمع من الغذاء من خلال إنتاجه الذاتي وتوظيف موارده الخاصة، كما قامت الحكومات المتعاقبة بتنفيذ سياسات اقتصادية استجابة لطلبات المانحين، وخاصة المؤسسات الدولية الرئيسية كشرط للحصول على القروض والمساعدات أو لغرض تحقيق مواقف سياسية تعبر عن الاستجابة لرغبات القوى العالمية المهيمنة حتى ولو لم تتوافق تلك السياسات مع مصالح البلاد.
إرادة سياسية
وفي جانب زيادة الإنتاج من محصول القمح أوضحت الدراسة أن هناك جملة من الإجراءات التي لا بد منها لزيادة حجم إنتاج القمح بنسب تحقق زيادة في الاكتفاء الذاتي على اعتبار ان القمح من السلع الاستراتيجية الهامة لتحقيق الأمن الغذائي في البلاد والتي لن تتحقق إلا بوجود إرادة سياسية صادقة تسعى لتحقيق زيادة في نسب الاكتفاء الذاتي من القمح في البلاد من خلال تبني خطط استراتيجية لزيادة إنتاج محصول القمح ومن أهم هذه الإجراءات التي أوصت بها الدراسة والتي من أهمها توفير البذور المحسنة ذات الجودة الإنتاجية العالية وتوزيعها على المزارعين مجاناً ورفع الوعي لدى المزارعين بأهمية استخدام التقنيات الحديثة في الري للحصول على منتج جيد ورفع إنتاجية الهكتار إضافة إلى أهمية تشجيع الاستثمار في زراعة القمح والحبوب من خلال مصفوفة تحفيز وضمانات حكومية للقطاع الخاص والرأسمال الوطني للاستثمار وزيادة المساحة المزروعة وتسهيل إجراءات الضرائب والجمارك عند استيراد المدخلات الزراعية وإبرام عقود الشراء مع الدولة للإنتاج من القمح والحبوب وفق آلية تضمن الربحية المناسبة للقطاع الخاص وبما يحقق المصلحة العامة للجميع، كما أوصت الدراسة بأهمية حظر استخدام المساحات الصالحة لزراعة القمح في زراعة القات أو العمل على زيادة الإنتاجية الرأسية لمحصول القمح عن طريق استنباط أصناف محسنة عالية الجودة وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة وخفض التكاليف كوسيلة لتحفيز وتشجيع المزارعين على زراعة القمح.

قد يعجبك ايضا