
أبين الخير والعطاء يرتبط اسمها دوماٍ بما تنتجه من محاصيل زراعية من أنواع القمح والخضار والفواكه بأنواعها وإنتاجها للذهب الأبيض (القطن) طويل التيلة الذي تشتهر بزراعته منذ أكثر من قرن من الزمان وتصديره إلى عددُ من الدول الصناعية في العالم قبل أن يْنشئ محلج القطن في منطقة الكود في المحافظة في خمسينيات القرن الماضي وهي الفترة الزمنية التي شهدت رخاءٍ وإزدهاراٍ في حياة الفلاحين الزراعيين نتيجة قيمة مردوده النقدي آنذاك وقد شهد العقدان الماضيان تراجع نسبة كبيرة من الفلاحين عن الإهتمام بزراعة هذا المحصول النقدي بفعل عبثية الري للأراض الزراعية وغياب التصريف الصحيح للسيول وتهريبها .
فقد كان الفلاحون في أزمنتهم الإنتاجية الجميلة يستبشرون خيراٍعند كل موسم زراعي تتدفق فيه السيول ويتفاءلون عاماٍ بعد عام بتنظيم مجراها لاستفادة عامة الفلاحين منها تحت إشراف لجنة زراعية ومفتشين زراعيين متخصصين ونزولهم المتواصل عند الإعلام بتدفق السيول في كافة مناطق دلتا أبين خاصة بمسمياتها المختلفة وترتسم الإبتسامة على وجوه الفلاحين الذين يعدون العدة بدءاٍ من حرث الأرض ثم ريها وزرعها وحصد ما تنتجه الأرض من خيرات.
قضية عالقة
* إن مشكلة تصريف السيول تظل قضية عالقة تؤرق الفلاحين البسطاء في دلتا أبين وذلك لعدم قدرتهم على مواجهة بلاطجة تهريب السيول عن أراضيهم المستصلحة حيث أصبح حالهم اليوم عكس الأمس إذ يتضرعون إلى الخالق أن يمن عليهم بما جادت بها الأمطار الهاطلة على المرتفعات الجبلية المجاورة من سيول لري أراضيهم التي تعتمد موسمياٍ على مثل هذه الهبات الربانية على أن واقع حال مانسبته 65% من أولئك المزارعين سنوياٍ يدخلون في خارطة الجدب والجفاف على حد تعبير الفلاحين الذين يعانون موسمياٍ من تهريب السيول عنهم إلى مناطق وأراض زراعية أما أن تكون مْتخمة بمياه الآبار الإرتوازية لعدد من المتنفذين كمزارع إنتاج الموز ومنها ما تروى مرتين على مدار السنة بينما تْهدرهذه الثروة سنوياٍ إلى عرض بحر العرب جنوب محافظة أبين وتْحرم منها أراض شاسعة وآلاف الهكتارات في مناطق الملك والقريات وباجدار وباشحارة ويتساءل المزارع عن أسباب عجز مكتب الزراعة في المحافظة عن القيام بمهامه وغياب إعادة تفعيل دور المفتشين الزراعيين الذين توكل إليهم المهام السالفة الذكربتصريف مياه السيول بشكل عادل عند تدفقهاعلى مناطق الدلتا الواسعة والنهج السلبي غير المسؤول لقيادة السلطة المحلية في المحافظة التي تطلق في تصريحاتها الصحفية أرقاماٍ خيالية لآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية المروية التي لاتوجد حتماٍ إلا في نسيج خيالها الخصب بحسب صرخات الفلاحين في عدد من المناطق الزراعية.
جفاف وتصحر
* يقول الفلاح أحمد محمد بارادم : منذ أكثر من 19عاماٍ لم تعرف أراضينا الزراعية السيول وعندي قرابة 15 فداناٍ في منطقة الملك والقريات تحولت إلى أراض بور لانستطيع الاستفادة من خيراتها الزراعية التي عهدناها منذ خمسينيات القرن الماضي حتى نهاية الثمانينيات حيث كانت تجودب مختلف المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة والقطن طويل التيلة كأهم محصول تشتهر به هذه الأراضي التي تروى على مياه السيول الموسمية والحبحب والشمام واللوز والسمسم وغيرها من المحاصيل الأخرى ومنذ تلك السنوات يتم العبث بمياه السيول تحت مرأى ومسمع المسؤولين في مكتب الزراعة في المحافظة والقيادات التي تعاقبت عليها والتي لم يأت منها إلا الجفاف والتصحر حيث تحولت أراضينا إلى مساحات لنمو أشجار الغابات الشوكية الضارة بينما تروى أراض أخرى مرتين على التوالي في الموسم الواحد في مناطق الجول والحصن والدرجاج والخاملة وغيرها من المناطق الأخرى كمزارع الموز الفسيحة فمن ينصف الفلاحين الذين أراضيهم جدب ¿ وماالجدوى من بقاء وزارة الزراعة في ظل الحصار المفروض على الفلاحين في هذه المناطق الزراعية الخصبة وغيرها.
