نعمة الأمن



الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.
فإن نعم الله على عباده عظيمة وآلاؤه جسيمة فهي نعم عظيمة وكثيرة لا يستطيع العباد عدها ولا إحصائها مهما حولوا قال تعالى في محكم التنزيل
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) إبراهيم:34
(وما بكم من نعمة فمن الله) النحل: 53
ومن أعظم نعم الله التي حبانا الله بها هي نعمة الإسلام بالنعمة الكبرى قال تعالى في محكم التنزيل (يِمْنْونِ عِلِيúكِ أِنú أِسúلِمْوا قْل لِا تِمْنْوا عِلِيِ إسúلِامِكْم بِل اللِهْ يِمْنْ عِلِيúكْمú أِنú هِدِاكْمú للúإيمِان إن كْنتْمú صِادقينِ) الحجرات: 17
ورب العباد أمر عباده المؤمنين والناس جميعا أن يذكروا نعمة عليهم فقال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين ( يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم) فاطر: 30 وقال أيضاٍ ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم)) المائدة: 11 ومن النعم الأخرى التي أنعم الله بها علينا بعد توحيده ” نعمة الأمن في الأوطان” أي الأمن على الدين والنفس والأهل والعرض والمال هذه النعمة من الضروريات الإنسانية المهمة ومن المقاصد الأساسية للشريعة وهي مطلب كل أمن وغاية كل دولة فلا يستغنى عن نعمة الأمن حاكم ولا محكوم ولا غني ولا فقير ولا كبير ولا صغير ولا ذكر ولا أنثى ولا صحيح ولا سقيم ولا مسافر ولا مقيم حتى الجنين في بطن أمه في حاجة ماسة إلى الأمن والأمن والأمان قيمة نعمة الأمن عند الأنبياء عليهم السلام.
هذه النعمة عرف قيمتها وأهميتها أنبياء الله عليهم السلام- فخليل الرحمن- عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام دعا ربه كما حكى القرآن الكريم لمكة بالأمن قائلاٍ:-
(2وِإذú قِالِ إبúرِاهيمْ رِب اجúعِلú هِذِا بِلِدٍا آمنٍا وِارúزْقú أِهúلِهْ منِ الثِمِرِات مِنú آمِنِ منúهْم بالله وِالúيِوúم الآخر قِالِ وِمِن كِفِرِ فِأْمِتعْهْ قِليلاٍ ثْمِ أِضúطِرْهْ إلى عِذِاب النِار وِبئúسِ الúمِصيرْ) البقرة: 126 ففي هذه الآية الكريمة من كتاب رنا قدمت “نعمة الأمن” على “الرزق” في الآية الكريمة لسببين:-
الأول1- أن استتباب الأمن سبب للرزق فإذا شاع الأمن واستتب سعى الناس في الأرض يبتغون من فضل الله وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم وهذا لا يكون إلا مع الأمن.
الثاني:- 2- أنه لا يطيب طعام ولا يستساغ فلا طعم لأشهى المأكولات ولا لأطيب الثمرات مع ذهاب الأمن ونزول الخوف والهلع وقد ذكر الله عباده في محكم تنزيله بهذه الآية ليقابلوا تلك النعمة بشكر الله تعالى والثناء عليه فقال جل وعلا 105لإيلِاف قْرِيúشُ إيلِافهمú رحúلِةِ الشتِاء وِالصِيúف فِلúيِعúبْدْوا رِبِ هِذِا الúبِيúت الِذي أِطúعِمِهْم من جْوعُ وِآمِنِهْم منú خِوúفُ ) سورة قريش.
وسيدنا “صالح” عليه السلام يذكر قومه بهذه النعمة “الأمن” ويحذرهم من الاستخفاف بها (أِتْتúرِكْونِ في مِا هِاهْنِا آمنينِ في جِنِاتُ وِعْيْونُ وِزْرْوعُ وِنِخúلُ طِلúعْهِا هِضيمَ وِتِنúحتْونِ منِ الúجبِال بْيْوتٍا فِارهينِ فِاتِقْوا اللِهِ وِأِطيعْون وِلِا تْطيعْوا أِمúرِ الúمْسúرفينِ الِذينِ يْفúسدْونِ في الúأِرúض وِلِا يْصúلحْونِ). لشعراء:146-147-148-149-150-151-152-
فبدأ بنعمة الأمن لأن بحصول الأمن يتحقق الخير والبركة بتوفيق الله تبارك وتعالى.
