دعوة لإحياء الضمير‮ ‬


د‮ . ‬بكر زكي –
من المفاهيم‮ ‬غير الصحيحة لدى كثيرين أن الإنسان ملك نفسه‮ ‬ولذلك‮ ‬يتصرف البعض كما‮ ‬يحلو له‮ ‬والصواب أن الإنسان مؤتمن على نفسه‮ ‬غير مالك لها‮ ‬ولو كان الإنسان مالكا لنفسه لتصرف بها كما‮ ‬يحلو له‮ ‬ولم نسمع من أجاز شرعا بيع حاسة من الحواس أو جهاز من الأجهزة القائمة بالإنسان‮ ‬كالكبد والكلى والقلب والعين‮ ‬إلخ‮ ‬بل الإجماع على عدم جواز بيع شيء من ذلك‮ ‬وأما التبرع ففيه خلاف مع الاتفاق على عدم صحة التبرع بما‮ ‬يفضي‮ ‬إلى موت المتبرع‮ ‬كالتبرع بالقلب أو الكبد‮.‬
وقد وضع الإسلام آدابا للتعامل مع الجوارح ونظم العلاقة بين الإنسان ومكوناته‮ . ‬قال تعالى بشأن المشي‮ ‬والكلام‮ “‬واقصد في‮ ‬مشيك واغضض من صوتك‮”‬‮ ‬وبشأن الإنفاق‮ “‬ولا تجعل‮ ‬يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط‮”.‬
وبشأن صيانة الحواس عن العبث والجاسوسية‮ “‬ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاٍ‮” . ‬وبشأن حاسة الإبصار والتناسل‮ “‬قل للمؤمنين‮ ‬يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما‮ ‬يصنعون‮”‬‮ ‬وبشأن طهارة القلب من الحقد والحسد والغل والكراهية‮ “‬يوم لا‮ ‬ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم‮”.‬
وهناك آيات أخرى تهدف كلها إلى وضع قواعد وضوابط لتصرفات الإنسان‮ ‬على أن‮ ‬يدرك ما‮ ‬يفعل ويعي‮ ‬ذلك‮ ‬قال تعالى‮ “‬بل الإنسان على نفسه بصيرة‮ ‬ولو ألقى معاذيره‮” . ‬وقد أمر الله الإنسان بحفظ نفسه من نار جهنم ولن‮ ‬يكون ذلك إلا بفعل الطاعات وترك المعاصي‮ ‬قال تعالى‮ “‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة‮”.‬
لقد ركب الحق في‮ ‬كل إنسان آلة تنبيه ضد المعاصي‮ ‬فإن لم‮ ‬يعطلها الإنسان وانتفع بقرعها أقلع عن المعصية‮ ‬وإذا تركها تعمل دون أن‮ ‬يستجيب لها‮ ‬فإنه لا‮ ‬يلبث أن‮ ‬يألف صوتها من دون أن تسبب له إزعاجا‮ ‬بل إزعاجه في‮ ‬كونها لا تدق ولا تنبه الذي‮ ‬يعمل في‮ ‬مصنع للحديد أو النحاس أو صناعة الغزل والنسيج‮ ‬لقد ألف الطرق واستجاب للجرس العالي‮ ‬واعتادت أذنه هذه الأصوات‮ ‬وانسجم كيانه معها فإن توقفت هذه الأصوات ظن أن الدنيا قد فنيت والحياة قد انتهت والقيامة قد قامت‮… ‬إلخ‮ . ‬وأما من لم‮ ‬يعتد الأصوات العالية ولا الهزات المزعجة‮ ‬فإن أدنى صوت حوله‮ ‬يقض مضجعه ويذهب راحته‮ ‬وبهذا تجدي‮ ‬آلة التنبيه مع هؤلاء‮.‬
إن الضمير هو آلة التنبيه التي‮ ‬تحرك الإنسان إلى مساءلة نفسه قبل العمل‮ ‬وبعد العمل هذا هو السؤال‮: ‬أربك راض عما تفعل¿ أما أنه مخالف لها وعليك الوزر¿ وما الخلاص منه وما السبيل إلى مرضاة الله¿
أسئلة شتى‮: ‬إن لم‮ ‬يْمت الإنسان صوت الضمير فإنها تحول بينه وبين المعصية‮ ‬قال تعالى‮ “‬إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون‮ ‬وإخوانهم‮ ‬يمدونهم في‮ ‬الغي‮ ‬ثم لا‮ ‬يقصرون‮”‬‮ ‬قال تعالى‮ “‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن‮ ‬يغفر الذنوب إلا الله ولم‮ ‬يصروا على ما فعلوا وهم‮ ‬يعلمون‮” . ‬وقال تعالى‮ “‬وإما‮ ‬ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين‮”.‬
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العلاقة بين الإنسان والملائكة والشياطين‮ ‬فقال‮ (‬ما من أحد إلا وقد وكل به قرين من الجن‮ . ‬قالوا‮: ‬وأنت‮ ‬يا رسول الله¿ قال‮: ‬وأنا‮ . . ‬إلا أن الله أعانني‮ ‬عليه فأسلم‮ ‬فليس‮ ‬يأمرني‮ ‬إلا بخير‮) . ‬وبين صلى الله عليه وآله وسلم أثر القرينين في‮ ‬سلوك الإنسان‮ ‬وذلك في‮ ‬قوله صلى الله عليه وآله وسلم‮ (‬إن للملك لمة بابن آدم وإن للشيطان لمة‮ ‬فأما لمة الملك فإيعاز بالحق وتكذيب بالشر‮ ‬وأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق‮).‬
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرنا‮ (‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا‮) . ‬وفي‮ ‬الحديث‮ (‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‮).‬
أليست هذه دعوة صريحة إلى إحياء الضمير في‮ ‬الإنسان¿ وإلا كيف‮ ‬يحاسب الإنسان نفسه وكيف‮ ‬يزن أعماله¿
كم من جرائم وقعت في‮ ‬صدر الإسلام‮ ‬لم‮ ‬يطلع عليها‮ ‬غير الله ولم‮ ‬يعلم بها بعد الله إلا فاعلوها‮ ‬فدفعتهم ضمائرهم وخوفهم من ربهم وعلمهم بأن عذاب الدنيا مهما اشتد فإنه أهون من عذاب الآخرة‮ ‬إلى مقابلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مخبرين إياه بما كان منهم‮.‬

‮> ‬عميد كلية أصول الدين بالأزهر

قد يعجبك ايضا