ربما من أسوأ ما على النظام العربي مواجهته هو أن تكون الشعوب العربية فاقدة للثقة فيه وفي قدرته على فعل شيء انتصارا لقضايا بلدان المنطقة.
قُبيل قمة بغداد التي جاءت عقب أشهر قليلة من قمة القاهرة، اتسمت معظم التحليلات وحتى تدوينات الناشطين- أكانت لهم علاقة بالسياسة أو عابري وسائل تواصل- بالتشاؤم وأحيانا بالسخرية.
وهذه الظاهرة تتكرر دائما، وليست مسألة طارئة، فموقف النظام العربي تجاه قضايا الأمة -وعلى رأسها القضية الفلسطينية- كانت دائما سلبية وعاجزة عن الخروج بصوت صريح وملزم لتمكين الشعب الفلسطيني من أن يعيش على أرضه حرا مستقلا، فكيف ونحن طوال ما يقارب العامين نشهد جريمة إبادة جماعية بحق هذا الشعب ولم نر أي تحرك عربي مؤثر لإنقاذ المواطنين في غزة.
لم تختلف قمة بغداد عن قمة القاهرة، فالدافع واحد هو غزة مع إضافة سوريا هذه المرة، والمخرجات، بيان مغلوب على أمره.. نعم قد يكون وحّد الكلمة لكن حاجة الواقع قد تجاوزت هذا الإنجاز إلى التحرك الفعلي لوضع نهاية لما يعيشه الفلسطينيون.
المؤلم أنه طوال المأساة الفلسطينية لم يكن هناك فعلا عربي ملموس ومؤثر لصالح القضية، والمشكلة تبدو اليوم أكثر إيلاما مع ظهور حالة من التماهي مع الأهداف الأمريكية والصهيونية في الأراضي المحتلة.
ربما كان موفقا في قمة القاهرة ظهور ذلك الصوت الموّحد والرافض لتهجير الفلسطينيين من بلادهم، لكن ولأن الأمر لم ينتقل من خانة الكلام إلى خانة الفعل ولو بممارسة الضغط، يعود موضوع التهجير إلى الواجهة وبقوة مدعوما بحالة الود المتبادلة بين ترامب -صاحب المشروع- وبعض الأنظمة العربية.
ولا يبدو أن قمة بغداد ستمثل تحولا في شكل التعاطي مع جرائم الاحتلال، بحيث تنتقل بهذه المُطالبة إلى خانة الفعل، وإن كانت ستتحرك لوضع سياسة إعمار لغزة المدمرة. لذلك الشارع العربي لا يثق بأي اجتماع لقادة أنظمة دولنا العربية ولا ينتظر منه شيئاً مختلفاً عما ألفوه في كل القمم السابقة.
انعقدت القمة وغزة في ذروة الجوع والعطش بسبب الحصار غير الإنساني الذي يفرضه الكيان الصهيوني، فضلا عن استمرار الآلة العسكرية في تدمير ما تبقى من المدمر أصلا، فهل أمكن لهذه القمة على الأقل فرض إدخال المساعدات الإنسانية وفورا؟!
قمة كهذه كان من الطبيعي أن تكون طارئة جدا، وأن تخصص للعمل على وضع آلية لرد العدوان الإسرائيلي عن غزة، وأن تخرج بقرارات مدعومة بتأكيدات على تنفيذها ومتابعة ذلك، في ما يشبه حالة الاستنفار لفرض إرادة الأمة في الانتصار لجزء منها، ولا يعني الأمر بالضرورة التحرك العسكري فهذا الأمر يمكن في مرحلة لاحقة، بعد مرحلة الضغط، فوطننا العربي لا تزال بيده الكثير من أوراق الضغط التي يمكن أن تجبر بها أمريكا بصورة أكيدة لإلزام العدو الإسرائيلي باحترام القانون الدولي وإيقاف عدوانه عن غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين.
لا شيء من ذلك يبدو أنه سيحدث، فالقمة اتفقت على التزام ذات الدبلوماسية الأنيقة في صيغة البيان، مع رفع حِدة بعض المفردات أحيانا ولا أكثر، وإن كنا -رغم كل ذلك- سنمنح أنفسنا مساحة من حسن الظن وسنترقب في ما سيتبع من تحركات لجهة تحويل مضامين البيان في ما يتعلق بغزة المحاصرة إلى فعل ينقذ النساء والأطفال والشيوخ.