ج- سيدنا “يوسف” عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام يطلب من والديه دخول دخول “مصر” مخبرا إياهم باستتباب الأمن بها قال تعالى (فِلِمِا دِخِلْواú عِلِى يْوسْفِ آوِى إلِيúه أِبِوِيúه وِقِالِ ادúخْلْواú مصúرِ إن شِاء اللهْ آمنينِ) يوسف:99 لأن الأمن أهم شيء فبالأمن تطمئن النفوس وتنشرح الصدور.
د- ولما خاف “موسى” عليه وعلى جميع الأنبياء السلام أعلمه ربه بأنه من الآمنين ليهدأ من روعه وتسكن نفسه قال تعالى في محكم التنزيل (وأِنú أِلúق عِصِاكِ فِلِمِا رِآهِا تِهúتِزْ كِأِنِهِا جِانَ وِلِى مْدúبرٍا وِلِمú يْعِقبú يِا مْوسِى أِقúبلú وِلِا تِخِفú إنِكِ منِ الúآمنينِ) سورة القصص:31
أهمية نعمة الأمن
يدل على أهمية نعمة الأمن للناس جميعا عدة أمور :-
1- أن العبادات في الإسلام لا يتأتى القيام بها على الوجه الأكمل الا في ظل الأمن والأمان.
2- فالصلاة مثلا قال الله عنها (حِافظْواú عِلِى الصِلِوِات والصِلاِة الúوْسúطِى وِقْومْواú لله قِانتينِ فِإنú خفúتْمú فِرجِالاٍ أِوú رْكúبِانٍا فِإذِا أِمنتْمú فِاذúكْرْواú اللهِ كِمِا عِلِمِكْم مِا لِمú تِكْونْواú تِعúلِمْونِ) البقرة :238-239
وقال تعالى أيضاٍ (فِإذِا قِضِيúتْمْ الصِلاِةِ فِاذúكْرْواú اللهِ قيِامٍا وِقْعْودٍا وِعِلِى جْنْوبكْمú فِإذِا اطúمِأúنِنتْمú فِأِقيمْواú الصِلاِةِ إنِ الصِلاِةِ كِانِتú عِلِى الúمْؤúمنينِ كتِابٍا مِوúقْوتٍا) النساء: 103.
3- ومن شروط وجوب الحج الأمن
فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق آمناٍ فلا يجب عليه الحج قولا واحد قال تعالى في محكم التنزيل (فِإذِا أِمنتْمú فِمِن تِمِتِعِ بالúعْمúرِة إلى الúحِج فِمِا اسúتِيúسِرِ منِ الúهِدúي) البقرة:196.
4- ولما أخبر الله نبيه وحبيبه “محمد صلى الله عليه وسلم” بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعد ما صدهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن قال تعالى (لِقِدú صِدِقِ اللِهْ رِسْولِهْ الرْؤúيِا بالúحِق لِتِدúخْلْنِ الúمِسúجدِ الúحِرِامِ إن شِاء اللِهْ آمنينِ مْحِلقينِ رْؤْوسِكْمú وِمْقِصرينِ لِا تِخِافْونِ فِعِلمِ مِا لِمú تِعúلِمْوا فِجِعِلِ من دْون ذِلكِ فِتúحٍا قِريبٍا) سورة الفتح الآية :27.
5- وهل تؤدى فريضة الزكاة إلا في حال الأمن والأمن
1- ان انتشار الدعوة الإسلامية ونجاحها يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات ويدلل على ذلك ان رسولنا- صلى الله عليه وسلم- عندما خرج إلى الحديبية كان معه خمسمائة وألف من أصحاب فلما انعقد وتم صلح الحديبية وكان من بنوده وقف الحرب بين المسلمين وكفار قريش مدة عشر سنوات دخل كثير من الناس في دين الله أفواجا بعد عامين وبضعة أشهر من صلح الحديبية أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة في عشرة آلاف من الصحابة الكرام وتحقق له ذلك العشرين من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة النبوية.
2- ورب العباد امتن على عباده بنعمة الأمن فقال تعالى (أِوِلِمú يِرِوúا أِنِا جِعِلúنِا حِرِمٍا آمنٍا وِيْتِخِطِفْ النِاسْ منú حِوúلهمú أِفِبالúبِاطل يْؤúمنْونِ وِبنعúمِة اللِه يِكúفْرْونِ) العنكبوت:67 وامتن الله على أصحاب نبينا “محمد” صلى الله عليه وسلم بنعمة الأمن” فقال سبحانة وتعالى (وِاذúكْرْواú إذú أِنتْمú قِليلَ مْسúتِضúعِفْونِ في الأِرúض تِخِافْونِ أِن يِتِخِطِفِكْمْ النِاسْ فِآوِاكْمú وِأِيِدِكْم بنِصúره وِرِزِقِكْم منِ الطِيبِات لِعِلِكْمú تِشúكْرْونِ) الأنفال:26.
3- ومن الله على قوم”سبأ” بأنهم كانوا يسيرون في أسفارهم سالمين آمنين قال تعالى (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) سبأ: 18.
4- وجنة الله تعالى دار آمن وأمان فيقال لأصحاب الجنة (ادخلوها بسلام آمنين) الحجر:46.
5- وأهل الجنة كما قال الله تعالى من أوصافهم ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يونس:62 وقال تعالى (يِدúعْونِ فيهِا بكْل فِاكهِةُ آمنينِ) الدخان:55 .
نعمة الأمن في السنة النبوية
يدل على نعمة “الأمن” في السنة النبوية المطهرة أحاديث عديدة منها
أ- عن عبدالله بن محصن الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ” من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح وحسنه الألباني في صحيح الجامع(6042) فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأن نعمة الأمن تشكل مع العافية والرزق الملك الحقيقي لكل الدنيا.
ب- وعندما يهل الهلال من كل شهر عربي يطالعه كل مسلم ومسلمة في السماء ويقول واحد منهم ( اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله) رواه أحمد عن طلحة بن عبيد الله , وقال مخرجوه حسن الشواهده ورواه الطبراني في الدعاء.. فالمسلمون جميعا كما يبحثون عن الإيمان يبحثون عن الأمن وكما يبحثون عن الإسلام يبحثون عن السلامة,
وسائل تحقيق الأمن
يتحقق الأمن للفرد والمجتمع بأمور منها:
1- الأيمان بالله تعالى والخضوع له والقيام بشرعة قال تعالى (وِعِدِ اللِهْ الِذينِ آمِنْوا منكْمú وِعِملْوا الصِالحِات لِيِسúتِخúلفِنِهْم في الúأِرúض كِمِا اسúتِخúلِفِ الِذينِ من قِبúلهمú وِلِيْمِكنِنِ لِهْمú دينِهْمْ الِذي ارúتِضِى لِهْمú وِلِيْبِدلِنِهْم من بِعúد خِوúفهمú أِمúنٍا يِعúبْدْونِني لِا يْشúركْونِ بي شِيúئٍا) النور:55 وقال تعالى(الِذينِ آمِنْواú وِلِمú يِلúبسْواú إيمِانِهْم بظْلúمُ أْوúلِئكِ لِهْمْ الأِمúنْ وِهْم مْهúتِدْونِ) فالإنسان بدون إيمان خطر على نفسه وأهله وأقرب الأقربين وعلى وطنه.
2- العمل الصالح ويقصد به العمل الجامع الشامل لكل ما يصلح من شأن الحياة الدنيا والآخرة فمكافحة البطالة والفقر واغناء المحتاجين وتحقيق التنمية في كافة المجالات من صحة وتعليم واقتصاد كل ذلك من العمل الصالح.
العمل والكسب الحلال فالكل في الإسلام يعمل المحتاج وغير المحتاج المحتاج يعمل ليسد حاجته وهو بذلك مجاهد في سبيل الله تعالى وغير المحتاج يعمل ليساهم في رفعة مجتمعة والنهوض ببلده ليتحقق الرخاء والقوة للوطن وهذا ما يؤدي إلى تقليل الجريمة ويساهم في تحقيق الأمن.
التكافل الاجتماعي ومحاربة الفقر عن طريق التشريعات التي وضعها الإسلام فالزكاة وصدقات التطوع والكفارات والنذور والأضاحي والسعي في قضاء حاجات الناس والتعاون على الخير.
التثبت من الأخبار والحذر من الشائعات لما لها من أْثر سيء في إثارة الفتن والاضطرابات داخل المجتمع قال تعالى “يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبا فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” الحجرات الآية 6
وفي الحديق كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع فالشائعات كذب وبهتان وافتراء وخطيئة الوسطية والاعتدال والرفق والعفو والتسامح وعدم التعصب الحزبي والقبلي والمذهبي عامل من عوامل أمن الفرد والمجتمع.
وصلى الله وبارك على نبينا “محمد” وعلى آله وصحبه وسلم.
* رئيس بعثة الأزهر الشريف

قد يعجبك ايضا