لعنة القحط
* أما الفلاح محمد عوض ناصر فقد تحدث قائلاٍ : لدينا حوالي 5 فدان في منطقة القريات لم تْسق بمياه السيول منذ العام 1991م وهي الفترة الزمنية التي شهدت بدايات تهريب السيول عن أراضي الفلاحين في مناطق محددة كالقريات والملك التي توجد فيها آلاف الأفدنة التي كانت تنتج أجود أنواع القطن العالمي في كل موسم زراعي وتغرق بإنتاجها محلج القطن في الكود بمئات الآلاف من الأطنان من هذا المنتوج النقدي أما في يومنا هذا فقد أصبحت لعنة القحط والجفاف متلازمة سنوية بدلا عن أحلامنا بالسيول وصرنا ندرك مسبقاٍ بوجهتها إلى البحر وحرماننا منها بفعل السياسة الخاطئة لتصريفها وتهريبها عن الفلاحين في هذه المناطق تحت سمع وبصر قيادة المحافظة.
قراصنة السيول
* أما المزارع عبدالله ناصر أحمد فقد تحدث قائلاٍ: مع الأسف ففي الوقت الذي يطالب فيه عدد كبير من الفلاحين في مناطق مختلفة لم تصل إليها السيول في هذا الموسم إلا أنها وصلت بعبثية الخارجين عن الذمة والقانون إلى أراضي بور في منطقة الباحطة وضواحيها وإلى مزارع الموز للمتنفذين التي هي مْتخمة بالمياه ولذلك فإننا ندعو كافة الفلاحين في مناطق دلتا أبين إلى الإسراع في تشكيل لجنة أهلية من العقلاء وذوي الخبرة في تاريخ المنطقة الزراعي وذوي الكفاءات لضمان التصريف العادل لمياه السيول ومتابعة كل ما يستجد من أضرار بالفلاحين الزراعيين ومنها حرمانهم من السيول كما ندعو أبناء دلتا أبين إلى الوقوف والمساندة لجهود الأخ مدير الزراعة في المحافظة لمتابعته الشخصية ونزوله المستمر لوضع حدُ لقراصنة السيول التي لم تلجمهم سلطة المحافظة وأجهزة الأمن.
* ويقول أحد المواطنين من منطقة جعار : لقد أودت السيول المتدفقة قبل أيام بحياة 3 أفراد ليس غرقاٍ في المياه بل تقاتلا مختلفين على حصول كل منهم على حصته من مياه السيول بعد إدعاء أحدهم بأنه هو من جاء بمياه السيل وساق به إلى أرضه ولن يمنحه لأحد غيره وهي نوادر لم تحدث في زمن أجدادنا وآبائنا .
إمكانيات شحيحة
* ولمعرفة حقائق تلك الهموم التي تعصف بأحوال وأوضاع الفلاحين في عدد من مناطق دلتا أبين جراء تدفق السيول الموسمية وتهريبها عن الفلاحين والصعوبات التي تواجه مكتب الزراعة ولجنة الري في المحافظة التقينا الدكتور حسين فضل صالح مدير مكتب الزراعة في محافظة أبين والذي تحدث بالقول: إن تدفق السيول الموسمية في أبين تتم عادة في فصلي الخريف والصيف وغالباٍ مايصل ارتفاع منسوبها إلى 3 أمتارتقريباٍ وفي هذا العام وصل ارتفاع منسوب المياه من 8 ـــ 9 أمتار وهي حالة نادرة منذ أعوام طويلة وهذا الارتفاع كان فوق الطاقة التشغيلية لشبكات قنوات الري مما أدى إلى تدفقها بقوة من سيلة مهاربة وأمضيبعة في باتيس وذهاب نسبة كبيرة منها إلى البحر في وادي بنا ووادي حسان نتيجة عدم السيطرة عليها بفعل الإمكانيات الشحيحة لجاهزية إدارة الري هذا من ناحية ومن ناحية أْخرى فقد تم إرواء حوالي من 50 ـــ 60 ألف فدان تفريباٍ من الأراضي الزراعية المطلة على وادي بنا وحسان .
