استدعاء مكة .. وسوءة عمرو !!

 

أحمد يحيى الديلمي
في صرخته المدوية وخطابه القوي للقادة العرب ضمن قصيدته الشهيرة التي ألهبت حماس الملايين في ذلك التاريخ ، قال الشاعر العراقي العروبي “مظفر النواب” :
القدس عروس عروبتكم
وذهبتم تسترقون السمع لفض بكارتها
يا أبناء (…) هل تبقى مغتصبة ؟!!
وساق في تعرية واقع الأمة المتخاذل فقال :
لا زالت سوءة عمرو بن العاص
تقبح وجه التاريخ
وردت في البيت الأخير إشارة إلى الحيلة التي لجأ إليها عمرو بن العاص لينجو بنفسه من سيف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في معركة صفين ، فحينما أحس بالسيف يلمع وحرارة الموت تقترب منه كشف عن سوءته لعلمه أن أخلاق وقيم الإمام علي ستدفعه إلى التراجع وعدم الفتك به ، وهو ما حدث بالفعل فلقد تراجع الإمام علي ونجا عمرو من الموت المحقق ، استحضرت المشهد نفسه وأنا أستمع إلى البيان الصادر عن النظام السعودي الذي أشار فيه إلى أن الصواريخ المضادة أسقطت صاروخاً يمنياً ، زعم البيان أنه كان متجهاً نحو مكة .
قد يتساءل البعض أين وجه الشبه في المشهدين ؟! وهو تساؤل مشروع ، بالذات ممن يجهل خلفية قيام هذا النظام وحالة التشابه بينه وبين دولة الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين .
لإجلاء الصورة أقول : وجه الشبه جوهري وواضح ، لو لم يكن إلا في الحقارة والخسة وانعدام الحياء وعدم التحرج من استخدام أي وسيلة مهما تدنت من أجل النجاة ، لو أمعنا النظر في فعل النظام السعودي وبيانه السخيف ، لوجدنا أنه أكثر حقارة ونذالة من فعل إبن العاص لأن الأول كشف عن سوءته ، أما نظام آل سعود قد كشف عن سوءة الدين واستهان بقبلة المسلمين وأعظم مكان مقدس على وجه الأرض ، فقدم صورة بشعة عن الانحطاط والاستهانة بقدسية الدين .
الموقف تجاوز الرد الانفعالي النزق إلى استدعاء مكة واستحضار الدين الملوث بفكر الإرهاب بصيغته الايدليوجية وأدبياته الوهابية ، بما هي عليه من التشدد والتطرف والإصرار على حشر الدين والمقدسات في المواجهة مع أي طرف إسلامي يعارض هذا النظام أو ينتقد أفكاره الطوباوية ، ليسهل عليه خداع المسلمين وحشدهم في صفه لمواجهة أي طرف ، لأنه في نظر الوهابية مرتد أو كافر مباح الدم والعرض ، كل المؤشرات تؤكد أن الصواريخ أحدثت وجعاً فادحاً جعلت هذا النظام يستغيث بمكة والدين كما هي عادته ، ويتعمد شيطنة الوقائع وتحريفها خلافاً لما هي عليه ، كما يبذل جهده لتسييس التقارير المتصلة بمعاناة الناس ، ولا يهم في هذه الحالة أن يتاجر بالدين والقيم والمبادئ.
الأمر حمل دلالات كثيرة مفادها أن النظام المُسخ في نجد والحجاز على استعداد لأن يتاجر بأي شيء حتى بالأعراض والمقدسات ، وعرض ما يمكنه عرضه في سوق النخاسة إذا رأى أن الفعل طريق النجاة واستمرار السيطرة ، وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ إليها النظام ويستخدم مثل هذه الأساليب المتدنية ، فلقد سبق أن مارسها مع دول عدة ناصبته العداء وأكدت عدم أهليته لإدارة الأماكن المقدسة، فلجأ إلى هذه الأساليب القذرة ، وها هو اليوم يعيد الكرة بتوظيفها مع اليمن عندما تكون الضربة الصاروخية موجعة ، يجعل مكة في الواجهة كما حدث مع الصاروخ الذي وجهه رجال الله إلى ميناء جدة ، فمكة هذا المكان المقدس العظيم الذي احتوى أول دار للعبادة على وجه الأرض تحولت على يد هذا النظام إلى وسيلة للمساومة والبيع والشراء ، كلما أحس بأن طرفاً من أطراف المسلمين يهدده تقفز مكة إلى الصدارة وتحتل الواجهة ، مع أن القوى الصاروخية في هذا المرة كانت واضحة استهدفت قاعدة الملك فهد في الطائف، وجاءت أفادات من سكان الطائف تؤكد أن الضربة كانت موجعة وأنها حققت أهدافها ، فلم يكن أمام هذا النظام إلا أن استحضر مكة وتباكى عليها عله يدغدغ العواطف ويثير مشاعر المسلمين ، التوظيف انتهازي وحقير بكل المقاييس يكشف عن الخلفية الموبقة لهذا النظام .
فهل يعي المسلمون حقيقة هذا النظام المترهل ؟!! وما هو عليه من الخسة والدناءة ، وأي سوءة وأي تآمر أفظع من كشف سوءة بيت الله الحرام والتآمر عليه ، هل يعي المسلمون هذا الأمر ؟! أتمنى ذلك..
وأخيراً أقول : هل يعي غلمان الرياض وأبو ظبي أن إصرار أمريكا ومن معها على إطالة أمد العدوان في اليمن مؤامرة خطيرة تعني إمعان الانتقام من الدولتين بأسلوب الدعم والتأييد .. أرجو أن ترتقي أذهان حكام الدولتين لتعرف ما تخفيه الصدور ، وتمعن النظر في مثل هذا التآمر .. أرجو ذلك .. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا