السباق نحو الأسفل!!


قد يكون من المنطقي تشجيع الاستثمار الخاص وتوليد فرص العمل لكن المشكلة اللجوء أحيانٍا إلى رفع القيود والخصخصة وتقديم الحوافز المالية والتراخي في تطبيق القوانين العامة.
وقد تجد دولة مثل اليمن نفسها بعد ذلك في موقف صعب قد يدفعها فيما يشبه السباق نحو الأسفل إذا لم يكن بوسعها خلق الاستقرار وإيقاف الصراعات المدمرة وجذب الاستثمار وزيادة فرص التشغيل بدلاٍ من التراخي في القوانين وانتظار المساعدات.
لدى اليمن أكثر من 600 ألف خريج جامعي ينتظرون الالتحاق بسوق العمل بالإضافة إلى أن أكثر من 70%من السكان هم في سن اقل من 35 عاماٍ وهو تحد تنموي يتطلب توفير فرص عمل مناسبة في المقام الأول وهذا يفوق قدرات اليمن بوضعها التنموي الحالي الأمر الذي يجعل مسألة مجابهة هذه التحديات مرتبط بتنفيذ خطط فاعلة وواسعة ودقيقة .
وتمتلك بلادنا قوة بشرية مثالية وهذه ليست معضلة بالمعنى الاقتصادي لأن الموارد البشرية في أي بلد تعتبر ثروة قومية عالية النفع لكنها تحتاج فقط لخطط تجعل الإنسان قادرا على رفع طاقته الإنتاجية وطرق تفكيره في الأساس ثم المهارات وخلق البيئة المنافسة القائمة على الاستفادة من الآخرين وتوظيفهم لحالة الإنتاج.
تعطيل
المشكلة بحسب تشخيص أستاذ الاجتماع بجامعة صنعاء نبيل النابهي أن هناك تعطيلاٍ لهذه القوة البشرية وتدمير منظم لها من خلال الإهمال وتوقف سياسات التشغيل والإصلاح الاقتصادي الهادف إلى إيقاف هذه النزيف المتمثل بالبطالة وضبط موازين السباق التنموي للأعلى وليس للأسفل.
ويقول الدكتور نبيل: إن البطالة قنبلة موقوتة ستنسف الجميع في ظل الصراع القائم الذي يستنزف المجتمع ويبدد موارده وإمكانياته والتنافس المحموم على المصالح الذاتية الضيقة على حساب مجتمع يعاني ويلات المشاكل المتعددة مثل البطالة والفقر وغيرها.
ويؤكد ضرورة أن تتبارى وتتسابق مختلف القوى السياسية على النهوض التنموي والبحث عن السبل الكفيلة لاستثمار ما نمتلكه من موارد بشرية وتوظيفها في اتجاه تنموي يخدم المجتمع بدلاٍ من هذا الصراع المدمر والتنافس العبثي نحو المجهول.
بيئة
تحتاج بلادنا على مدار المرحلة المقبلة إلى خلق كم هائل من الوظائف يصل إلى مليون وظيفة بزيادة قدرها 40% عن النسبة الحالية وذلك لمواكبة وتيرة النمو السكاني السريع للفئات الشابة التي تتأهب للانضمام إلى القوى العاملة. إلا أنه قد يتعذر تحقيق هذه النسبة العالية والمْلحة في ظل الفجوة الشاسعة التي نعاني منها حاليٍا بين متطلبات الوظائف في سوق العمل والمهارات التي يمتلكها الشباب.
ويؤكد عصام النقيب منسق البرامج بالمؤسسة الوطنية للتدريب أهمية توفير بيئة استثمارية مشجعة للاستثمار لخلق المزيد من فرص العمل أمام الشباب وهذا يتطلب معالجة الاختلالات الأمنية وإصلاح البنية التحتية وإحداث إصلاحات حقيقية في المجالات الإدارية والمالية والاقتصادية اللازمة.
ويرى أن هناك حاجة فعلية لإنشاء جهة تتولى إرشاد وتوجيه الشباب نحو فرص العمل المتاحة والمستجدات في سوق العمل ومساعدة الشباب على تنمية مهاراتهم.