صعوبات وعراقيل
* وعن الصعوبات التي تواجه إدارة الزراعة في المحافظة لمواجهة مثل تلك الحالات في مواسم السيول تحدث قائلاٍ: لاتوجد الإمكانيات الكافية لدى إدارة الري في المحافظة لمجابهة هذه السيول وذلك للأسباب الآتية :
– عدم وجود ماكنة واحدة من ماكنات الآليات الزراعية للقيام بتصفية القنوات وإصلاح العْقم الكبيرة والصغيرة وماتخلفه السيول من جرف للأراضي .
– عدم توفير الميزانية التشغيلية لإدارة وعمال الري في المحافظة وبالتالي عدم القدرة على تنظيم عملية الري وقد أبلغنا قيادة السلطة المحلية بذلك .
– غياب السلطة الرادعة والقوانين في وقف بلطجة المتنفذين في منطقة باتيس وضواحيها الذين يقومون بري مزارع الموز بالقوة ولأكثر من مرة وتنفيذ البرامج المْعدة من قبل أدارة الري في المحافظة التي يتم التعامل بها منذ عقود طويلة في التعامل مع السيول الموسمية .
– دفع الرشاوى من المبالغ لضعفاء النفوس من أجل التحايل لري أراضيهم ومزارعهم لموسمين متتاليين أمام مرآى ومسمع الكل وترك أراضي الآخرين جدباء منذ 20عاماٍ كأمر واقع .
تشكيل لجنة
* ويضيف د. فضل قائلاٍ: ونتيجة لكل تلك المعوقات والأعمال الصبيانية التي يرتكبها قراصنة السيول فقد تم الجلوس مع محافظ المحافظة والمجلس المحلي لمناقشة ذلك وتم الاتفاق على المعالجة الجذرية لهذه المشاكل العالقة والجلوس مع جميع الأطراف أكان من مالكي مزارع الموز والجمعيات الزراعية ومأموري مديريتي زنجبار وخنفر وإدارة الزراعة في المحافظة وأْتفق على وضع حدُ للسقي المتكرر لمزارع الموز وإعادة قانون الفضلي واليافعي الذي يلزم كافة المزارعين بدون استثناء في مناطق دلتا أبين بالحصول على حصتهم من مياه السيول بحسب الأولوية وفي مواسم الخريف والصيف وإستزراع أراضيهم وإعالة أْسرهم بعد أن وصلت ذروة السيول في 7 أكتوبر الماضي إلى أكبر من طافة العْقم في وادي بنا وحسان حيث حدثت أضرار كبيرة في شبكات الري وقد تم الإتفاق على تشكيل لجنة مكونة من : مأموري مديريتي خنفر وزنجبار ومدير مكتب الزراعة في المحافظة ومدراء الزراعة في المديريتين ومهندسو الري ومستشاري الري في المحافظة وذلك للقيام بحصر الأضرار في شبكات الري والأراضي الزراعية وتوفير الإمكانيات اللازمة بعد رفعها للمحافظة لمجابهة هذه الكارثة الطبيعية والعمل على إصلاح الاضرار لما من شأنه اتخاذ الإجراءات اللازمة عند تدفق السيول والاستفادة منها وعدم ذهابها إلى البحر مرة أْخرى .
مطالب عاجلة
* وللوقوف أمام المعالجات العاجلة لتفعيل نشاط مكتب الزراعة في محافظة أبين قال مدير الزراعة : إذا ماتم معالجة جملة الصعوبات التي تعيق نشاطنافنحن بأمس الحاجة إلى الآليات الزراعية بشكل عاجل للقيام بمهام عملنا كمكتب للزراعة لتصفية قنوات الري وإعادة إصلاح العْقم الترابية كعْقمة السمة وعْقمة السادة وعْقمة الديو الداخلية والخارجية والإسراع في تنفيذ مشروع سد حسان حيث لاتوجد لدينا فكرة عن مراحل تنفيذه لعضويتنا الشكلية فقط كمكتب الزراعة في المحافظة.