ويرى ضرورة مراجعة البرامج في المؤسسات التعليمية وأن تخضع لرقابة صارمة من جهات الإشراف والعمل على تطويرها باستمرار بحيث تركز على النوع أكثر من الكم بحيث تضمن تزويد الخريجين بالمهارات اللازمة لسوق العمل.
دعوة
يدعو خبراء الحكومة القادمة إلى مراجعة المخصصات الحالية واتخاذ الخطوات الضرورية لضمان توجيه أموال التمويلات نحو المشاريع التي لها أثر سريع على حياة المواطن وخلق فرص العمل لاسيما للشباب والنساء بحسب مقررات الإستراتيجية الوطنية للتشغيل والأهم خلق بيئة تشريعية وقانونية وأمنية مستقرة لتشجيع وتحفيز الأعمال وجذب المزيد منها لتشغيل الخريجين والعاطلين عن العمل.
وتقتضي الضرورة التركيز على المشاريع التي لها عائدات استثمارية اجتماعية كبيرة وسريعة وهذا الأمر يتطلب إعطاء الأولوية في التخصيص للمشاريع والأنشطة المدرجة تحت خطة عمل توظيف الشباب التي تم استكمالها مؤخراٍ وخطة عمل توسيع الأمن الغذائي التي مدتها خمس سنوات مع الوضع في الاعتبار الاحتياجات المحلية في مختلف المناطق والتوزيع الجغرافي للمشاريع عند تخصيص التمويلات لبرامج التشغيل.
ويرى النقيب في هذا الخصوص أهمية توفر الحوافز أمام الأسر والطلاب من أجل الاستثمار في رأس المال البشري بعبارة أخرى من الأرجح أن تتأثر الحصيلة التعليمية بشكل أكبر بالطلب على القوى العاملة أو التوقعات ذات الصلة أكثر من تأثرها بعرض الفرص التعليمية كما يقول منسق البرامج في المؤسسة الوطنية للتدريب حيث تستند المعايير الحالية على القرابة والمعرفة أكثر منه على الجدارة بالإضافة إلى عدم خضوع عملية التوظيف إلى ضرورة تطوير حرفية الوظيفة العامة بل تْعتبر وسيلة لاستيعاب العدد المتنامي من الباحثين عن عمل
أزمة
لعل أحد أهم أسباب ارتفاع معدلات البطالة هو الفجوة القائمة بين المهارات التي يحصل عليها المتعلمين من مناهجهم وأنظمتهم التعليمية وتلك المهارات التي يحتاجها القطاع الخاص وعادةٍ ما تعتبر مؤسسات الأعمال أن النقص في المهارات المطلوبة هو العائق الأبرز أمام توظيف الشباب.
كما ان “من يتلقى تعليماٍ غير مناسب “ لا يعني بالتبعية أنه “غير متعلم” فالبطالة مرتفعة أيضاٍ لدى الأشخاص الأكثر تعليماٍ حيث أن 43% من الحاصلين على شهادات التعليم العالي عاطلين عن العمل وعليه لا يمكن حل أزمة البطالة بين الشباب بمجرد توفير مستوى أفضل من التعليم.
واظهر تقرير صادر عن ” المنتدى الاقتصادي” في هذا الشأن حول مؤسسات الأعمال الكبرى في دفع عملية التوظيف في الدول النامية مثل اليمن أن القوى العاملة تفتقر إلى المهارات العامة والمتخصصة التي تتطلبها الوظائف والتي من شأنها أن تجعلها قوى منتجة ومتحمسة.
علاوةٍ على ذلك فإن أكثر من نصف سكان لا يتجاوز سنهم الخامسة والعشرين وهي نسبة عالية تْصعب من عملية خلق فرص العمل وهو ما يدفع هؤلاء الشباب بعد استكمال تعليمهم إلى الانضمام إلى القوى العاملة مما يؤدي إلى وجود تحدُ كبير لتأمين وظائف مناسبة لهم للاستفادة الفعلية من هذه الطاقة الاقتصادية.
كما أن “القوى العاملة التي تتلقى تعليماٍ منخفض المستوى” بحسب ماورد في التقرير هي العامل الإشكالي الرابع من حيث الأهمية بعد عوامل التمويل وأنظمة العمل المقيدة والبيروقراطية الحكومية غير الفاعلة.

قد يعجبك ايضا